الإسلام والتمسك به

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-09-12 - 1447/03/20 2025-11-03 - 1447/05/12
التصنيفات: الإسلام
عناصر الخطبة
1/نعمة الإسلام من أعظم النعم 2/عظم شأن الإسلام والتمسك به 3/من أعظم أسباب وقوع العقوبات 4/أهمية اتباع الحق والثبات عليه 5/مسالك الموفقين واغتنام الأعمال الصالحة.

اقتباس

فكم من كافر عاش ويعيش في هذه الحياة طويلاً، ويتمتع، ولكنه يزداد إثمًا، فليست حياته خيرًا له بل هي شر عليه ووبال، وربما وقع عليه الخزي في الدنيا والآخرة.. أما المؤمن فقد يقع عليه الابتلاء في هذه الحياة تطهيرًا له ورفعة في درجاته، وحتى لا يفرح بما وسع عليه في حياته، ولا يفخر....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله العزيز الغفار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الإله الحق والمعبود الحق لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء والمرسلين وسيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فلا شك أن نعمة الإسلام من أعظم نِعَم الله على عباده، فهنيئًا لمن مَنَّ الله عليه بالإسلام فاحترمه واستقام عليه، وتمسك به على معرفة وبصيرة، ودافع عنه ودعا إليه، وما أسوأ حال من عرف الإسلام وحاد عنه، ودعا إلى غيره وصد عنه، وتربص بأهله وآذاهم وتسلط عليهم.

 

فالفرق كبير جدًّا بين مَن يتمسك بالدين الحنيف ويُعين عليه، ويرفع من شأنه، ويدعو إليه، ومَن يُعرض عنه ويستهين به، ويدعو إلى الانحراف والظلم والعدوان، وينشر الرذيلة ويحميها ويعين عليها، ويطمس الأخلاق الحميدة ويغدر بأهلها، فالفرق كبير والبون شاسع جدًّا بين الطرفين في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

 

فالحمد لله الذي رفع شأن أهل الحق والعدل وأعزَّهم، وخفض شأن أهل الباطل والظلم والجور والطغيان وخذلهم، وجعل بأسهم بينهم.

 

أخي المسلم: وحيث إن شأن الإسلام عظيم، فالحذر الحذر من أن تُفرِّط في أوامر الله، أو تقع في نواهيه فإن ذلك مما ينافي الإسلام ويُكدِّر صفو العيش في هذه الحياة، فلا يليق بالمسلم أن يُفرِّط في أوامر الله، ولا أن يستهين بها، ولا أن يقع فيما نهى عنه، فمخالفة أوامر الله والوقوع في المعاصي من أعظم أسباب وقوع العقوبات، التي تعم الظالم وغيره، قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[سورة الأنفال:25].

 

 ولو تأملت في الواقع قديمًا وحديثًا لرأيت ذلك عيانًا وعرفته، فما أكثر الأمم التي حلت بها النقم، ومن ذلك قوم لوط الذين قال الله عنهم: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[سورة الصافات: 137-138]، وكذلك ثمود الذين أخذتهم الصيحة حين عصوا الله وكذّبوا رسله، وغيرهما من الأمم، فما أكثر من حلت بهم العقوبات حين خالفوا أوامر الله وانتهكوا حرماته، ومن العقوبات الحروب الطاحنة في شتى بقاع الأرض بالمدافع والصواريخ والدبابات وغيرها، وما يحصل من آثارها من قتل وتشريد وإهانة وفقر وشقاء.

 

 واعلم -أخي المسلم- أن السعادة الحقة ليست في الغلبة على السلطة، ولا في الغلبة على الأرض والعيش فيها، وإنما السعادة الحقة في اتباع الحق والثبات عليه، وتذوقك طعم الإيمان بالله -تعالى-، وبما جاء عنه، وحين تلقاه وهو راضٍ عنك، فهذا هو الذي فيه الفرح الحق والسرور، لا المتع الزائلة، والجمع الذي ستسأل عنه ويستمتع به غيرك.

 

فتذكر دائمًا قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[سورة يونس: 57- 58].

 

ولا تغفل أيضًا عن قوله -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[سورة آل عمران: 178]، فكم من كافر عاش ويعيش في هذه الحياة طويلاً، ويتمتع، ولكنه يزداد إثمًا، فليست حياته خيرًا له بل هي شر عليه ووبال، وربما وقع عليه الخزي في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.

 

أما المؤمن فقد يقع عليه الابتلاء في هذه الحياة تطهيرًا له ورفعة في درجاته، وحتى لا يفرح بما وسع عليه في حياته، ولا يفخر؛ قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[سورة الحديد: 22-23].

 

أيها المسلمون: وبالتأمل في غالب ما عليه البشرية من جهل وضلال، ترى ما يفعل الشيطان بأوليائه من بني آدم، واستجابتهم له ولأعوانه من الإنس، وذلك بالأمر بالسير في خضم الحزبيات الانتخابية القائمة على اتباع الأهواء والشهوات، والقوانين الوضعية، مُعْرِضين عن المنهج السماوي الحق، ومُعرِّضين أنفسهم لأنواع من عقوبات الله العاجلة والآجلة، مدّعين لأنفسهم العلم والتنور، مع أن الواقع الحقيقي أنهم في جهل، وفي معيشة ضنك.

 

كما أخبر الله عنهم بقوله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[سورة طه:124]؛ فلا سعادة لهم في هذه الدنيا، ولا اتعاظ بما يقع عليهم، ولا خوف عندهم من عذاب الله في الآخرة إذا ماتوا وهم على هذه الحال السيئة.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[سورة الأنعام:42-45].

 

بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله العلي الكريم، مُوفِّق مَن شاء من عباده لعبادته وطاعته ومُعينه عليها، فهو الملك الأعلى الذي يتصرف في عباده كيف يشاء، والعالم بأحوالهم وما يستحقونه من هدى وشقاء، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فهو الملك العظيم الذي يستحق العبادة دون من سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ نبي نال الخُلة من ربه بطاعته له واتباع مرضاته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق تقواه، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من أعمال صالحة تلاقون بها ربكم، فالجدير بالمُكلَّف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار، لا مذهب الأشرار، وأن يستعين بالله في جميع أموره، ويحسن التوكل عليه.

 

 ولقد خطب أبو بكر -رضي الله عنه- ذات يوم ومما قال في خطبته: "أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجَلٍ معلوم، فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله -عز وجل- فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله -عز وجل-، إن قومًا جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله -عز وجل- أن تكونوا أمثالهم: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[سورة الحشر:19].

 

 أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم، وخلوا بالشقوة والسعادة، أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصَّنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت التراب، هذا كتاب الله لا تَفْنَى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا بسنانه وبيانه.

 

إن الله -تعالى- أثنى على زكريا وأهل بيته فقال -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[سورة الأنبياء:90]، لا خير في قول لا يُرَاد به وجه الله، ولا خير في مال لا يُنْفَق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم.

 

 اللهم فقِّهنا في الدين واشرح صدورنا للإسلام، وأعنا على القيام به يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

الإسلام والتمسك به.doc

الإسلام والتمسك به.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات