الاحتضار والقبر

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-08-08 - 1447/02/14 2025-10-01 - 1447/04/09
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/الموت حق ولا فرار منه 2/أحوال الناس في ساعة الاحتضار 3/حال المؤمن عند الاحتضار 4/حال المجرمين عند الاحتضار 5/الاستعداد للموت بالعمل الصالح 6/أهمية تذكر الموت وما بعده.

اقتباس

تذكروا الاحتضار، وما يحصل فيه من الشدائد والأهوال والكربات؛ لتحريك النفس حتى تجدَّ في العمل والاستعداد، استحضروا القبر، وما فيه من ابتلاء ولقاء عمل للحضّ على إصلاح العمل وإتقانه.. لعلنا نستيقظ من...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام، فسبحانه من إله عظيم، وملك كريم، هيَّأ لنا في هذه الدار أعمالاً صالحة نستعد بها للاحتضار وما بعده، نتبوأ بها من الجنة ما نشاء ونختار، أحمده وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة في البرزخ والحشر وما بعدهما من الأهوال. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فلا يخفى أن الموت لا بد لنا منه، طال بنا الزمان أو قصر؛ قال -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)[سورة العنكبوت: 57]، فينبغي لنا أن نتعرف لحالة الاحتضار وما يجري فيها للمؤمن من خير وسرور، وما يحصل للكافر من شر وبلاء، لعلنا نستعد لذلك اللقاء.

 

 دلت السنة على أن المحتضر تنزل عليه الملائكة، وتجلس قريباً منه، فيشاهدهم عياناً، ويتحدثون عنده ومعه، وربما كلَّمهم وأجاب عن أسئلتهم، وفي هذه الحال يرى مكانه من الجنة أو النار، ففي الصحيحين عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، وأما صاحب النار الذي خُتِمَ له بسوء، فهو يُبشَّر بها وهو في تلك الأهوال".

 

أيها المسلمون: لا شك أن الملائكة تنزل عند الاحتضار وحالتهم تلائم حالة المحتضر وعمله، وأن العبد مسؤول في قبره ومُنعَّم أو مُعذَّب، وأنه يقع ذلك على بدنه وروحه، روى الإمام أحمد وغيره حديثاً طويلاً عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-، وفيه: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر".

 

ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مدّ البصر، ثم يجيء ملك الموت -عليه السلام- حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجِدَت على وجه الأرض".

 

 ثم ذكر الصعود بها وتشييعها والذكر الحسن له حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله -عز وجل- : "اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، قال: فتُعَاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك فيقول ربي الله"، ثم ذكر سؤاله عن دينه وعن نبيه، وتصديقه وسعة قبره وفتح باب له إلى الجنة، ثم يأتيه عمله الصالح في صورة رجل حسن الثياب طيب الريح فيقول له: أبشر بالذي يسرك.

 

ثم ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حال الكافر، وأن الملائكة التي تنزل عليه سود الوجوه، "يجلسون منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب"، وذكر انتشارها في جسمه وصفة انتزاعها، وأنه يخرج منها كأنتن جيفة، ثم الصعود بها، ثم لا يفتح لها، ثم قرأ: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)[سورة الأعراف: 40]، فتطرح روحه في الأرض، وقرأ -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[سورة الحج: 31].

 

وذكر إعادة روحه وسؤاله وعدم إجابته وتبكيته، وأنه يُفتَح له باب إلى النار، وذكر عمله وأنه يأتيه في صورة رجل خبيث، ويقول له: أبشر بما يسوؤك.

 

أيها المسلمون: هذا بعض من أهوال المحتضر، وبعض من أهوال القبر، فما هو استعدادنا لذلك؟ أبالوهن والكسل والخمول؟ أم بالملاعب والملاهي؟ أم بالغفلة وعدم المبالاة؟

 

 لا شك أن واقع الإنسان يشهد بحاله ويظهر حقيقة أمره، فاتقوا الله -عباد الله-، وبادروا بإصلاح النفس وتهيئتها لملاقاة مولاها على أكمل وجه وأحسن سلوك.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)[سورة الواقعة: 83-96].

 

بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الحليم المنان، يكرم من يشاء بالهداية ويثبّته، ويضلّ مَن يشاء، فتضيع عليه حجته، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأسأله الثبات على دينه في الحياة وبعد الممات.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الملك العظيم الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي خُيِّرَ عند احتضاره فاختار لقاء ربه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على سنته إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق تقواه، كونوا ماهرين في مجاهدة النفس وسوقها إلى النجاة من عذاب الله وعقوبته، ألزموها بالحق بحكمة وحسن سياسة، مستمدين ذلك من كتاب ربكم وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، ومن منهج أولياء الله الصالحين وسلوكهم الحسن، اجعلوا هذه الدار لُجَّة بحر، واتخذوا صالح الأعمال فيه سفنًا للعبور إلى مرضاة الله وجنته.

 

عباد الله: تذكروا الاحتضار، وما يحصل فيه من الشدائد والأهوال والكربات؛ لتحريك النفس حتى تجدَّ في العمل والاستعداد، استحضروا القبر، وما فيه من ابتلاء ولقاء عمل للحض على إصلاح العمل، وإتقانه، تذكروا قوله -تعالى-: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[سورة ق: 19]، لعلنا نستيقظ من سكرتنا في هذه الحياة، لنعمل ونجدَّ ونعتني بأمور الآخرة، فما أقربها إلينا، وما أقربنا لها، تذكروا قوله -تعالى-: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)[سورة القيامة: 26-30].

 

 اللهم ثَبِّتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم أعنّا على أنفسنا للقيام بطاعتك، وارزقنا حسن الاستعداد للقائك، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

الاحتضار والقبر.doc

الاحتضار والقبر.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات