عناصر الخطبة
1/الحكمة ضالة المؤمن 2/تحريم الحلف بغير الله 3/خطورة التسوية بين الخالق وبين المخلوقاقتباس
إن من المظاهر التي تقع بين الناس التسوية بين الخالق وبين المخلوق؛ ما شاء الله وشاء محمد، أنا بالله وبك، أنا مالي إلا الله وأنت، أنا داخلٌ على الله وعليك. لا تجعل مع الله أحدًا بواو الجمع أبدًا...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: روى بعض أهل السنن من حديث قتيلة -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: أن رجلاً من اليهود أتى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-، فقال: يا محمد، إنكم تشركون، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "مه، وما ذاك؟"، قال: تقولون: والكعبة، وتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فنهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- أن يُقال: والكعبة، وأمر أن يقال: ورب الكعبة، ونهى أن يُقال: ما شاء الله وشاء محمد، قال: بل قولوا: "ما شاء الله وحده"، هذا حديثٌ عظيمٌ أيها الإخوة، ما أكثر ما يقع منا مخالفته في ألفاظنا.
فمما جاء فيه أن هذا اليهودي استنكر على المسلمين الشرك، فدلّ على أنهم يعرفون التوحيد ويعرفون الشرك بما خصهم الله -جل وعلا- به من العلم، لكنّهم لم يعملوا به، بل باعوه واشتروا به ثمنًا قليلاً، وفيه تحريم الحلف بغير الله؛ فإن الكعبة مُعظَّمةٌ عند العرب، وقد جاءت الشريعة فزادت في تعظيمها، ومع ذلك فهي مخلوقةٌ مصنوعة لا يجوز أن يُحلَف بها مع الله -جل وعلا-.
والحلف بغير الله ما أكثر وقوعه في ألسنة الناس اليوم صغيرهم وكبيرهم، قريبهم وبعيدهم؛ فمن حالفٍ بالذمة، ومن حالفٍ بالأمانة، و"مَن حلف بالذمة والأمانة فليس منا"؛ كذا جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-".
ومن حالفٍ بالنبي أو بحياته، وهذا حلفٌ بغير الله أيضًا، ومن حالفٍ بالحرام وبالطلاق وهو كثيرٌ عند هؤلاء المرائين الذين قلَّدوا فيه غيرهم، فظنوا أنهم يوثقون هذا الأمر عزيمةً أو دعوة أو تأكيدًا لكلام، أو كرامة بأن يحرم أو يطلق على أضيافه، وما درى هذا المسكين أنه حلف بغير الله أولاً، وأنه عرَّض حرمته للحرام ثانيًا، وأنه بهذا الفعل يرائي ليلقى من الناس مدحًا، أو يتقي منهم ذمًّا ثالثًا، وإلا فحسبه أن يحلف بالله -عَزَّ وَجَلَّ-.
ومن ذلك أيضًا مَن كانوا يحلفون بآبائهم، فمن قولهم: ورأس أبي، وعزي وشرفي، ورأس أمي، أو بأبي أو بأمي، إنه لكذا وكذا.
وفي الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- من حديث عمر -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: كنا مع رسول الله في غزاة وكنا نحلف بآبائنا، قال: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت".
نعم يا عباد الله؛ الحلف توثيقٌ لأمرٍ عظيم بالله -جل وعلا-، وتوكيدٌ لهذا الأمر وتوثيقه بالعظيم -سبحانه وَتَعَالى-، وفي حديث عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللهُ عنهُما- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"(أخرجه مسلم في الصحيح).
وفي حديث ابن مسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا"، أتدرون لِمَ؟ لأن الحلف بالله كاذبًا يمينٌ غموس تُوعِّد على صاحبها أن يُغمس في النار، أما الحلف بغير الله ولو كان صادقًا في حلفه فهذا هو الشرك الأصغر الذي نهى عنه نبينا أشد النهي، وحذرنا منه أشد التحذير.
نعم عباد الله؛ مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، ولا حاجة إلى المبالغة، ولا إلى المراءة بالأقوال والأفعال عند الناس، فإنها سببٌ لطلب مدح الناس، ثم يؤول بهم إلى إغضاب ربّ الناس -سبحانه وَتَعَالى-؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاحْفَظُوا أَيمَانَكُمْ)[المائدة: 89].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بربوبيته وإيمانًا بعبوديته وألوهيته وبأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك مَن عاند به أو جحد وكفر، وأصلي وأسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.
أما بعد؛ عباد الله: إن من المظاهر التي تقع بين الناس التسوية بين الخالق وبين المخلوق؛ ما شاء الله وشاء محمد، أنا بالله وبك، أنا مالي إلا الله وأنت، أنا داخلٌ على الله وعليك. لا تجعل مع الله أحدًا بواو الجمع أبدًا.
فإن كان لا بد فلا بد أن تأتي بكلمة "ثم"؛ ما شاء الله ثم شاء فلان، أنا بالله ثم بك، هذا من معروف الله، ثم من معروفك، لا تُسوِّي مخلوقًا كائنًا من كان مع الله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فإن الله لا يبلغ مساواته أحدًا كائنًا من كان، لأنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.
اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.
اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.
اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم