عاشوراء وقصة هلاك فرعون

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-07-20 - 1447/01/25
التصنيفات الفرعية: عاشوراء
عناصر الخطبة
1/فضل شهر محرم وما ينبغي فيه 2/تغليظ الظلم في الأشهر الحرم 3/استحباب صوم يوم عاشوراء 4/عاشوراء يوم نجاة موسى وبني إسرائيل 5/استحباب صوم يوم عاشوراء وفضله

اقتباس

أمر موسى -عليه السلام- أن يخرج من مصر ليلاً ببني إسرائيل؛ حتى لا يشعر به فرعون، فخرج موسى ببني إسرائيل ليلاً، وعند شروق الشمس تبعهم فرعون وجنوده، ووقف موسى وقومه البحر أمامهم لا يستطيعون خوضه، وفرعون وقومه خلفهم، واقتربوا منهم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: إنكم تعيشون شهراً عظيماً، عظم الله قدره في كتابه وفي سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، إنه شهر محرم، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

 

فيستحب الإكثار من الصيام في هذا الشهر، ولكن لا يصام كله، تقول عائشة -رضي الله عنها -كما في صحيح مسلم: "وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان".

 

وشهر محرم هو أحد الأشهر الحرم قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]، ثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وكذلك رجب الذين بين جمادى وشعبان، وسميت الأشهر الحرم لتأكيد تحريمها؛ ولذلك قال -تعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) قال قتادة -رحمه الله-: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها"، وقد جعل الله هذه الشهور الهلالية مواقيت للناس؛ لأنها علامات محسوسة يعرف كل أحد بدايتها ونهايتها.

 

وفي هذا الشهر يوم عظيم وهو يوم عاشورا، وهو اليوم العاشر من شهر محرم، وهذا اليوم كان معروفاً عند قريش فكانوا يصومونه في الجاهلية ويعظمونه، وكانت تستر فيه الكعبة بالكسوة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه قبل الهجرة، واستمر على صيامه، ولم يأمر الناس بصيامه ثم لما هاجر عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة أمر بصيامه وجوبا، فكان الصحابة -رضي الله عنه- يصومونه وجوباً، ثم لما فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة نسخ وجوب صيام عاشورا وصار مستحباً، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفرده بالصوم، ثم لما كانت السنة التي توفي فيها أفرده بالصيام وقال: "لئن بقيت إلى قابل -يعني السنة التي بعدها-  لأصومن التاسع والعاشر"، فتوفي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يدرك يوم عاشوراء من السنة التي تليها.

 

عباد الله: في هذا اليوم أهلك الله -سبحانه وتعالى- فرعون وقومه، وأنجى موسى -عليه السلام- وقومه، فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟"، فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم"، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه.

 

لقد بلغ فرعون من الظلم والجبروت والكفر والفساد مبلغاً عظيماً، قال الله -تعالى- عنه: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)[يونس: 83]، وكان من طغيانه وعلوه أنه ادعى الربوبية؛ (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات: 24]، وادعى الألوهية كما قال -تعالى-: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص: 38]، وأرسل الله -سبحانه وتعالى- موسى -عليه السلام- إلى هذا الطاغية يدعوه إلى الله، وأيده بآيات عظيمة تدل على صدقه، وأنه مرسل من عند الله -سبحانه-، قال -تعالى- لموسى -عليه السلام-: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[النازعات: 17 - 26].

 

فلما رأى موسى -عليه السلام- شدة إعراض فرعون مع وجود الآيات العظيمة، وأنه مستمر في طغيانه وفساده، دعا عليه الله -سبحانه وتعالى-: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)[يونس: 88].

 

فلما أراد الله -تعالى- إهلاك فرعون وقومه أمر موسى -عليه السلام- أن يخرج من مصر ليلاً ببني إسرائيل؛ حتى لا يشعر به فرعون، فخرج موسى ببني إسرائيل ليلاً، وعند شروق الشمس تبعهم فرعون وجنوده، ووقف موسى وقومه البحر أمامهم لا يستطيعون خوضه، وفرعون وقومه خلفهم، واقتربوا منهم حتى أصبح بعضهم ينظر إلى بعض، فقال قوم موسى (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء: 61]، فقال موسى -عليه السلام-: (كَلَّا)[الشعراء: 62]، أي: لن ندرك، (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 62]، قال -تعالى-: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[الشعراء: 63]، فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق البحر أثني عشر طريقاً، (فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[الشعراء: 63]، أي: كل قطعة منه كالجبل العظيم.

 

فسار موسى ومن معه على أرض يابسة والبحر عن يمنيهم وشمالهم كالجبال العظيمة، فلما خرج موسى -عليه السلام- ودخل فرعون وقومه خلفهم، أطبق الله -عز وجل- عليهم البحر فهلكوا جميعاً، قال -تعالى-: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الشعراء: 64 - 68]،  ويقول -تعالى-: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)[يونس: 90 - 92].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: أن صيام يوم عاشوراء فضله عظيم، فقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم عن صيام يوم عاشورا فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيامه، فقد جاء في الصحيحين البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء".

 

والأفضل أن يصوم الإنسان التاسع والعاشر؛ لكي تحصل المخالفة لليهود، كما جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر"، وإن أفرده بالصيام فلا يكره ذلك.

 

ولا بأس أن الإنسان يصومه ولو كان عليه أيام من قضاء رمضان السابق؛ لأن قضاء رمضان ليس واجبًا على الفور بل على التراخي، ولكن لا يصومه بنية القضاء، بل يصومه بنية أنه يوم عاشورا ويجعل القضاء بعد ذلك.

 

وليُعلم -عباد لله- أن ليلة عاشوراء كغيرها من الليالي، لا يشرع أن تُخص بعبادة أو بقيام ليلها، بل هي كغيرها من الليالي، وكذلك يوم عاشوراء لم يرد فيه إلا الصيام.

 

فلنحرص -عباد الله- على صيام يوم عاشوراء ونحث أولادنا على صيامه، كما كان يفعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونلزم السنة ونحذر من البدعة.

 

اللهم وفقنا لعمل الخير وجنبنا الشر، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life