الخلع - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-07-16 - 1447/01/21
التصنيفات:

اقتباس

لكن ماذا لو كان الرجل -هذه المرة- هو السيء الخلق السليط اللسان بحيث تستحيل معه العشرة، وهو يرفض أن يطلقها، فهل تتخلص منه الزوجة بالقتل! أم تفر منه وتهرب! أم تخونه وتتخذ عشيقًا! أم تعيش تحته حياة الذل والهوان فتبخسه حقه وتعصي ربها؟!... هنا نعود...

غيرنا يقولون: "ما جمعه الرب، لا يفرقه العبد"، ويقصدون: حرمة الطلاق والانفصال بين الزوجين مطلقًا إلا في حالات نادرة وبإجراءات عسيرة بل شبه مستحيلة؛ منها: أن يجدها متلبسة بالزنا... فإن وقع الطلاق استولت المرأة -طبقًا لتعاليم دينهم- على نصف ثروة الرجل! مما جعل الرجال يحتجون ويتطاولون على أرباب دينهم ليسمحوا لهم بطلاق زوجاتهم! ففي بعض البلدان يسمحون لهم فيسارع الكثيرون إلى تطليق زوجاتهم الذين قد عاشوا معهن سنون طوال في بغض ونفور، وأحيانًا أخرى يرفضون فيحيا الرجال مقهورين مغلوبين في تعاسة وشقاء!

 

أما دين الإسلام فهو دين واقعي يراعي أحوال الناس وظروفهم وطبائعهم؛ فقد تكون المرأة سيئة الخلق سليطة اللسان ناشزًا لا تطاق ولا تعاشر... فشرع الإسلام الطلاق، لكن جعله ثلاثًا ليجعل للزوجين فرصة وفرصتين ليبدؤوا المعاشرة بالمعروف من جديد: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229].

 

لكن الطلاق حق الرجل وحده، وبيد الزوج وحده؛ فماذا لو كان الرجل -هذه المرة- هو السيء الخلق السليط اللسان بحيث تستحيل معه العشرة، وهو يرفض أن يطلقها، هل تتخلص منه الزوجة بالقتل! أم تفر منه وتهرب! أم تخونه وتتخذ عشيقًا! أم تعيش تحته حياة الذل والهوان فتبخسه حقه وتعصي ربها؟!... هنا نعود فنقول: لأن الإسلام دين واقعي فقد جعل لهذه الحالة أيضًا حلًا؛ وهو: أن تختلع منه. 

 

فتُرى ما هو الخلع؟ نقول: "معناه: فراق الزوج امرأته بعوض"(الكافي، لابن قدامة)، و"هو في اللغة: مشتق من الانخلاع، ومنه: خلع النعل والقميص.

وفي الشرع: عبارة عن عقد بين الزوجين المال فيه من المرأة تبذله فيخلعها أو يطلقها.

وحكمه من جهتها: حكم المعاوضة حتى يجوز لها الرجوع عنه ويبطل بإعراضها..

وحكمه من جهة الزوج: حكم التعليق؛ أي طلاق معلق بشرط، حتى لا يصح رجوعه عنه ولا يجوز له فيه شرط الخيار ولا يبطل بإعراضه عنه"(الجوهرة النيرة، للحدادي).

 

وهو مشروع بقول الله -تعالى-: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)[البقرة: 229]، وأما من السنة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟"، قالت: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة"(رواه البخاري).

 

وعن الضحاك قال: "جاءت امرأة إلى علي بن أبي طالب، فقالت: فرق بيني وبين زوجي، فقال: ما أملك ذاك؛ أعطاك ماله، واستحلك بكتاب الله، فقالت: والله لتفرقن بيني وبينه، وإلا قتلته، قال: الله، قالت: الله، قال: الله، قالت: الله، قال لزوجها: اخلعها بما دون عقاص رأسها؛ فلا خير لك فيها"(سنن سعيد بن منصور)... وعلى مشروعية الخلع إجماع فقهاء الأمة.

 

***

 

لكننا نعود فنقول: كما أن منع المرأة من طريقة تنقذ بها نفسها من طغيان زوج جائر هو مفسدة من المفاسد، فكذلك إن سوء استخدام الخلع واستعماله في غير موضعه الذي شُرع من أجله ربما أدى إلى مفاسد أعظم وأكبر.

 

لذلك اشترط القرآن الكريم شروطًا في الخلع ليكون مشروعًا، وذلك في قوله -تعالى-: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)[البقرة: 229]، فمنها: خوف الزوجة من عدم إقامة حدود الله، ويدل عليه أيضًا قول امرأة ثابت بن قيس: "ولكني أكره الكفر في الإسلام"؛ "أي: كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له"(نيل الأوطار).

 

ومنها: أن يكون البغض أو الإيذاء الحسي أو المعنوي لا يُطاق ولا يُحتمل؛ فلا تختلع لأتفه سبب، ومنها: أن يكون بعوض معلوم؛ (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، ومنها: أن لا يُقصد به الإضرار بالزوج لأنه: "لا ضرر ولا ضرار"(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

 

وإنما وُضعت هذه الشروط والضوابط -كما أشرنا- خشية أن يصير الخلع أداة هدم وتخريب، مع أن الخلع ما شُرع إلا لإنهاء حال تستحيل معها العشرة ويتعنت فيها الزوج في التطليق ويسيء استخدام قوامته، لذا ينبغي للزوجة ألا تلجأ إلى الخلع إلا حين لا تجدي وسائل الإصلاح، ويعجز التصبر والاحتمال، ولا يكون لها ملجأ إلا هو؛ وما ذلك إلا بسبب الآثار السلبية الكثيرة التي يحدثها سوء استخدام الخلع، ومنها: تدمير أسرة مسلمة ولبنة في صرح المجتمع الإسلامي بلا مبرر، ومنها: ما ينتج عن ذلك من تشتيت للأولاد وتعريضهم للانحراف والأزمات النفسية وحرمانهم من أحد الأبوين أو من كليهما، ومنها: انتشار ثقافة الفُرقة بديلًا عن ثقافة الإصلاح؛ فكلما كرهت امرأة من زوجها شيئًا خلعته! ومنها: جعل الخلع سيفًا مسلطًا على رقبة الزوج إذا خالف هوى زوجته مما يخل بقوامته...

 

ولا عجب إذًا أن ينعت النبي -صلى الله عليه وسلم- من تسيء استخدام الخلع بالنفاق فيقول: "المختلعات هن المنافقات"، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)؛ "أي: اللاتي يطلبن الخلع من أزواجهن من غير عذرهن منافقات نفاقًا عمليًا"(التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي)، و"أريد بالنفاق هنا: كفران العشير؛ فإن غالب من تطلب الخلع والطلاق كافرة لحق الزوج"(التنوير، للصنعاني).

 

***

 

وإذا ما تحتم الأمر، ولم يُجْد الإصلاح، ولم يكن بد من الخلع، فيجب أن يحدث ذلك بالمعروف؛ فيجب التزام العدل في رد المهر دون ظلم، كما يحرم تشهير كل طرف بالآخر ونشر أسراره... وهناك آداب أخرى كثيرة ينبغي مراعاتها، ووسائل متعددة للصلح بين الزوجين يجب استنفاذها، وأمور أخرى كثيرة لا يتسع لها المقام، لذا فقد أحلناها إلى خطبائنا الأفذاذ ليفصِّلوا فيها القول، وهاك شيء من خطبهم.

العنوان

الخلع

2023/05/31 2112 858 5

عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَحْذَرْنَ الدَّعَوَاتِ الْهَدَّامَةَ الَّتِي تَهْدِفُ إِلَى تَدْمِيرِ الْأُسْرَةِ، وَتَفْرِيقِ أَفْرَادِهَا بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْخُلْعِ، وَالضَّحِيَّةُ الْكُبْرَى لِذَلِكَ هُمُ الْأَوْلَادُ، وَمَنْ تَخَلَّتْ عَنْ أَوْلَادِهَا فِي صِغَرِهِمْ؛ لِأَجْلِ وَظِيفَتِهَا أَوْ صَدِيقَاتِهَا؛ تَخَلَّوْا عَنْهَا فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهِيَ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَيْهِمْ...

المرفقات

الخلع - مشكولة.pdf

الخلع - مشكولة.doc

الخلع.doc


العنوان

طلقها أو خلعته

2022/11/17 2252 647 0

إِنَّ بَيتَ الزَّوجِيَّةِ سُورٌ عَالٍ تُحفَظُ بِهِ الأُسرَةُ وَالأَبنَاءُ مِنَ الضَّيَاعِ، لَكِنَّ مِن طَبِيعَةِ الحَيَاةِ أَن يَحصُلَ فِيهَا مَا يَحصُلُ مِن خِلافٍ أَوِ اختِلافٍ، وَالنُّفُوسُ تُقبِلُ وَتُدبِرُ، وَالقُلُوبُ تَتَوَادُّ وَتَأتَلِفُ...

المرفقات

طلقها أو خلعته.pdf

طلقها أو خلعته.doc


العنوان

لا تخلعوا لباسكم (الاستهانة بالخلع والطلاق)

2021/03/22 2503 410 2

فَمَا ظَنُّ فتاةٍ رَغِبَت عن الزواجِ وأحْجَمَتْ عَنهُ يومَ أن كان يُطرَق لها بابُ والدها؟! وَمَا ظَنُّ فتاةٍ رُزِقَتْ بزوجٍ سَوِيٍّ، فسَعَت مُتَعَجِّلةً في طَلَبِ خُلعِها مِنْه لأدنى سببٍ؟! ما ظنها حينَ تَقَدَّمَت بها السنون فَلَم ترَ حولَها ولداً يواسِيْها، ولا زوجاً يُجالِسُها، ولا أُسرةً تَلُفُّ حولَها...

المرفقات

لا تخلعوا لباسكم (الاستهانة بالخلع والطلاق).doc


العنوان

الواجب على الزوجين عند حدوث الشقاق

2013/03/27 4043 682 23

العلاج النافع والشافي هو في كلام رب العالمين, وكتابِه الْمُنزَّل على سيِّدِ الْمُرسلين, ووالله الذي لا إله غيره! ما مِن زوجينِ ولا أبوين, يقعُ بينهما أو بين أحد أبنائِهما مُشكلةٌ ومُعضلة, إلا وجدوا حلَّها وعلاجها فيه, وأيُّ علاجٍ يُطلَب من غيره فلا بركةَ فيه, ومَن لم يرض بالعلاج والدواء الْمُنزَّلِ من الله -تعالى- فحريٌّ به أنْ..

المرفقات

على الزوجين عند حدوث الشقاق


العنوان

أصناف المطلقات

2023/03/01 932 508 0

1/المطلقات قبل الدخول وبعد الدخول 2/المطلقات من حيث السنة والبدعة 3/المطلقة بالفسخ أو الخلع.

المرفقات

أصناف المطلقات.doc

أصناف المطلقات.pdf


العنوان

كثرة الطلاق وتحريم التخبيب

2022/11/21 1391 523 6

ومن الأسباب كذلك، عدم احترام الزوجين بعضهما لبعض، وتكبر البعض على بعض؛ فالمرأة تضع رأسها برأس الزوج، وتتدخل في شؤونه، والعكس صحيح، مع أن الواجب على الزوجين، أن يحترم بعضهما البعض، وأن يعلما أنهما بمثابة القبطانين للسفينة، يساعد...

المرفقات

كثرة الطلاق وتحريم التخبيب.pdf

كثرة الطلاق وتحريم التخبيب.doc


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات