تحقيق الولاية بين الغلو والهداية

ماهر بن حمد المعيقلي

2025-12-19 - 1447/06/28 2025-12-20 - 1447/06/29
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/أفضل العلوم العلم بالله تعالى 2/بعض فوائد اسمي الله "الولي"، و"المولى" 3/معنى ولاية الله تعالى وبيان أقسامها وفوائدها 4/التحذير من الضلال في باب الولاية

اقتباس

مَنْ كان اللهُ وليَّه جاهَدَ نفسَه على إخلاصِ العملِ له، وجرَّدَ نفسَه عن حُظُوظِها؛ وبلِجامِ الطاعةِ ألجَمَها، وأقامَها فاستقامَتْ، وألانَها فلانَتْ؛ حتى تُصبِحَ حركاتُه وسكناتُه في رِضا ربِّه ومولاه، خالصةً له وحدَه لا شريكَ له...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي أحاطَ بكل شيء عِلْمًا، وأحصى كلَّ شيء عددًا؛ نِعَمُه لا تُحصى، وآلاؤه لا منتهى لها.

 

وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ -سبحانه- الكبير المتعال، ذو العظمة والجَمال والجلال، وأشهد أن سيِّدَنا ونبِيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه؛ دلَّ الناسَ على سبيل الهدى، وحذَّرهم من طريق الغواية والردى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجِه والتابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نهجهم واقتفى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ، فيا مَعاشِرَ المؤمنينَ: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله، وشُكْرِه في السَّرَّاء، والصبرِ على أقداره في الضَّرَّاء؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أُمَّةَ الإسلامِ: إن شرفَ العلم يكون بشرف المعلوم؛ فأفضل العلوم وأشرفُها العلم بالله -تبارك وتعالى- الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ وما بينَهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش؛ (الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)[الْفُرْقَانِ: 59]. وبقدر معرفة العبد بخالقه يكون قدرُ إيمانه به وخشيته؛ كما قال -جلَّ ذِكرُه-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فَاطِرٍ: 28].

 

وإنَّ من أسمائه الحسنى: "الوليَّ" و"المولى"؛ وقد ورَد ذِكرُهما في القرآن الكريم؛ منها قوله -جل في علاه-: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشُّورَى: 28]، وقال -جل شأنُه-: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الشُّورَى: 9]، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها"(رواه مسلم)؛ فالله -تبارك وتعالى- هو الوليُّ المتولِّي أمرَ الخلائق والعوالم؛ إنسِهم وجنِّهم، أحيائهم وجماداتهم؛ فهو خالقُ الخلقِ وحدَه، وهو المتولِّي أمرَ خلقِه.

 

وولايةُ الله -تعالى- على نوعين:

ولايةٌ عامَّة للمؤمن والكافر، والبَرِّ والفاجر؛ فهو -سبحانه- خالقُهم ومالكُهم، يُدبِّرُ أمرَهم ويُقدِّرُ أرزاقَهم؛ فالعبادُ كلُّهم تحتَ ولايتِه وطوعَ تدبيرِه -جل جلالُه وتقدَّسَت أسماؤُه-.

 

والولايةُ الثانيةُ: ولايةٌ خاصةٌ؛ وهي ولايةُ المحبةِ والتأييدِ والنصرةِ والحفظِ والتوفيقِ والهدايةِ؛ وهي خاصةٌ بالمؤمنين وعِبَادِ اللهِ الصالحينَ؛ (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 257].

 

والمؤمن يُجاهِدُ نفسَه، ويلتمِسُ هدايةَ ربِّه؛ فإذا أذنبَ عادَ تائبًا إلى وليِّه؛ (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 155]، وقال -جل ذكره- في إخباره للمؤمنين بما يُثبِّتُ قلوبَهم ويشُدُّ به أزرَهم: (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 150]، وهذه الولاية خاصةٌ بالمؤمنين، ومنفيةٌ عن الكافرين؛ كما قال -جل جلاله-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 11].

 

وفي صحيح البخاري: لَمَّا أُصيبَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في غزوةِ أُحُدٍ، واستُشهِدَ سبعون من أصحابِه؛ أشرفَ أبو سفيان -رضي الله عنه- وكان إذ ذاك مشركًا- فجعلَ يُنادي فقال: أفِي القومِ محمدٌ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُجيبُوه". فقال: أفِي القومِ ابنُ أبِي قحافةَ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُجيبُوه". فقال: أفِي القومِ ابنُ الخطَّابِ؟ ثم قال أبو سفيان: إنَّ هؤلاء قُتِلُوا، فلو كانوا أحياءً لَأجابوا. فلم يملك عمرُ -رضي الله عنه- نفسَه فقال: كذبتَ يا عدو الله، أبقى اللهُ عليكَ ما يُخزيكَ. فقال أبو سفيان: اعْلُ هُبَل، اعْلُ هُبَل. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجيبُوه". قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: "قولوا: اللهُ أعلى وأَجَلُّ". فقال أبو سفيان: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَجِيبُوه". قالوا: ما نقول يا رسولَ اللهِ؟ قال: "قولوا: اللهُ مولانا ولا مولى لكم".

 

إخوةَ الإيمانِ: إذا تولَّى اللهُ عبدًا اجتباهُ وأكرَمَه وهداهُ، فإذا تقرَّب العبدُ من ربِّه شبرًا تقرَّب الربُّ منه ذراعًا، وإذا تقرَّب العبدُ إليه ذراعًا تقرَّب منه الربُّ باعًا، وإذا أتاه العبدُ يمشي أتاه الربُّ هَرْوَلَةً.

 

وتولَّاه ولايةً خاصةً؛ فهذا يوسفُ -عليه السلام- أُلقِيَ في ظلُماتِ الجُبِّ؛ فأحوجَ -سبحانه- القافلةَ إلى الماء لتُخرِجَه، وأحوَجَ امرأةَ العزيز إلى الولدِ لتأخُذَه وتتبنَّاه، وأحوَجَ أهلَ السجن لتعبير الرُّؤَى حتى يخرُجَ من السجن، وأحوَجَ عزيزَ مصرَ إلى أن يتَّخِذَه وزيرًا على خزائنِ الأرضِ، ثم أحوَجَ إخوتَه للعودة إليه؛ فجَمَعَ اللهُ شملَه بوالديهِ وهو في غايةِ العزِّ والرفعةِ. فقال -عليه السلام-: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يُوسُفَ: 101].

 

مَعاشرَ الإخوةِ: مَنْ كان اللهُ وليَّه جاهَدَ نفسَه على إخلاص العملِ له، وجرَّدَ نفسَه عن حُظُوظِها؛ وبلِجامِ الطاعةِ ألجَمَها، وأقامَها فاستقامَتْ، وألانَها فلانَتْ؛ حتى تُصبِحَ حركاتُه وسكناتُه في رِضا ربِّه ومولاه، خالصةً له وحدَه لا شريكَ له؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الْأَنْعَامِ: 162-163].

 

مَنْ كان اللهُ وليَّه اطمَأَنَّ قلبُه، وصَلُحَ بالُه، ووَثِقَ بنُصرة ربِّه؛ فكان في حِصنٍ حصينٍ، ورُكْنٍ شديدٍ؛ (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)[النِّسَاءِ: 45]، مَنْ كان اللهُ وليَّه رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا؛ فلا طريقَ للوصول إلى ولاية الله إلا من طريق نبيِّه ومصطفاه؛ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 31]. فليحرِصِ المؤمنُ على اتباعِ أمرِ نبيِّه، واجتنابِ نَهيِه، ومعرفةِ هَديِه، واقتفاءِ أَثرِه؛ ليفوزَ بسعادةِ الدنيا والآخرة.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فُصِّلَتْ: 30-32].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفِروه إنه كان غفَّارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ذي العرش المجيد؛ نشرَ رحمتَه وهو الوليُّ الحميدُ، وخَلَقَ الخلائقَ؛ فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ، وأعزَّ أولياءَه واللهُ يفعلُ ما يريد؛ (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فُصِّلَتْ: 46].

 

وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ، فيا مَعاشِرَ المؤمنينَ: ذَكَرَ اللهُ في كتابه المُبين أوصافَ أوليائه المتقينَ، وبيَّن رفيعَ مكانتهم، وعلوَّ منزلتهم، وجميلَ مآلِهم، وطِيبَ مآبهم؛ فقال الكريمُ الرحيمُ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 62-63].

 

فكلُّ مَنْ كان مؤمنًا تقيًّا فإنَّه يكونُ للهِ وليًّا؛ وهو الذي جَمَعَ بين صلاح الباطن بالإيمان، وصلاح الظاهر والباطن بالتقوى؛ وبحَسَبِ إيمانِه وتقواه تكونُ ولايتُه للهِ، فما تقرَّب الأولياءُ المُقرَّبون، ولا تنافسَ المُتنافسون بشيءٍ أحبَّ إلى اللهِ من فرائِضه التي فرَضَها، وواجباتِه التي أوجَبَها؛ ثم شمَّروا إلى النوافِلِ فأتَوْا ما استطاعُوا منها حتى يُحبَّهم اللهُ.

 

أُمَّةَ الإسلامِ: إنَّ من أبواب التوحيد العظيمة التي زلَّت فيها بعضُ الأقدام: هو بابُ "الولاية"؛ حين لم يَزِنْ أصحابُها أعمالَهم بميزانِ الكتابِ والسُّنَّةِ، ولم يضبطوها بفهمِ سلَفِ الأمةِ؛ فحَصَلَ الغُلُوُّ في الأولياءِ، حتى إنَّ بعضَ الناسِ -هدانا اللهُ وإياهم- أصبَحوا يدعونَ الأولياءَ من دون الله، ويستغيثون بهم، ويَذبَحونَ وينذُرون لهم، ويطوفون بأضرحتِهم بزعمِهم أنَّ ذلك يُقرِّبُهم من الله، وأنَّهم وسائلُ وشُفَعاءُ للوصولِ إلى مرضاةِ اللهِ.

 

وقد أبطَلَ اللهُ هذه الشُّبهة فقال -جل جلالُه-: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[الزُّمَرِ: 3].

 

وقال -جلَّ ذِكرُه- مُبَيِّنًا بُطلانَ دعاءِ غيرِه: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[فَاطِرٍ: 13-14]، فالأولياءُ الصالحون هم عبادٌ مُكلَّفون؛ لا يُصرَفُ لهم شيءٌ من أنواع العبادة، سواءً في حياتهم أو بعد مماتهم؛ بل ولا يُبنَى على قبورِهم، ولا يُتَّخَذُ مكانُ قبورِهم مَعبَدًا.

 

وقد أغلقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الباب، فنهى عن البناء على القبور وقال: "ألَا وإنَّ مَنْ كان قبلَكم كانوا يتَّخِذُون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجِدَ؛ ألَا فلَا تتَّخِذُوا القبورَ مساجِدَ؛ إنِّي أَنهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ"(رواه مسلم).

 

والصوابُ في هذا الباب: أنَّه لا إفراطَ ولا تفريطَ في حقِّ الأولياء؛ لا جفاءَ يُسقِطُ حقَّهم، ولا غُلُوَّ فيهم؛ بل نحبُّهم في اللهِ، ونترضَّى ونترحَّمُ عليهم، ونسألُ اللهَ أن يجمعَنا بهم في جناتِ النعيمِ؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[الْبَقَرَةِ: 143].

 

ثم اعلموا -معاشرَ المؤمنينَ- أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ كريمٍ، بدأَ فيه بنفسِه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّتِه، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على آلِ إبراهيمَ؛ إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدينَ: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ؛ وعن سائر الصحابة والتابعينَ، ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ؛ وعنَّا معهم بعفوكَ وكرمكَ وجودكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجعَل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهمَّ وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده الأمين إلى ما فيه عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ، وإلى ما فيه خيرٌ للبلاد والعباد، وجميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ.

 

اللهمَّ احفَظ علينا دينَنا وقيادَتَنا وأمنَنا، اللهمَّ وفِّق رجالَ أَمنِنا والمرابطينَ على حدودِنا وثُغُورِنا.

 

اللهمَّ حقِّق لإخواننا في فلسطين الأمنَ والأمانَ، والاستقرارَ والاطمئنانَ، اللهمَّ كُنْ لهم معينًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهمَّ احفَظ المسجدَ الأقصى، واجعله شامِخًا عزيزًا إلى يومِ القيامةِ.

 

اللهمَّ فرِّج همَّ المهمومينَ مِنَ المسلمينَ، ونفِّس كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ.

 

اللهمَّ أصلِحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِحْ لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِحْ لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا؛ واجعَلِ الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا مِنْ كلِّ شرٍّ؛ وأجِرْنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهمَّ اجعلنا من أوليائك المتقين، الذين لا خَوْفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات.

 

(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]. (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127-128].

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

المرفقات

تحقيق الولاية بين الغلو والهداية.doc

تحقيق الولاية بين الغلو والهداية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات