بشارة القرآن لأهل التوحيد

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2025-08-12 - 1447/02/18
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/كلمة التوحيد أعظم كلمة 2/من ثمرات كلمة التوحيد

اقتباس

فَبِالتَّوْحِيدِ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ وَتَطِيبُ، وَتَأْنَسُ النَّفْسُ وَتَطْمَئِنُّ، وَتَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِذَا فَإِنَّ جُلَّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا ذِكْرُ التَّوْحِيدِ، جَاءَ فِيهَا الْأَمْرُ الصَّرِيحُ بِالتَّوْحِيدِ، أَوِ التَّرْغِيبُ فِيهِ، أَوِ التَّرْهِيبُ مِنْ ضِدِّهِ، أَوْ بَيَانُ حَالِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ الْعُظْمَى مِنْ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" هِيَ أَعْظَمُ كَلِمَةٍ، وَأَجَلُّ كَلِمَةٍ، وَأَنْفَعُ كَلِمَةٍ، وَأَصْدَقُ كَلِمَةٍ، وَمِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ الثَّقَلَانِ، وَبُعِثَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ:

تَوْحِيدُ اللَّهِ، وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ: فَبِالتَّوْحِيدِ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ وَتَطِيبُ، وَتَأْنَسُ النَّفْسُ وَتَطْمَئِنُّ، وَتَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِذَا فَإِنَّ جُلَّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا ذِكْرُ التَّوْحِيدِ، جَاءَ فِيهَا الْأَمْرُ الصَّرِيحُ بِالتَّوْحِيدِ، أَوِ التَّرْغِيبُ فِيهِ، أَوِ التَّرْهِيبُ مِنْ ضِدِّهِ، أَوْ بَيَانُ حَالِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ الْعُظْمَى مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56].

 

وَمَنْ حُرِمَ نِعْمَةَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ فَهُوَ فِي ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ يَتِيهُ، لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْفَضْلُ، وَلَهُ الْمِنَّةُ الْعُظْمَى أَنْ جَعَلَنَا مُوَحِّدِينَ، وَصَرَفَ عَنَّا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ؛ (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)[الْحُجُرَاتِ: 17]، وَ(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ)[الْقَصَصِ: 70].

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِها: تَصْدِيقُ دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ: أَعْظَمُ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ هُوَ الدَّعْوَةُ لِتَوْحِيدِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)[النَّحْلِ: 2]، وَلِهَذَا كَانَتْ دَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدَةً؛ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الْأَنْبِيَاءِ: 25].

 

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ وَاحِدٌ، وَالرَّبَّ وَاحِدٌ -سُبْحَانَهُ-، فَلَوْ كَانُوا يَدَّعُونَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ؛ لَكَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ ظَاهِرًا بَيِّنًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ -‌وبَنُو ‌العَلَّاتِ: بَنُو رَجل وَاحِدٍ مِنْ أُمَّهاتٍ شَتَّى-، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أُصُولِ التَّوْحِيدِ، وَمُخْتَلِفُونَ فِي فُرُوعِ الشَّرَائِعِ، فَأَصْلُ إِيمَانِهِمْ وَاحِدٌ، وَشَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ.

 

ومنها: تَصْدِيقُ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ: أَخْبَرَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، حَتَّى يَسْتَنْكِرُوا رِسَالَتَهُ وَيُكَذِّبُوهُ؛ (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ)[الرَّعْدِ: 30]، فَشَأْنُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَشَأْنِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، الدَّعْوَةُ لِتَحْقِيقِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) عِلْمًا، وَعَمَلًا، وَاعْتِقَادًا.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: التَّصْدِيقُ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ: أَخْبَرَتِ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذَكَرَتْ صِفَاتِهِ وَاسْمَهُ، قَالَ -تَعَالَى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)[الْأَعْرَافِ: 157]، (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)[الصَّفِّ: 6]؛ قَالَ ابْوُ حَيَّانَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَتَصْدِيقُهُ إِيَّاهَا: أَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِمَجِيئِهِ، ‌وَوُقُوعُ ‌الْمُخْبَرِ ‌بِهِ يَجْعَلُ الْمُخْبِرَ صَادِقًا"(البحر المحيط).

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: التَّصْدِيقُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ: مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي نَاقَشَهَا الْقُرْآنُ وَفَنَّدَهَا مَسْأَلَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَالْحِسَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالَ -تَعَالَى- فِي خِطَابِهِ لِمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)[طه: 14- 15].

 

وَجَاءَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)[النِّسَاءِ: 87]، فَالْآيَةُ أَكَّدَتْ صِدْقَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةِ مُؤَكِّدَاتٍ: أ- الْإِعْلَامُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ). ب- الْقَسَمُ: (لَيَجْمَعَنَّكُمْ)، أَيْ: وَاللَّهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ج- التَّبْرِئَةُ: (لَا رَيْبَ فِيهِ)، أَيْ: لَا شَكَّ، وَلَا شُبْهَةَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فِي وُقُوعِهِ. د- الِاسْتِفْهَامُ: الَّذِي مَعْنَاهُ تَقْرِيرُ الْخَبَرِ: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا). 

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: التَّصْدِيقُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ: مِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ أَنَّهَا جَاءَتْ فِي سِيَاقِ التَّصْدِيقِ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ، مُقْتَرِنَةً بِأَعْظَمِ شَهَادَةٍ، وَأَجَلِّهَا وَأَشْرَفِهَا: قَالَ -تَعَالَى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آلِ عِمْرَانَ: 18]، فَسِيَاقُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ -سُبْحَانَهُ- جَاءَ لِلتَّوْطِئَةِ لِمَا سَيُقَرِّرُهُ -سُبْحَانَهُ- مِنْ أَنَّ الدِّينَ الْحَقَّ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آلِ عِمْرَانَ: 19]، فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَ الْعِبَادِ إِلَّا الْعُبُودِيَّةَ الْخَالِصَةَ لَهُ، الْمُتَمَثِّلَةَ فِي الْإِسْلَامِ.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: تَحْقِيقُ الْهِدَايَةِ وَالصَّلَاحِ: الْهِدَايَةُ أَفْضَلُ جَزَاءٍ يُعْطِيهِ اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ أَرَادَ الْهِدَايَةَ فَطَرِيقُهَا الْأَوْحَدُ هُوَ تَحْقِيقُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ -سُبْحَانَهُ-، بِإِفْرَادِهِ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التَّغَابُنِ: 11]، فَمَنْ آمَنَ الْإِيمَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَقَامَ بِلَوَازِمِ الْإِيمَانِ وَوَاجِبَاتِهِ؛ هَدَاهُ اللَّهُ -تَعَالَى-، وَأَصْلَحَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَهَدَاهُ لِلصَّوَابِ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ:

الْأَمْنُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَلَاحُ فِي الْآخِرَةِ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الَّذِينَ لَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ؛ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، وَالْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَنْعَامِ: 82]، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِالْجَنَّةِ لِمَنِ اسْتَقَامَ عَلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ الصَّادِقِ، حَتَّى وَافَتْهُ الْمَنِيَّةُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[فُصِّلَتْ: 30]، بَلْ إِنَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ سَبَبٌ لِلرُّعْبِ وَالْهَلَعِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 151].

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: الْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ: كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ هِيَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَحْفَظُ الْعَبْدَ، وَتُنْجِيهِ مِنْ سَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ، فَهِيَ الْمُؤْنِسَةُ لَهُ، وَالْمُسَلِّيَةُ فِي الْكُرُوبِ وَالضَّوَائِقِ، فَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- نَادَى رَبَّهُ -سُبْحَانَهُ- فِي الظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ: ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87، 88]، فَإِنَّ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَقَرَّ لِلَّهِ بِكَمَالِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَنَزَّهَهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ وَآفَةٍ، وَاعْتَرَفَ بِظُلْمِ نَفْسِهِ وَجِنَايَتِهِ.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ: إِنَّ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[مُحَمَّدٍ: 19]، بَلْ إِنَّ تَحْقِيقَ التَّوْحِيدِ يَمْحُو مَا سَبَقَهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، مَهْمَا بَلَغَ ذَلِكَ الْكُفْرُ، قَالَ -تَعَالَى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الْمَائِدَةِ: 73 - 74]، فَمِنْ كَرَمِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ، وَرَحْمَةِ اللَّهِ بِخَلْقِهِ، دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، بِالرُّجُوعِ إِلَى الْإِيمَانِ وَتَوْحِيدِهِ، وَتَرْكِ الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ.

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: ضَمَانُ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: تَكَفَّلَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالرِّزْقِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)[الرَّعْدِ: 26]، وَأَمَّا الرِّزْقُ الْأُخْرَوِيُّ فَهُوَ خَاصٌّ بِمَنْ آمَنَ بِــ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا، فَقَدْ أَخْبَرَ -سُبْحَانَهُ- أَنَّ رِزْقَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ، فَلَا انْقِضَاءَ لَهُ وَلَا نَفَادَ: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غَافِرٍ: 40]، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا)[الطَّلَاقِ: 11].

 

وَأَمَّا مَنْ كَفَرَ بِــ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الرِّزْقِ الْأُخْرَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[الْأَعْرَافِ: 50 - 51].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life