تزكية النفوس.. طريق الفلاح

أسامة بن عبدالله خياط

2025-10-03 - 1447/04/11 2025-10-04 - 1447/04/12
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/تزكية النفوس من مطالب العقلاء 2/معرفة سبيل تزكية النفوس يكون عن طريق الاقتداء بالرسل الكرام 3/بيان بعض طرق تزكية النفوس 4/بعض آثار تزكية النفوس وإصلاحها 5/بيان عظم منزلة التوبة ووجوبها

اقتباس

في ذكرِ اللهِ -تعالى-، وتلاوةِ كتابِه، وطاعتِه، والازدلافِ إليه، أعظمُ ما يُجدِّدُ الإيمانَ في نفسِ المؤمنِ، الذي يعلَمُ أنَّ الإيمانَ يزيدُ بالطاعةِ ويَنقُصُ بالمعصيةِ؛ فيعملُ على زيادةِ إيمانِه بصدقِ الالتجاءِ إلى اللهِ -تعالى-؛ ذلك الالتجاءُ الذي تكونُ أظهرُ ثمارِه المباركةِ: تزكيةَ النفوسِ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ مُصرِّفِ الأمورِ بلطيفِ تدبيرِه، أحمدُه -سبحانه-، والحمدُ حقٌّ له على قليلِ الإنعامِ وكثيرِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، خلَقَ الإنسانَ فأحسنَ في تصويرِه، واستحثَّه على تزكيةِ القلبِ بتخويفِه وترغيبِه وتحذيرِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه وبشيرُه ونذيرُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه الذين اقتفَوْا هديَه واستنُّوا بسُنَّته، وساروا بعدَه بمسيرِه.

 

أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه، واحرِصوا على طاعتِه ومرضاتِه، واذكُروا أنَّه خلقَكم لعبادتِه، فأخلِصوا له الدِّينَ، وأحسِنوا العملَ؛ فالسعيدُ مَنْ أخلصَ دينَه للهِ، وتابعَ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- حتى أتاه أمرُ اللهِ.

 

أيها المسلمون: تزكية النُّفوسُ وتقويمُها، وإصلاحُ القلوبِ وتطهيرُها أملٌ سعى إليه العُقلاءُ في كلِّ الثقافاتِ والحضاراتِ منذُ أقدمِ العصورِ، فسلكوا إلى بلوغِه مسالكَ شتَّى، وشرَعُوا لأنفسِهم مناهجَ وطرائقَ قِدَدًا، وحسِبوا أنَّ في أخذِهم أنفسَهم بها إدراكَ المُنى وبلوغَ الآمالِ في الحُظوةِ بالحياةِ الطيبةِ والعيشِ الهانئِ السعيدِ.

 

وإنَّ السعادةَ الحقَّةَ التي تطيبُ بها الدنيا، وتطمئنُّ بها القلوبُ، وتزكو بها النُّفوسُ، هي تلك التي يُبيِّنُها ويكشفُ عن حقيقتِها الكتابُ الحكيمُ والسُّنَّةُ الشريفةُ بأوضحِ عبارةٍ وأدقِّها وأجمعِها في الدلالةِ على المقصودِ.

 

ولقد أرسلَ اللهُ رُسُلَه، وأنزلَ كُتُبَه؛ لِيُرشدَ الناسَ إلى سُبُلِ تزكيةِ أنفسِهم وإصلاحِ قلوبِهم، وليُبيِّنَ لهم أنَّ ذلك الأمرَ لن يتحقَّقَ إلَّا حين يُؤدُّون حقَّ اللهِ عليهم في إخلاصِ العبوديَّةِ له؛ إذ هي الغايةُ من خلقِه -سبحانه- لهم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذَّارِيَاتِ:56-58].

 

وقد جاء في كتابِ اللهِ، وسُنَّةِ رسولِه -صلى اللهُ عليه وسلَّم- بيانُ الطريقِ إلى هذه التزكيةِ، التي جعلَ اللهُ فلاحَ المرءِ مرهونًا بها، والخيبةَ والخسرانَ مرهونًا بضدِّها؛ بتخبيثِ وتلويثِ النفسِ وإفسادِها بالخطايا، فقال -سبحانه-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشَّمْسِ:7-10]، وقال عزَّ اسمُه: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الْأَعْلَى:14-15]، وقال -عَزَّ وَجَلَّ- في خطابِ نبيِّه موسى -على نبيِّنا وعليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ- حينَ أرسلَه إلى فرعون: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى)[النَّازِعَاتِ:17-19].

 

وإنَّ هذا الكتابَ المباركَ الذي جعلَه اللهُ روحًا تحيا به القلوبُ، ونورًا تنجابُ به الظُّلُماتُ في الدروبِ؛ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشُّورَى:52]، لَيُصرِّحَ أنَّ أساسَ التزكيةِ في الإسلامِ وروحَها وعمادَها ومحورَها: توحيدُ اللهِ -تعالى- وحقيقتُه، كما قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمه الله-: "أن يشهدَ العبدُ انفرادَ الربِّ -تباركَ وتعالى- بالخَلْقِ والحُكمِ، وأنَّه ما شاءَ كان، وما لم يَشَأْ لم يكن، وأنَّه لا تتحرَّكُ ذرَّةٌ إلَّا بإذنِه، وأنَّ الخلقَ مقهورونَ تحت قبضتِه، وأنَّه ما من قلبٍ إلَّا وهو بينَ إصبعَينِ من أصابعِه، إن شاءَ أن يُقيمَه أقامَه، وإن شاءَ أن يُزيغَه أزاغَه؛ فالقلوبُ بيدِه، وهو مُقلِّبُها ومُصرِّفُها كيف شاء وكيف أرادَ، وأنَّه هو الذي آتى نفوسَ المؤمنينَ تقواها، وهو الذي هدَاها وزكَّاها، وألهمَ نفوسَ الفُجَّارِ فجورَها وأشقاها؛ مَن يهدِ اللهُ فهو المُهتدي، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له؛ يهدي مَن يشاءُ بفضلِه ورحمتِه، ويُضِلُّ مَن يشاءُ بعدلِه وحكمتِه؛ هذا فضلُه وعطاؤُه، وما فضلُ الكريمِ بممنون، وهذا عدلُه وقضاؤُه؛ (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ:23]".

 

عبادَ اللهِ: إنَّ أثرَ التوحيدِ في التزكيةِ -بل في حياةِ المسلم- لَيبدو جليًّا في توحيدِ الهدفِ والغايةِ، واتِّفاقِ العلمِ والعملِ؛ حتى يكونَ فهمُ المسلمِ، وعقيدتُه، وعلمُه، وعملُه، وقصدُه، واتِّجاهاتُ قلبِه، ونشاطُه، مُنتظمًا في سِلكٍ واحدٍ متوافقٍ مؤتلِفٍ، لا تعارضَ فيه ولا تضاربَ، ويرتفعُ عن كاهلِ الإنسانِ ذلك الضيقُ الْمُمِضّ الذي يستشعرُه حين تتعارضُ في نفسِه الأهدافُ، وتتناقضُ الأعمالُ.

 

وممَّا يُزكِّي النفوسَ -يا عبادَ الله- تجديدُ الإيمانِ فيها على الدوامِ؛ إذ الإيمانُ يخلَقُ كما تخلَقُ الثيابُ؛ ولهذا كان صحابةُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يأخذُ أحدُهم بيدِ الآخرِ فيقولُ: "تعالَ نؤمنْ ساعةً"؛ فيجلسانِ فيذكرانِ اللهَ -تعالى-.

 

وفي ذكرِ اللهِ -تعالى-، وتلاوةِ كتابِه، وطاعتِه، والازدلافِ إليه، أعظمُ ما يُجدِّدُ الإيمانَ في نفسِ المؤمنِ، الذي يعلَمُ أنَّ الإيمانَ يزيدُ بالطاعةِ ويَنقُصُ بالمعصيةِ؛ فيعملُ على زيادةِ إيمانِه بصدقِ الالتجاءِ إلى اللهِ -تعالى-؛ ذلك الالتجاءُ الذي تكونُ أظهرُ ثمارِه المباركةِ: تزكيةَ النفوسِ -كما جاء في الدعاءِ النبويِّ الكريم-: "اللهمَّ آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكّاها".

 

وممّا يُزكِّي النفسَ ويُصلِحُ القلبَ -يا عبادَ اللهِ أيضًا-: دوامُ تذكُّرِ نعمِ اللهِ، التي أنعمَ بها على عبادِه؛ فإنَّ إحصاءَها خارجٌ عن مقدورِ البشرِ، كما قال -تعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النَّحْلِ:18]؛ فإنَّ هذا التذكُّرَ لهذه النعمِ يُورِثُ الذاكرَ لها كمالَ تعلُّقٍ به، وتمامَ توجُّهٍ إليه، وخضوعًا وتذلُّلًا له -سبحانه-؛ فإنَّ كلَّ ما وهَبَه من حياةٍ وصحّةٍ ومالٍ ووَلَدٍ وجاهٍ وغيرها، إنَّما هو مِنَّةٌ منه، وفضلٌ وإنعامٌ أنعم به؛ وكيفَ ومتى شاءَ، ولو شاءَ لسلبَ ذلك منه متى شاء؛ فإنَّه مالكُ المُلكِ كلِّه، بيدِه الخيرُ يُؤتيه مَن يشاءُ ويصرِفُه عمَّن يشاء.

 

ومعرفةُ ذلك ودوامُ تذكُّرِه باعثٌ على معرفةِ العبدِ بعجزِه وضعفِه وافتقارِه إلى ربِّه في كلِّ شؤونِه؛ غيرَ أنَّ تذكُّرَ النِّعمِ لا بدَّ من اقترانِه بالعملِ الذي يرضاه اللهُ ويُحبُّه، ويُثيبُ عليه يومَ القيامةِ؛ وحقيقتُه: فعلُ الخيراتِ وتركُ المنكراتِ على هُدًى من اللهِ ومتابَعةٍ لرسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، مع العنايةِ الخاصَّةِ بالفرائضِ التي افترضَها اللهُ على عبادِه؛ إذ هي أحبُّ ما يتقرَّبُ به العبدُ إلى ربِّه؛ كما جاء في الحديث: "إنَّ اللهَ -تعالى- قال: مَن عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُه عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورجلَه التي يمشي بها، ولَئِن سألني لأُعطينَّه، ولَئِن استعاذني لأعيذنَّه"(أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

 

وممّا يُزكِّي النفسَ -يا عبادَ الله- أعمالُ القلوبِ؛ فإنَّ القلبَ مَلِكُ الجوارحِ، تصلُحُ بصلاحِه وتفسُدُ بفسادِه؛ كما جاء في الحديث: "ألَا وإنَّ في الجسدِ مُضغةً إذا صَلَحتْ صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ"(أخرجه الشيخان في صحيحهما من حديثِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ -رضي اللهُ عنهما-).

 

ومن أعمالِ القلوبِ وأعظمِها يا عبادَ الله: نيَّةُ المرءِ ومقصودُه من كلِّ عملٍ يعملُه؛ فقد قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى؛ فمَنْ كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِه فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِه، ومَنْ كانت هجرتُه لدنيا يُصِيبُها أو امرأةٍ ينكحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه"(أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما).

 

فاتّقوا اللهَ -عبادَ الله-، واتَّخِذوا من كتابِ ربِّكم وسُنَّةِ نبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- خيرَ منهجٍ لتزكيةِ النفوسِ وإصلاحِ القلوبِ ابتغاءَ رضوانِ اللهِ، واقتفاءً لأثرِ الصفوةِ من عبادِ الله؛ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ:18].

 

نفعَني اللهُ وإيَّاكم بهَدْيِ كتابِه وبسُنَّةِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-.

 

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولكافّةِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ؛ إنّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الوليِّ الحميدِ، الفعَّالِ لما يريدُ؛ أحمدُه -سبحانه-، يخلقُ ما يشاءُ ويفعلُ ما يريدُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صاحبُ الخُلُقِ الراشدِ والنَّهجِ السديدِ. اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ المزيدِ.

 

أمّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: إنَّ التوبةَ من أعظمِ أسبابِ التزكيةِ للنفسِ والإصلاحِ للقلبِ؛ فإنَّ عبوديّةَ التوبةِ -كما قال ابنُ القيِّمِ -رحمه الله- من أحبِّ العبوديّاتِ إلى اللهِ وأكرمِها عليه؛ فإنَّه -سبحانه- يُحبُّ التوّابين، ولو لم تكنِ التوبةُ أحبَّ الأشياءِ إليه لَمَا ابتلى بالذنبِ أكرمَ الخلقِ عليه؛ فلمحبَّتِه لتوبةِ عبدِه ابتلاهُ بالذنبِ الذي يُوجِبُ وقوعَ محبوبِه من التوبةِ وزيادةَ محبّتِه لعبده.

 

وللتوبةِ عنده -سبحانه- منزلةٌ ليست لغيرِها من الطاعاتِ؛ ولهذا يفرحُ -سبحانه- بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليه أعظمَ فرحٍ يُقدَّر، كما مثَّله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بفرحِ الواجدِ لراحلتِه -التي عليها طعامُه وشرابُه- في الأرضِ الدويَّةِ المُهلِكةِ بعدما فقدَها وأيسَ من أسبابِ الحياةِ؛ ولم يجِئْ هذا الفرحُ في شيءٍ من الطاعاتِ سوى التوبةِ.

 

وإنَّ حقيقةَ التوبةِ: الرُّجوعُ إلى اللهِ بالتِزامِ فعلِ ما يُحبُّ وتركِ ما يَكرهُ؛ فهي رُجوعٌ من مكروهٍ إلى محبوبٍ؛ فالرُّجوعُ إلى المحبوبِ جزءُ مُسمَّاها، والرُّجوعُ عن المكروهِ هو الجزءُ الآخَرُ؛ ولهذا علَّق -سبحانه- الفلاحَ المُطلقَ على فعلِ المأمورِ وتركِ المحذورِ بها، فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النُّورِ:31]، فكلُّ تائبٍ مُفلِحٌ، ولا يكونُ مُفلِحًا إلَّا مَنْ فعلَ ما أُمرَ به وتركَ ما نُهيَ عنه.

 

فاتّقوا اللهَ -عبادَ الله- وتوبوا إلى اللهِ ابتغاءَ رِضوانِ اللهِ، وتأسيًا برسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- القائلِ: "يا أيُّها الناسُ، توبوا إلى اللهِ؛ فإنّي أتوبُ في اليومِ إليه مئةَ مرّةٍ"(أخرجه الإمام مسلم في صحيحه).

 

واذكروا على الدوامِ أنَّ اللهَ -تعالى- قد أمرَكم بالصلاةِ والسَّلامِ على خيرِ الأنامِ؛ فقال في أصدقِ الحديثِ وأحسنِ الكلامِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمّدٍ، وارضَ اللهمَّ عن خلفائِه الأربعةِ: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمانَ، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعينَ، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك، يا خيرَ مَن تجاوزَ وعفا.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واحمِ حوزةَ الدِّينِ، ودمِّرْ أعداءَ الدِّينِ وسائرَ الطُّغاةِ والمفسدينَ، وألِّفْ بين قلوبِ المسلمينَ، ووحِّدْ صفوفَهم، وأصلِحْ قادتَهم، واجمعْ كلمتَهم على الحقِّ، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ انصرْ دينَك وكتابَك وسُنَّةَ نبيِّك محمّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعبادَك المؤمنينَ المجاهدينَ الصادقينَ.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرِنا خادمَ الحرمينِ الشريفين، وهيِّئْ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقْه لما تُحبُّ وترضى، يا سميعَ الدعاءِ، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهدِه إلى ما فيه خيرُ الإسلامِ والمسلمينَ، وإلى ما فيه كلُّ خيرٍ عاجلٍ وآجلٍ للبلادِ والعبادِ، يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ احفَظْ هذه البلادَ حائِزةً كلَّ خيرٍ، سالمةً من كلِّ شرٍّ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ حرِّرِ المسجدَ الأقصى من نيرِ الغاصبينَ المحتلِّينَ، اللهمَّ احفَظِ المسلمينَ في غزَّةَ وفلسطينَ، اللهمَّ احفَظْهم من بينِ أيديهم ومِنْ خلفِهم، وعن أيمانِهم وعن شمائلِهم ومِنْ فوقِهم، ونعوذُ بعظمتِكَ أن يُغتالوا من تحتِهم، اللهمَّ أطعمْ جائعَهم، واكْسُ عاريَهم، واشفِ جرحاهم ومرضاهُم، واكتُبْ أجرَ الشهادةِ لقتلاهم، اللهمَّ كُنْ لهم مؤيِّدًا وظهيرًا ومعينًا ونصيرًا، يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ ارحمْ ضعفَهم، واجبُرْ كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ عليكَ بعدوِّكَ وعدوِّهم، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.

 

اللهمَّ أصلِحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِحْ لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ.

 

اللهمَّ آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكّاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

اللهمَّ أحسِنْ عاقبتَنا في الأمورِ كلِّها، وأجِرْنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ.

 

اللهمَّ إنّا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سخطِك.

 

اللهمَّ إنّا نسألُك فعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضْنا إليكَ غيرَ مفتونينَ، اللهمَّ اكفنا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهمَّ إنّا نجعلُك في نُحورِ أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورِهم، اللهمَّ زِدْنا ولا تَنقُصْنا، وأعطِنا ولا تحرِمْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وأرضِنا وارضَ عنَّا.

 

اللهمَّ اشفِ مرضانا، وارحمْ موتانا، وبَلِّغْنا فيما يُرضيكَ آمالَنا، واختمْ بالباقياتِ الصالحاتِ أعمالَنا.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ:23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ:201].

 

وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

المرفقات

تزكية النفوس.. طريق الفلاح.doc

تزكية النفوس.. طريق الفلاح.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات