تكريم الشريعة للمسلمة

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-11-14 - 1447/05/23 2025-12-10 - 1447/06/19
عناصر الخطبة
1/حرص الإسلام على العدل بين الرجل والمرأة 2/من صور تكريم الإسلام للمرأة 3/أهمية الحجاب الشرعي 4/صفات الحجاب الشرعي 5/خطورة الاستهزاء بالحجاب

اقتباس

الحجاب ليس عادةً من العادات، وإنما هو عبادة من العبادات التي فرضها الله على نساء المؤمنين، وأنت أيها الأب وأيها الزوج وأيها الولي مسؤولٌ أمام الله -جل وعلا- ثم مسؤولٌ أمام أهلك في زوجاتك وبناتك وفي أخواتك ومن ولايتك عليهم أنهن يستقمن على هذا الحجاب إذا خرجن إلى الرجال الأجانب في الأسواق أو في مجامع الناس....

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ لِله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها النجاة والفلاح، النجاة من عذابهِ والفلاح في الدنيا والآخرة.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى ونبيهُ المُجتبى، فصلوات اللهِ وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المُرسلين وسار على نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون.

 

أيها المؤمنون: إن دينكم دين الإسلام دينٌ عظيم شرَّف فيه الرجل والمرأة، وأعطى لكل واحدٍ منهما حقوقه كاملة، وقد شرَّف الله -جل وعلا- المرأة المُسلمة فصانها وحفظها وجعلها مكرَّمةً معززة في بيت أبيها، ثم في بيت زوجها، ثم يليها أولادها وأحفادها.

 

 واعتبروا هذا -يا عباد الله- للمرأة غير المسلمة في المُجتمعات الكافرة كيف أنها تكدح وتصدح ثم بعد ذلك تأوي إلى دار عجزة بلا ولد ولا والد ولا أخ يحنو عليها ويرعاها.

 

 ومن إكرام الله -جل وعلا- لهذه المرأة: أن جعل للمرأة قَيِّمًا عليها، يقوم على كفايتها ويحفظها وهو مسؤولٌ عنها عند الله -جل وعلا- وقبل ذلك عند الناس في هذه الدنيا.

 

 وإن من إكرام الله -جل وعلا- لهذه المرأة: أن صانها وحفظها بالحجاب الذي جعله الله -جل وعلا- دينًا وعبادةً لها، فالحجاب الشرعي -يا عباد الله- ليس عادةً من العادات المتوارثة وإنما هو دينٌ وعبادة تعبَّد الله -جل وعلا- به المرأة المُسلمة.

 

وفي أول الإسلام لم يكن الحجاب واجبًا على المرأة المُسلمة حتى كان في صدر وجود النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في المدينة أشار عليهِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- أشار عليه أن يحجب نساءه فإنه يدخل عليهن البَرُّ والفاجِر، يُريد بذلك كمال الصيانة لأمهاتنا أمهات المؤمنين، فأتاه الأمر مؤيدًا لما أشار بهِ عمر ومحققًا لما أراده؛ فأنزل الله قوله -جل وعلا- في سورة الأحزاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ ‌مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)[الأحزاب: 53]، ففرض الحجاب على أمهات المؤمنين.

 

وكان في أول الأمر الحجاب مُستحبًّا على نساءِ المؤمنين، ثم نزل بعد ذلك فرضه الحكيم على الجميع، على زوجات النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وعلى بناته وعلى سائِر نساءِ المؤمنين بقول الله -جل وعلا- من أواخر سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ‌يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59].

 

فأمر الله -جل وعلا- نساء المؤمنين، بدءًا من أمهاتهم زوجات النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وثنَّى ببناته وثلَّث بجميع نِساءِ المؤمنين بالأمر بإدناء الجلباب عليهن وهو الحجاب الشرعي يُدنى عليهم من رؤوسهن إلى أخمُصِ أقدامهن؛ وذلك لئلا يعرفن وتُعرف المرأة بوجهها لا تُعرف بشعرها ولا تُعرف بقفاها، وإنما تُعرف بوجهها أنها فلانة وأنها كذا وكذا، فالعجب -يا عباد الله- ممن يطلب المرأة أن تستُر شعرها ثم يأذن لها في كشف وجهها، أيهما يجمع الزينة؟ وأيها الأولى بأن يُحجب؟ إنه الوجه عند عامة العقلاء.

 

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم لقائه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فاتقوا الله، اتقوه بتعليم أوامره والمُبادرةِ إليها، وكبروهُ -جل وعلا- بتعليم نواهيه والحذر منها، واعلموا -عباد الله- أن من الحجاب الأكمل هو النقاب الذي هو سترُ جميع الوجه، وإنما يظهر من هذا الحجاب ما قد تظهر منه العين، وهكذا كان نساءُ الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، ورضي الله عن الجميع-.

 

 ثم توسَّع الناس بعد ذلك بتوسيع هذا النقاب إلى أن صار ما يُسمى بالنقاب أو البُرقع الذي يُظهر جمال العينين، ويُظهر ما حولهما، وهذا ليس بالحجاب الشرعي.

 

 تقول أم سلمة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "رحم الله نساء المهاجرين والأنصار، لما نزل الحجاب خرجن إلى المساجد وإلى الصلاة متلفّعاتٍ بمروطهن لا يُعرفن كأنهن الغرابيب السود"، أي أنهن يلبسن الحجاب الأسود حتى كأنهن الغِربان السود، وهذا فيه فضيلة لبس الحجاب الأسود أو العباءة السوداء، حيث إنه أتم في عدم إظهار الزينة وفي حصول ستر الحجاب.

 

فالحجاب ليس عادة من العادات، وإنما هو عبادة من العبادات التي فرضها الله على نساء المؤمنين، وأنت أيها الأب وأيها الزوج وأيها الولي مسؤولٌ أمام الله -جل وعلا- ثم مسؤولٌ أمام أهلك في زوجاتك وبناتك وفي أخواتك ومن ولايتك عليهم أنهن يستقمن على هذا الحجاب إذا خرجن إلى الرجال الأجانب في الأسواق أو في مجامع الناس، أما في داخل بيت المرأة فإنها تستُر سائر بدنها إلا وجهها وشعرها ويديها ورجليها كما أن هذا هو الذي تكشفه أمام المحارم من الرجال.

 

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أنه في هذا الزمان مع ضعف الدين وقلة الوازع مع نقص العقل أصبح الهجوم على عباداتكم وإلى ما اعتاده الناس من العبادات الفاضلة والأخلاق الكريمة ومنها هذا الحجاب؛ فأصبحنا نسمع الأصوات من هنا وهنا في إزالته، وكانت قبل سُنيات ما كانت هذه الدعاية للأعداء والمُفسدين في الخارج، وفي هذه الأيام سُمعت من بعض بناتِ المُسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ثم اعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، فعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يغفل عن الذِّكر إلا القلب القاسية.

 

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم ارض عن الأربعة الهدى، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن أمهات المؤمنين، وعن المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عزًا تُعزُّ به الإسلام، وذلاً تذل به الكفر والبدعة وأهلهما يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم دبر لهذه الأمة أمر رشدها يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولاية المُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا بر العالمين.

 

 اللهم انصر المرابطين على حدودنا وعلى ثغورنا، اللهم تقبَّل أمواتهم شهداء، اللهم اشف مرضاهم، اللهم من أراد بنا أو بالمُسلمين مكرًا أو سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

 

اللهم إنا نسألك بأسمائِك الحسنى وصِفاتك العلا اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم غيثًا مُغيثًا هنيئًا مريئًا.

 

 اللهم إنا نسألك من خيرك وفضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت يا أرحم الراحمين، اللهم متع بلادنا بالأمن بالخيرات، واهد قلوبنا لمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار.

 

المرفقات

تكريم الشريعة للمسلمة.doc

تكريم الشريعة للمسلمة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات