الإسلام والبيئة

مراد كرامة سعيد باخريصة

2025-08-01 - 1447/02/07 2025-08-19 - 1447/02/25
عناصر الخطبة
1/خراب البيئة سببها ذنوب الناس 2/من نتائج تخريب البيئة 3/من مظاهر تخريب البيئة 4/من أحاديث النبي في الحفاظ على البيئة

اقتباس

نُشاهد اليوم كيف تُدمّر الأشجار لغير حاجة، وتُقتل الطيور لمجرد اللهو والعبث؟! ومنهم من يرمي البلاستيك في الصحراء؛ فيؤذي الإبل والماشية، أو يقتل الضب والغزال والطيور البرية لمجرد اللهو والتصوير، وتُحرق الصحاري والبراري دون مراعاة، وتُرمى النفايات....

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه، وأمره بالإعمار لا الإفساد، وبالحفاظ لا التخريب، وبالرحمة لا التعدي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وراقبوه في كل تصرفاتكم؛ فأنتم مستخلفون في الأرض، ممتحنون بما جعلكم الله عليه من النعم.

 

أيها الناس: لقد كثُر في زماننا الحديث عن البيئة، وتغير المناخ، والتصحر، وتراجع الغطاء النباتي، وموت الكائنات البرية، ووالله، ما هي إلا نتيجة لفساد أيدينا، وتعدّينا على حدود الله، كما قال ربنا -سبحانه وتعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم: 41].

 

نحن نُشاهد اليوم كيف تُدمّر الأشجار لغير حاجة، وتُقتل الطيور لمجرد اللهو والعبث؟! ومنهم من يرمي البلاستيك في الصحراء؛ فيؤذي الإبل والماشية، أو يقتل الضب والغزال والطيور البرية لمجرد اللهو والتصوير، وتُحرق الصحاري والبراري دون مراعاة، وتُرمى النفايات في البرّ والبحر، ويُحفر في الأرض والجبال بلا حدود ولا ضوابط؛ حتى أصبح التلوث والدمار صفةً غالبة على بيئتنا!.

 

ربما يظن بعضنا أنه لا فائدة من هذه المخلوقات، أو أنه من حقه أن يزيل هذه الأشياء ويعتدي عليها، ومعاذ الله أن يخلق شيئًا عبثًا.

 

لقد أصدر زعيم الصين في عام 1958م أمرًا بقتل جميع طيور الدوري في حملة "الآفات الأربع"، التي كان الهدف منها القضاء على الجرذان، والذباب، والبعوض، وطيور الدوري، معتقدًا أنها تضر بالإنتاج الزراعي؛ فأدت هذه الحملة إلى اختلال التوازن البيئي هناك، وارتفعت أعداد الجراد الذي كانت طيور الدوري تتغذى عليه، مما تسبب في مجاعة كبيرة في الصين مات فيها أكثر من 40 مليون إنسان، أتدرون لماذا؟ لأنهم ظنوا أن هذه المخلوقات خلقت عبثًا أو أنه لا فائدة منها، فأخلوا بالبيئة فسخر الله عليهم الجراد لتأكل الأخضر واليابس.

 

عباد الله: جاء في الحديث عند النسائي وفيه ضعف: "من قتل عصفورًا عبثًا، عجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني لمنفعة"(رواه النسائي)، ويكفينا قول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار"(رواه مالك وغيره)، فهل بعد هذا يتجرأ أحد أن يحرق شجرة، أو يرمي نفاياته في الطريق، أو يتعدى على الحيوانات أو يفسد البيئة بغير حق؟.

 

لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النمل والنحل والهدهد والصُرَد، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي لله عنهما- قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ"(رواه أبو داود وصححه الألباني)، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَرَرْنَا بِقَرْيَةِ نَمْلٍ، فَأُحْرِقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".

 

فهذه الحيوانات إذا لم تضر فلماذا تقتل؟! وقد قال الله: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الإسراء: 44]، كما أن هذه المخلوقات لها دور بيئي، وقتلها دون مبرر هو تعدٍّ على خلق الله.

 

وكم نرى في واقعنا الحالي من شخص يخرج للتنزه في البر، فيترك خلفه نارًا مشتعلة ربما تسبّبت في حريق هائل، وكم من سائق يدهس حيوانات في الطريق بلا مبالاة، وكم من مؤسسة تقطع الأشجار بدون مبرر، ودون بدائل أو تعويضات.

 

فيجب أن نعلم أنَّ الحفاظ على البيئة ليس ترفًا، بل فريضة شرعية؛ لأن الإفساد في الأرض من الكبائر، ويكفي في ذلك قول الله -عزّ وجلّ-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف: 56].

 

فلا تترك أثرًا مفسدًا في البر أو البحر أو الحي، وعلم أولادك أن الشجرة ليست للعبث، بل للظل والطعام والجمال، وراقب الله حين تتصرف في النعم التي استخلفك الله عليها لتعميرها لا لتخريبها، كما قال -تعالى-: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)[هود: 61].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه، وأمدّه بالنعم وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا، وأمره بالإصلاح وحذّره من الفساد في الأرض، فقال -سبحانه-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف: 56]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها؛ فينظر كيف تعملون؟"(رواه مسلم)، أما بعد:

 

عباد الله: إن المحافظة على البيئة ليست قضية ثانوية، بل هي جزء من عقيدتنا، ومطلب من مطالب شريعتنا، ومسؤولية جماعية لا تخصّ جهة دون أخرى.

 

لقد خلق الله الكون بنظام دقيق، وجعل فيه توازنًا عجيبًا بين النبات والحيوان والإنسان، قال -تعالى-: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ)[الرحمن: 10-12]، وهذا يعني أن الله سخّر هذه المخلوقات لخدمة الإنسان، وأمره في المقابل ألا يُتلفها ولا يُفسدها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ السِّدْرَ يُصَبُّونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ صَبًّا"(رواه الطبراني وقال الهيثمي: ورجاله كلهم ثقات)،  ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"(متفق عليه)، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَن قطع شجرة، فليَغرس مكانها"، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"دخلت امرأة النار في هِرّة حبستها، لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض"(متفق عليه)، فكيف بمن يُفني بيئة كاملة؟ أو يقتل مئات الكائنات دون وجه حق؟.

 

بل يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها"(رواه أحمد)، وهذا الحديث الشريف من أعظم ما يُظهر عظمة الإسلام في الحفاظ على البيئة حتى في أحلك لحظات الفناء.

 

المرفقات

الإسلام والبيئة.doc

الإسلام والبيئة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات