جيش عاشوراء العرمرم

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-07-14 - 1447/01/19
عناصر الخطبة
1/جيش فرعون يلحق موسى وقومه 2/نجاة بني إسرائيل بمعجزة شق البحر 3/سر تكرار قصة موسى في القرآن 4/من عبر هذه القصة 5/صوم يوم عاشوراء وفضله

اقتباس

أنْ نتذكَّرَ ونحنُ في غَمرةِ الشعورِ باليأسِ والإحباطِ مما يُصيبُ المسلمينَ اليومَ من نكباتٍ، أنَّ يومَ عاشوراءَ يأتيْ ليُعلِّمَنا الفألَ وانتظارَ الفرجِ، وأنَّ العاقبةَ للمتقينَ، وأنَّ الدائرةَ على الظالمينَ، نعمْ إنه يومُ عاشوراءَ، يومُ التمكينِ والانتصارِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ المبتدئِ بحمْدِ نفسهِ قبل أن يَحمَدَهُ حامِدٌ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ الربُ الصمدُ الواحدُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه إلى الثقلينِ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ عددَ طلوعِ النيِّرينِ.

 

أما بعدُ: فاتقوا ربَكم؛ فتقواهُ خيرُ ما اخترتُم وادَّخرتُم.

 

غداً، وما أدراكَ ما غدٍ؟! غداً السبتُ يوافِقُ حدَثًا تاريخيًا كبيرًا في حياةِ البشريةِ، أتدرونَ ما هوَ؟! الحدثُ وقعَ على ساحلِ البحرِ الأحمرِ، حيثُ اجتمعَ مليونُ مقاتلٍ من أهلِ الباطلِ، أمامَ ثلةٍ ثابتينَ على الحقِّ، ويشتدُّ الكربُ، وتصِلُ الجنودُ الفرعونيةُ الطاغيةُ مع شروقِ شمسِ يومِ عاشوراءَ؛ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)[الشعراء: 60]، البحرُ مِن أمامِهم، وفرعونُ مِن خلفِهم؛ (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء: 61].

 

وفي تلكَ الساعةِ الرهيبةِ ينطلقُ وينطِقُ موسى بكلمةِ التوحيدِ، يقينًا بوعدِ الذي اصطنَعَه لنفسِهِ: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 62]، وإذا بالفرجِ الربانيِ العجيبِ يأتيْ بثوانٍ!، وسُرعانَ ما أمرَهُ اللهُ: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ)[الشعراء: 63]، نظرَ موسى إلى البحرِ وهوَ يتلاطَمُ بأمواجِهِ، وإذ بهِ ينفلِقُ بإذنِ اللهِ -تعالى- وقدرتِهِ، ويتكوَّنُ وسطَ الماءِ اثنا عشرَ طريقًا (كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[الشعراء: 63]، يالِلهِ العجبُ! الماءُ المائعُ يصبحُ بقدرةِ الكبيرِ المتعالِ قائمًا جامدًا مثلَ الجبالِ!.

 

فيأمرُ اللهُ -سبحانَه- موسَى أن يَجوزَ ببنيِ إسرائيلَ البحرَ، فانحدَرُوا فيه مسرعِينَ مستبشِرينَ، فلما جاوَزَ آخرُهم، أرادَ موسَى أن يَضربَ البحرَ بعصاهُ؛ ليرجعَ كما كانَ، فأمرَه ربُه القديرُ أن يدَعَهُ على حالِه لتكتملَ المعجزةُ الباهرةُ القاهرةُ: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)[الدخان: 24].

 

وعلى الطرفِ الآخرِ يَنظُرَ فرعونُ مبهورًا مقهورًا، فيُحْجِمُ ويتردَّدُ، ثم تحملُه نفسُه الكافرةُ، وسجيتُه الفاجرةُ على اللَّحاقِ بموسى، فيتبَعُه قومُه عن آخرِهِم، فلما استكمَلُوا فيه، أمرَ اللهُ كليمَهُ موسَى فضربَ بعصاهُ البحرَ، فانطبَقَ البحرُ على جيشٍ عَرَمْرَمٍ بلحظةٍ واحدةٍ، وابتلعَهُم، فَلَمْ يَنْجُ منهم إنسانٌ: (وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الشعراء: 65 - 68].

 

نعمْ، يومُ غدٍ السبتِ نتذكرُ ذلكَ الحدثَ الرهيبَ المهيبَ، يومَ انقلبَ البحرُ بأمواجهِ، إلى طريقٍ يمشونَ بفجاجهِ، يومَ غَرِقَ فيهِ الطاغيةُ الأكبرُ المتكبرُ القائلُ: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص: 38]، (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات: 24]، والنتيجةُ: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى)[النازعات: 25].

 

إن قصةَ موسى وفرعونَ تكرَّرَ ذِكرُها في خمسٍ وعشرينَ سورةً من القرآنِ، فما السرُّ؟! السرُّ لأنها من أحسنِ القِصَصِ، وربُنا يقولُ عنها: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[النازعات: 26].

 

أيُّها المؤمنونَ: في هذهِ القصةِ عدةُ عبرٍ، منها: أنْ نتذكَّرَ ونحنُ في غَمرةِ الشعورِ باليأسِ والإحباطِ مما يُصيبُ المسلمينَ اليومَ من نكباتٍ، أنَّ يومَ عاشوراءَ يأتيْ ليُعلِّمَنا الفألَ وانتظارَ الفرجِ، وأنَّ العاقبةَ للمتقينَ، وأنَّ الدائرةَ على الظالمينَ، نعمْ إنه يومُ عاشوراءَ، يومُ التمكينِ والانتصارِ، ويومُ المغفرةِ للأوزارِ، ويومُ الشكرِ والإقرارِ.

 

وفي القصةِ فضلُ التوحيدِ في المُلِمَّاتِ، وتفويضِ الأمرِ إلى فارجِ الكرباتِ؛ (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 62].

 

فيا أيُها الموحِّدُ المكروبُ: مهمَّا ضعُفَتْ قوَّتُكَ، وتكالبَتْ عليكَ الهمومُ، فتذكرْ أن اللهَ معكَ يسمعُ ويرَى، وأن اللهَ لا يُعجزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ؛ (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)[مريم: 84].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ مجيبِ دعوةِ المضطرِ، وصلى اللهُ وسلمَ على الداعِيْ في السرِ والجهرِ.

 

أما بعدُ: فمِن فضلِ اللهِ -جلَّ وعلا- علينا، ورحمتهِ بنا أنْ فتحَ بابَينِ من الرحمةِ بينَ العامينِ، فقبلَ أن ينتهيَ العامُ نصومُ عرفةَ ليغفرَ اللهُ لنا، وفي بدايةِ العامِ نصومُ عاشوراءَ ليَغفرَ لنا، ويأبَى اللهُ إلا أن يتوبَ علينا، ويمُنَّ علينا –سبحانَه- بأن نبدأَ عامَنا طاهرِينَ مطهَّرِينَ.

 

أيُها المسابقُ للخيراتِ: لو سألتَ: ما الأفضلُ في صيامِ عاشوراءَ؟ فيُقالُ: الأفضلُ أن تكونَ صائماً اليومَ الجمعةَ، وتصومَ معهُ غداً السبتَ؛ لتجمعَ بينَ أجرينِ: أجرِ تكفيرِ سنةٍ، وأجرِ مخالفةِ أهلِ الكتابِ.

 

ولا يُكرَهُ إفرادُ العاشرِ بالصومِ، ومَن صامَهُ بنيةِ القضاءِ والنفلِ يُرجَى أن يُحصِّلَ أجرينِ: أجرَ عاشوراءَ وأجرَ القضاءِ، قَالَ نبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"(رواهُ مسلمٌ).

 

أفنزهَدُ بصيامهِ وقد ثبتَ أنه كانتْ الأمةُ اليهوديةُ الكافرةُ، والأمةُ الجاهليةُ المشركةُ تصومُهُ؟! أفنزهَدُ بصيامِه ونحنُ أَولى منهم بصيامهِ؟! ولقد كانَ الصحابةُ يُصوِّمونَ صبيانَهم عاشوراءَ، فيستحبُ حثُّ صبيانِنا على صيامِه، خاصةً وأنهم بإجازةٍ، ولا يتعرضونَ للشمسِ.

 

فاللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى إمدادِ الأعمالِ والأعمارِ، والإغداقِ بالأرزاقِ، اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ، اللَّهُمَّ تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا، لاَ يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبًا، للَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60]، وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحنُ مُسْلِمونَ، اللهم احفظْ دينَنَا وبلادَنا وأدِمْ أمنَنا، ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والرشادِ، اللهم يا سامعَ دعوتِنا، ويا مقيلَ عثرتِنا: اكشفْ عنا وعن المسلمينَ كلَّ ضيقٍ، وأعنَّا والمسلمينَ على ما نطيقُ، واكفِنا ما لا نُطيقُ، اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عدداً: نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبداً.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life