خطبة عيد الأضحى لعام 1446

شايع بن محمد الغبيشي

2025-06-06 - 1446/12/10 2025-06-02 - 1446/12/06
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/فضل يوم النحر 2/أعظم ما تنطق به الألسنة 3/الحث على التوحيد والتحذير من الشرك 5/سر التوفيق في الحياة 6/دروس من خطبة الوداع 7/الأضحية والفرح بالعيد.

اقتباس

بر الوالدين سر التوفيق في الحياة بل في الدنيا والآخرة، أعظم الحرمان أن تحرم نفسك البر وغنائمه؛ فالعاق المُضيّع لحقوق الوالدين من أعظم الناس خسراناً... والصلاة عماد الدين، وصلة العبد بربه، كيف يذوق السعادة مَن ضيَّع الصلاة؟ كيف يتخلص من الهموم وضغوطات الحياة مَن قطع صلته بالله؟

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله كل شيء عنده بأجل مقدَّر.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.      

 

أما بعد: عباد الله: إن يومكم هذا هو أعظم الأيام عند الله قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أعظم الأيامِ عندَ الله يومُ النحرِ، ثم يومُ القَرِّ"(رواه أبوداود وصححه الألباني).

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

أعظم ما تلهج به الألسن، الله أكبر: أكبر من كل شيء، وذلك يملأ القلب تعظيماً وإجلالا وتوقيراً ومحبة لله -سبحانه وتعالى-، ويملأ النفس طمأنينة وسكينة ويَستلُّ منها الخوف والقلق، فمن أيقن أن الله أكبر من كل شيء، فمِمَّ يخاف ومِمَّ يقلق؟! وكل الخلق تحت ملكه وسلطانه، ويملأ النفس تواضعاً لله الكبير المتكبر المتعال، ويملأ النفس إخباتاً له وافتقاراً إليه وإذعاناً له وانقيادًا لأمر الله –سبحانه-، وذلك أعظم مفاتيح القرب من الرب -جل وعلا-.

 

 ولا إله إلا الله: إعلان للتوحيد وإفراد لله بالعباد، وإن من أعظم الخسران أن يقع العبد في الشرك وهو يسمع خطاب الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65]؛ الشرك يمحق كل الأعمال والحسنات؛ (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الفرقان: 23].

 

 غاية الخسران أن تتحول أعمال العبد إلى هباءٍ تتطاير أمام ناظريه أحوج ما يكون إليها، فلنحذر -عباد الله- من الشرك بجميع صوره؛ فلا نعبد إلا الله وندعو إلا هو، ولا نطلب جلب النفع ودفع الضر إلا منه -سبحانه-.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: بر الوالدين سر التوفيق في الحياة بل في الدنيا والآخرة، أعظم الحرمان أن تحرم نفسك البر وغنائمه؛ فالعاق المُضيّع لحقوق الوالدين من أعظم الناس خسراناً؛ ألم يسمع قول الله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23- 24].

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

عباد الله: الصلاة عماد الدين، وصلة العبد بربه، كيف يذوق السعادة مَن ضيَّع الصلاة؟ كيف يتخلص من الهموم وضغوطات الحياة مَن قطع صلته بالله؟ فهل نستشعر -يا عباد الله- أن الصلاة فرصتنا لحياة الأنس والطمأنينة؟ قال أبو بكر المزني -رحمه الله-: "مَن مثلك يا ابن آدم، خُلِّي بينك وبين المحراب وبين الماء كلما شئتَ دخلت على الله -عز وجل-، وليس بينك وبينه ترجمان".

 

ويجب أن نقيم الصلاة جماعة في بيوت الله، والمُضيّع للجماعة مُعرَّض للوعيد الشديد، فهذا أرحم الخلق -صلى الله عليه وسلم- يُقسم فيقول: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب، فيُحطَب، ثم آمر بالصلاة، فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال، فأحرق عليهم بيوتهم"(رواه البخاري).

 

ولما استأذنه الأعمى قال: "هل تسمعُ النِّداء؟"، قال: نعم، قال: "لا أجِدُ لك رُخصةً"(رواه أبو داود)، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن صلاة الجماعة: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق"(رواه مسلم).

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: وقف حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا اليوم يُلقي على أصحابه ميثاق الوداع وقد حفّ به الركب المبارك، اشرأبت إليه أعناقهم، فالعيون ترمق، والأذان تسمع، والقلوب تخفق بالحب والوداد، والسرور يظهر على الوجوه، ينظرون إلى وجهه الوضّاء؛ كلّ يريد أن يأخذ حظه من ذلكم الضياء.

 

عبد الله: طِرْ بالفؤاد إلى ذلكم المشهد، وتخيل حبيبك -صلى الله عليه وسلم- واقفاً وأصحابه قد حفوا به، نعم وقف خطيباً يوم النحر فقال: «يا أيها الناس أي يوم هذا؟»، قالوا: يوم حرام، قال: «فأي بلد هذا؟»، قالوا: بلد حرام، قال: «فأي شهر هذا؟»، قالوا: شهر حرام، قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه فقال: "اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت"(رواه البخاري).

 

وفي هذه الخطبة دروس منها:

أولاً: حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أُمّته؛ فهو يلقي عليهم الخطاب تلو الخطاب يريد لهم النجاة يريد لهم السعادة؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128]؛ وحق هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تمتلئ القلوب بمحبته وتوقيره والشوق إليه والإقبال على سنته.

 

ثانياً: تأكد حقّ المسلم وتعظيم حُرمته؛ فدمه مُصَان مُعظَّم فلا يحل سفكه أو استباحته، فذلك من أعظم الجرم عند الله -جل وعلا-.

 

ثالثاً: تأكيد حرمة مال المسلم وممتلكات فلا يجوز سلبها والاعتداء عليها، والعجيب أن نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- دعا على مَن يأخذ أموال الناس ليُفسدها فقال" «من أخذ أموال الناس يريد إتلافها، أتلفه الله»(رواه البخاري).

 

رابعاً: تأكيد حرمة عِرْض المسلم فلا يجوز أن يُعتَدى عليه بالغيبة والتهمة له، وغمزه ولمزه حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن رمَى مسلمًا بشيء يريد شَيْنه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال"(رواه أحمد وحسنه الألباني). يا لله! ما أشد الوعيد! وأيّ عقوبة أن يحبس المصلي الصائم المزكي البارّ على جسر جهنم حتى يخرج مما قاله في عرض أخيه المسلم؟!

 

وإن من المشاهد المحزنة أن العبد يوم القيامة يبخل على أحب الناس إليه بحسنة واحدة، ولكن حسناته تُوزَّع على مَن هتك أعراضهم في مشهد يملأ القلب حسرةً وحزنًا؛ "يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"؛ هكذا أخبر -صلى الله عليه وسلم-، والحديث في صحيح مسلم.

 

اللهم عياذاً بك من ذلك، اللهم عياذاً بك من ذلك، اللهم عياذاً بك من ذلك.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: عباد الله: أكثر من التكبير التوحيد والتهليل: الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: العيد فرحة، وسرور وبهجة، وحبور أنس ومسرات؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر"(رواه أحمد).

 

والعيد يوم الحب يملأ أرجاء البيوت، يُفاض على الأبوين والزوجة والأبناء، والإخوة والأرحام، يوم العفو التسامح، ويوم تتناسى فيه النفوس الكريمة أضغانها، فتجتمع بعد فُرقة، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح القلوب قبل الأيدي، من كان بعيداً عن أهله بجسده فليكن قريباً منهم بقلبه ولسانه، يتصل بهم ويُدخل عليه السعادة والسرور ويبثّ إليهم مشاعر الحب والأشواق.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: اليوم تتقربون إلى الله بعبادة عظيمة، ألا وهي ذبح الأضاحي؛ فلنفرح بهذه العبادة، ولنحرص على أن يتقبلها الله منا، عن البراء بن عازب قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر؛ فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنّتنا، ومَن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، ليس من النسك في شيء"(متفق عليه).

 

 وعليك -يا عبد الله- أن تقول عند ذبحها: بسم والله أكبر هذا عني وعن أهل بيتي، فقد أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبش، فذبحه بيده، وقال: "بسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضحِّ من أمتي"(رواه الترمذي).

 

ويُسن أن يأكل ويُهدِي ويتصدق أثلاثًا؛ وقال -عليه الصلاة والسلام-: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ ليتسع ذو الطَّولِ على من لا طَول له، فكلوا ما بدا لكم، وأطعموا وادخروا"(رواه الترمذي).

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: إن هذا يوافق يوم الجمعة؛ فقد اجتمع لكم عيدان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مُجَمِّعون"(رواه أبو داود)، وذلك على الترخيص في الجمعة لمن صلى العيد في ذلك اليوم، فيجوز له أن يصليها ظهراً، وصلاتها جمعة أفضل اقتداءً برسول الله، ولكون صلاة الجمعة في أعظم يوم في العام من أعظم القربات إلى الله. ومَن لم يدرك صلاة العيد فيجب عليه أن يصليها جمعة.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: إن لنا أحباباً كانوا معنا في العام الماضي، قُضيت آجالهم ووُسِّدوا قبورهم، لا يستطيعون زيادة الحسنات ولا نقصاً من السيئات، فلا تنسوهم من الدعاء والصدقات.

 

اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة يا حي يا قيوم.

 

وصلوا وسلموا -عباد الله- على رسول الرحمة؛ استجابةً لقول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحمِ حوزة الدين وكن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان.

اللهم وفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما إلى البر والتقوى.

 

اللهم سدِّد منهما الرأي والقول والعمل، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، واصرف عنهم بطانة السوء يا حي يا قيوم، اللهم اجزهما خير الجزاء على خدمتهما للحرمين الشريفين وحرصهما على سلامة الحجاج والمقيمين والمواطنين.

 

اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء وسائر الأدواء يا رب الأرض والسماء، اللهم مَن أراد أمننا وديننا وعقيدتنا ووحدتنا بسوء فاجعل كيده في نحره وتدبيره تدميره يا حي يا قيوم يا مجيب الدعاء.

 

اللهم أَعِد علينا هذا العيد بالخير والمسرات والتوفيق والقبول يا رب العالمين.

المرفقات

خطبة عيد الأضحى لعام 1446.doc

خطبة عيد الأضحى لعام 1446.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات