اقتباس
إن الإنسان داخل أيِّ مجتمع ينبغي له أن يقوم بأداء واجبه على أحسن وجه، وفي مجتمعنا الإسلاميِّ ينبغي أن يبدأ المسلم بأداء وإتقان واجباته تجاه خالقه؛ وبذلك يحارب العبث والغشَّ وهلم جرًّا، والإخلاص والتفاني في...
إن منهج الوسطية والاعتدال هو المنهج الذي ينبغي تبنِّيه في كلِّ نشاطٍ يقوم به الإنسان؛ لأن هذا المنهج ثبت بالاستقراء والتجرِبة أن له فوائدَ جمَّةً، وحِكَمًا عظيمةً، تجعل الإنسان يعيش في طُمأْنينةٍ استمدَّت ثباتها من الاعتماد على العقل البشريِّ، الذي يستمدُّ بدوره قوَّتَه ورُقيَّه من الثقافات المتعاقبة، فيرتقي الإنسان من خلال هذا كلِّه؛ ليكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع، يتحلَّى بالعطاء، ويَتغيَّا تحقيق الجودة، وتحصيل المردودية الإيجابية.
ذلك المنهج المذكور سلفًا هو الذي يضبط شخصية الإنسان في كلِّ أحواله، فلا تجده يميل إلى التهوُّر وتسلُّق مراكب التفاهة والهزل كليةً، ولا ينزلق في غياهب الجدِّ المتصلِّب الذي قد يُوقعه في العنت وعدم التحمُّل.
ولعلَّ ما يُلاحظ في الساحة الاجتماعية التي لا تشهد بحصول نتائج جيدة، هو تحلِّي كثيرٍ من الناس وتشبُّثهم بثقافة التفاهة، التي تُغلِّب جانب الهزل والتهوُّر على جانب الجد والتعقُّل؛ حيث نجد أن الغالب الأعمَّ لا يهتمُّ بتنظيم وتخطيط نشاطاته داخل المجتمع، ومنه تكون أول خطوة يُمكن أن تُسهم في محاربة ثقافة التفاهة، هي:
♦ تسطير الأهداف:
إن المتدبِّر في القرآن الكريم لا بد له أن يتوقَّف عند قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]؛ فالغاية من وجود الخلق هو العبادة، وعبادة الله دون غيره تُحيلنا إلى التمتُّع بحرية الأشخاص على وجه البسيطة، فلا الفقير يكون عبدًا للغني، ولا الجاهل يكون عبدًا للعالم، ولا المرأة تكون أَمَةً للرجل؛ وبهذا يكون هدف العبادة هو أسمى هدف ينبغي تحقيقه، والعمل على تكريسه.
ثم إنه من خلال فهمنا للآية نعلم يقينًا أنه على الإنسان أن يُسطِّر أهدافه من خلال دراسته، وعمله، ومسؤوليته، ولقد نُقل عن "أينشتاين" أنه قال يومًا: "إذا أردتَ أن تعيش حياةً سعيدةً، فاربطها بأهدافٍ، وليس بأشخاصٍ أو أشياءَ"، والهدف هو الذي يُعطي معنًى للحياة.
♦ عدم التشبُّث بالرأي والتعصُّب له:
إن هذه النقطة من أخطر النقاط التي تُدخِل المرءَ في دوَّامة التفاهة وفساد الطويَّة؛ لأنه قد يكون الرأي ناتجًا من جهل، أو أنه لا يُراعي خصوصيات الأطراف الأخرى، ولا يُخالف عاقلٌ في أن كثرةَ الآراء وتمحيصَها واختيارَ الصواب منها هو سببٌ من أسباب النجاح، ولقد سُئل حكيمٌ يومًا، فقيل له: أين العلم "الرأي"؟ فقال: هو عند كل الناس، والطامَّة الكُبرى هي عندما يتمسَّك المرء برأيه الخاطئ بعد معرفة الصواب.
♦ الابتعاد عن النقاشات العقيمة:
مما هو معلوم أن النقاش يتطلَّب مجهودًا عقليًّا وجسديًّا، خصوصًا إذا كانت النقاشات تحوم حول تحقيق الانتصار على الطرف المخالف، والرزية العُظمى هي حينما يكون الانتصار للأشخاص لا للأفكار؛ ولذلك كان الجدال منهيًّا عنه قديمًا، وإذا دعت الضرورة لذلك نجد أن الشارع طلب منَّا أن نُجادل بالحكمة والموعظة الحسنة مع الاتِّصاف بالتلطُّف واللين.
وتأمَّل -رحمك الله- المنهج الذي دعا إليه الحقُّ -سبحانه وتعالى-، حينما أرسل موسى وأخاه هارون إلى فرعون ليتعاملا معه ويدعواه إلى دين الله، رغم كونه رأس الكفر آنذاك.
♦ درء الانجرار وراء الجماعة دون تفكير:
ولهذا العنصر عواقبُ وخيمةٌ، خصوصًا إذا كانت الجماعة تبني مبادئها على جهل مُركَّب، وحميَّة عمياء، وتقليد ناتج من استلاب لم يجد فكرًا محصَّنًا بالعلم والمعرفة.
وما الأحداث التي تهزُّ أركان العالم كلَّ يوم عنَّا ببعيد، وما سبب ذلك إلا الانجرار وراء فكر الجماعات التي لا تُفرِّق بين إبادة الحياة وإقامتها.
♦ الدعوة إلى تحصيل الثقافة العامة:
حينما يغيب الاهتمام بأفراد المجتمع -وخصوصًا الشباب منهم- يلجؤون إلى البحث عن متنفَّسٍ حركيٍّ ووجدانيٍّ، يجدون فيه ذواتهم؛ فالشباب لا بد لهم من اهتمام على مستوى تهيئ وخلق أمكنة ومجالات للترفيه والتثقيف؛ حتى لا يُسيطر الملل والعبث على حياتهم، فينجذبون إلى صيحات التضليل وثقافة التقليد الأعمى، مع تفجير الطاقة الفائضة فيما لا يُحمد عقباه.
♦ الانخراط في أداء الواجبات:
إن الإنسان داخل أيِّ مجتمع ينبغي له أن يقوم بأداء واجبه على أحسن وجه، وفي مجتمعنا الإسلاميِّ ينبغي أن يبدأ المسلم بأداء وإتقان واجباته تجاه خالقه؛ وبذلك يحارب العبث والغشَّ وهلم جرًّا، والإخلاص والتفاني في العمل ــ كلٌّ في موقعه ــ فالممثِّل ينبغي ألَّا يقبل أدوارًا لا تُقدِّم للمُتلقِّي ما يستفيد منه، وسواء كان ذلك عن طريق تقمُّص الأدوار التراجيدية أو الكوميدية، والمدرِّس لا ينبغي أن ينساق وراء رغبات متعلميه دائمًا؛ وبذلك يُسهم كل فرد في رقي المجتمع، والدفع بعجلته إلى الأمام من أجل تحقيق ازدهاره وتقدُّمه.
♦ التقليل من المزاح والهزل:
إن النفس البشرية دائمًا تميل إلى البحث عن التسلية عبر الهزل؛ كمتنفس جرَّاء ما يُعانيه الإنسان من ضغوط ومتطلَّبات تجعله يشعر بالكآبة والقلق، إلا أن هذا المزاح لا ينبغي أن يُسيطر على كلِّ مواقفنا، وإلَّا استولى العبث على حياتنا.
هذه باختصار شديد بعضُ الخطوات لمحاربة ثقافة التفاهة، التي غالبًا ما نُلاحظها تنخر جسد المجتمع الإسلاميِّ على صعيد جميع المجالات، ولهذه الخطوات أصولٌ ضاربةٌ في عمق الثقافة الإسلامية.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم