رحلوا ففقدوا

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-08-08 - 1447/02/14 2025-08-28 - 1447/03/05
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/قيمة المرء على قدر نفعه وأثره 2/من ثمرات نفع الناس 3/نافع الناس يرحل ويعظم فقده 4/الناس عند الموت مستريح ومستراح منه

اقتباس

أَكَرُمُ الرَّاحِلِيْنَ مَنْ ظَهَرَ بَعْدَ الرَّحِيْلِ فَقْدُه، وتَكَشَّفَ بَعْدَ الغِيابِ أَثَرِه، كَانَ لَهُ نَفْعٌ في أُسْرَتِهِ، ونَفْعٌ في عَشِيْرَتِهِ، ونَفْعٌ في حَيِّهِ، ونَفْعٌ في بَلَدِه، ونَفْعٌ فالحزني عَمَلِهِ، ولَهُ نَفْعٌ أَيْنَما حَلَّ وأَيْنَما رَحَل، ولَرُبما تَعَدَى نَفْعُهُ فَبَلَغَ الآفاقَ، وسَرَى إِلى قَرِيْبِ البِلادِ وأَقاصِيْها...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: يقِفُ الإِنْسانُ حَيْثُ يُقِيْمُ نَفْسَه، ويَكْرُمُ المَرءُ حِيْنَ تَطِيْبُ مِنْهُ الفِعال، وعلى قَدْرِ نَفْعِ المرءِ يَعْلُو قَدْرُهُ، وعلى قَدْرِ أَثَرِهِ تُحْمَدُ مِنْهُ الخِصال، فَمَنْ نَهَضَ إِلى العَلياءِ عَلا، ومَنْ قَعَدَ في الخَامِلِيْن سَفُل، وأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ كَانَ نَفَّاعاً، وأَكْرَمُهُم مَنْ كانَ في الخَيْرِ عَجُول، يَفْتَقِدُ النَّاسُ مَنْ طَابَ أَثَرُهُ، وتَعَدَّى نَفْعُهُ، وعَمَّتْ بَرَكَتُه، ولا يَفْتَقِدُ النَّاسُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَرِيْمُ أَثَر.

 

فَكَمْ حاضِرٍ في الجَسَدِ وهُوَ في الحُكْمِ مَفْقُود، وكَمْ غائِبٍ في الجَسَدِ لَهُ مِنْ الأَثَرِ شُهُود، كَمْ قَائٍمٍ على ثَغْرٍ مِنْ النَّفْعِ الخَفِيّ، لَمْ يَتَفَطَّنِ النَّاسُ لِعَظِيْمِ أَثَرِهِ إِلا حِيْنَ رَحَل، وكَمْ مُلازِمٍ لِعَمَلٍ مُحْتَقَرٍ، لَمْ يُدْرِك النَّاسُ جَلالَةَ عَمَلِهِ إِلا حِيْنَ غَاب!.

 

غابَ عَامِلُ النَظَافَةِ يَوماً؛ فَأَدْرَكَتِ المَدِيْنَةُ أَنَّ مَنْ كانَ في عَمَلِهِ يُحْتَقَر، هُو مَنْ كانَ يَصْنَعُ الأَناقَةَ فِيْهِم، وهُو مَنْ كَانَ يَنْفِيْ عَنِ الطُرُقاتِ مَظاهِرَ القَذَر، رَحَلَتِ المَرأَةُ السَوداءُ التِيْ كانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، فَفْتَقَدَها أَكْرَمُ البَشَر، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- فَسَأَلَ عَنْهَا، أَو عَنْهُ، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: "أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟"، أَيْ: أَعْلَمْتُمُونِيْ كَيْ أُصَلِّيْ عَلِيْها، قالَ: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقالَ: "دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ"، فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا"( متفق عليه).

 

وعلى قَدْرِ نَفْعِكَ سَيَظْهُرُ بَعْدَ الرَّحِيْلِ فَقْدُك، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْعُ لَمْ يُفْتَقَد، فَكَمْ غائِبٍ لَمْ يُتَفَطَّن لِغِيابِهِ، وكَمْ راحِلٍ لَمْ يُشْعَرْ بِرَحِيْلِه، وأَكَرُمُ العَامِلِيْنَ مَنْ كانَ في عَمَلِهِ للهِ مُخْلِصاً، فإِنْ بَقِيَ، بَقِيَ في النَّاسِ كَرِيْماً، وإِنْ رَحَلَ، رَحَلَ إِلى أَكْرَمِ مُنْقَلَب، ولا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ العَمَل إِلا مَا كانَ لَهُ خالِصاً.

 

أَكْرَمُ العَامِلِيْنَ وأَكْثَرُهُم نَفْعاً، مَنْ كَانَ يَسْعَى لِسَدِّ الثُغُورِ المُهْمَلَةِ، ويَسْعَى لِسَدِّ الثُغُورِ التِيْ يَزْهُدُ النَّاسُ بِها، ويَسْعَى لِسَدِّ الثُغُورِ التِيْ يُحِسِنُ القِيامَ عليها، ويَسعى لسد الثُّغُورِ التي تَعْظُم حاجَةُ النَّاسِ إِليها، يَبْذُلُ في النَفْعِ وُسْعَهُ، ويَسْعَى في العَطاءِ طَاقَتَه، لا يَحْتَقِرُ مَعْرُوفاً ولا يَسْتَهِيْنُ بِعَطاءَ، ولا يَتَرَفَّعُ عَنْ نَفْعٍ، ولا يَسْتَكْبِرُ عَنْ عَمَل، غَايَتُهُ سامِيَةٌ ومَقْصِدُهُ نَبِيْل، لا يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ مَكاناً بِهِ بَيْنَ النَّاسِ يُشْهَر، ولا يَتَقَصَّدُ عَملاً بِهِ بَيْنَ النَّاسِ يُذْكَر، غَايَتُهُ نَفْعاً يَكُونُ عِنْدَ رَبِهِ مَقْبُولاً، أَينما أُقِيْمَ أَقامَ، وأَيْنَما حَلَّ نَفَع، جَاءَ الثَناءُ عليهِ في حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- : "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ"(رواه مسلم)، وأَكَرُمُ الرَّاحِلِيْنَ مَنْ تَوالَتْ لَهُ بَعْدَ الرَحِيْلِ الدَعَوات، وبَقِيَ لَهُ في النَفْعِ أَصْدَقُ أَثَر.

 

أَكَرُمُ الرَّاحِلِيْنَ مَنْ ظَهَرَ بَعْدَ الرَّحِيْلِ فَقْدُه، وتَكَشَّفَ بَعْدَ الغِيابِ أَثَرِه، كَانَ لَهُ نَفْعٌ في أُسْرَتِهِ، ونَفْعٌ في عَشِيْرَتِهِ، ونَفْعٌ في حَيِّهِ، ونَفْعٌ في بَلَدِه، ونَفْعٌ في عَمَلِهِ، ولَهُ نَفْعٌ أَيْنَما حَلَّ وأَيْنَما رَحَل، ولَرُبما تَعَدَى نَفْعُهُ فَبَلَغَ الآفاقَ، وسَرَى إِلى قَرِيْبِ البِلادِ وأَقاصِيْها، رَحَلُوا فَفُقِدُوا، وغَابُوا فَذُكِرُوا، ومَضَوا وبَقِيَتُ آثارُهُم، رَحَلُوا فَفُقِدُوا، ومَا كانُوا قَبْلَ الرَّحِيْلِ إِلا أَنْهارَ بَذْلٍ، ورِياحَ جُودٍ، ويَنابِيعَ عَطاء،  رَحَلُوا فَفُقِدُوا، وفي الليلةِ الظَلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ.

 

ولا يُفْقَدُ إِلا مَنْ لَهُ وَزْنٌ، ولا يُفْقَدُ إِلا مَنْ لَهُ قَدْرٌ وقِيْمَة؛ فَأَقِمْ على ثَغْرٍ تُلازِمُه، واثْبُتْ على عَمَلٍ صَالحٍ يَتَعَدَّى للغَيْرِ نَفعُهُ ويَسْرِي في النَاسِ أَثَرُه، ولا تَحْتَقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيئاً، فَمَنْ زَهِدَ بِنَوافِذِ الإِحْسانِ، لَمْ يُوَفَّقْ لِبُلُوغِ أَبوابِها.

 

رَحَلُوا فَفُقِدُوا، يُفْقَدُ إِمامٌ بالحُكْمِ عادِل، ويُفْقَدُ عَالِمٌ بالعِلْمِ عامِل، ويُفْقدُ داعِيَةٌ للِدِيْنِ ناصِح، ويُفْقُد غَنِيٌّ لِلمالِ باذِل، ويُفْقُدُ مُعَلِّمٌ للجِيْلِ مُخْلِص، ويُفْقَدُ مُوَظَّفٌ للناسِ نافِعٌ، ويُفْقَدُ تاجِرٌ سَمْحٌ أَمِيْن.

 

رَحَلُوا فَفُقِدُوا، يُفْقَدُ ولَدٌ لِوالِدِهِ بارٌّ، ويُفْقَدُ قَرِيْبٌ لِرَحِمِهِ واصِلٌ، ويُفْقَدُ جَارٌ لِجارِهِ مُحْسِنٌ، ويُفْقَدُ صَدِيْقٌ لِصَدِيْقِهِ وَفِيٌّ، ويُفْقَدُ زَوجُ لِزَوجَتِهِ وَادٌّ، وتُفْقَدُ زَوجَةٌ لِزَوجِها حَافِظَة، ويُفْقَدُ صاحِبٌ في مُعاشَرَتِهِ خَلُوقٌ.

 

رَحَلُوا فَفُقِدُوا، يُفْقَدُ مَنْ كانَ بالمَعْرُوفِ آمِراً، ومَنْ كَانَ عَنِ المُنْكَرِ ناهياً، وَمَنْ كَانَ بَيْنَ النَّاسِ مُصْلِحاً، ومَنْ كانَ لَهُ في المُجْتَمع أَنْفَعُ أَثَر.

 

رَحَلُوا فَفُقِدُوا، عَابِدٌ فَقَدَهُ مِحْرابُه، ومُعَلِّمٌ فَقَدَهُ طُلابُه، ومُصَلٍّ فَقَدَهُ مَسْجِدُه، وتالٍ فَقَدَهُ مُصْحَفُه، وناشِرٌ للخَيْرِ فَقَدَهُ مَنْ كانَ لَهُ يُتابِع، رَحَلُوا فَفُقِدُوا.

 

إِذا ما مَاتَ ذُو عِلْمٍ وتَقْوَى *** فَقَدْ ثُلِمَتْ مِنَ الإِسلامِ ثُلْمَة

ومَوْتُ الحاكِمِ العَدْلِ المُوَلَّى *** بِحُكْمِ الأَرْضِ مَنْقَصَةٌ ونِقْمَة

ومَوْتُ فَتَى كَثِيْرِ الجُودِ مَحْلٌ *** فإِنَّ بَقاءَهُ خَصْبٌ ونِعْمَة

ومَوْتُ العَابِدِ القَوَّامِ لَيْلاً *** يُناجِيْ رَبَهُ في كُلِّ ظُلْمَة

ومَوْتُ الفَارِسِ الضِرْغَامِ هَدْمٌ *** فَكْمْ شَهِدَتْ لَهُ بالصَّبْرِ عَزْمه

فَحَسْبُكَ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلِيْهِم *** وباقِ النَّاسِ تَخْفِيْفٌ ورَحْمَة

 

رَحَلُوا فَفُقِدُوا، وأَكْرِمِ بِهِم مِنْ راحِلِيْن؛ (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل: 32].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ ولِيُّ الصَالحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمداً رَسُولُ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وصلى اللهُ وسلَمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِيْن، وعلى مَنْ تَبِعَهُم بإِحْسانٍ إِلى يَومِ الدِّيْنِ.

 

أَما بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -يا عِبادَ اللهِ- لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.

 

أيها المسلمون: رَحَلَ أَهْلُ النَّفْعِ فَفُقِدُوا، ولا عَزاءَ لِمَنْ رَحَلَ فَما فُقِد، ولا كَرامَةَ لِمَنْ هَلَكَ فَما بُكِيَ عَلَيْه؛ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[الدخان: 29]، لَمْ تَكُنْ لَهُم حَسناتٌ في الأَرْضِ تَقَع، ولَمْ تَكُنْ لَهُم صَالحَاتٌ إِلى السَماءِ تَصْعَد، فَلَما هَلَكُوا، مُقِتَوا (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)[الدخان: 29].

 

لا عَزاءَ لَمَنْ رَحَلَ فاسْتَبْشَرَ العِبادُ بِرَحِيْلِه، ولا كَرامَةَ لِمَنْ غَابَ فَتَوالَتْ اللعَناتُ عليه، مُسْتراحٌ مِنْهُ يَومَ رَحَل، فَبِئِسَ الرَحِيْلُ، وبئِسَ ما بِهِ مِن الأَعْمالِ رَحَل، نَمامٌ أَو حاسِد، أَو مُتَسَلِّطٌ أَو مَتَكَبِّر، أَو مُعْتَدٍ أَو ظَلُوم، جَلِيْسُ سُوءٍ، أَو داعِيَةُ ضَلال، أَو قَرِيْنُ شَرٍّ، أَو خَدِيْنُ فَساد، ناشِرٌ للمُنْكَرِ أَو داعٍ إِليه، أَو مُقاوِمٌ للمعْروفِ أَو محارِبٌ للصَلاح، لَهُ بَصَماتُ في الشَّرِ باقِيَةٌ، ولَهُ آثارٌ في الفَسادِ مُمْتَدَّة، ولَهُ شَواهِدُ مِن الأَذى مُتَعدِّيَة.

 

رَاحِلٌ فَما فُقِد، لَمْ يَبِكِهِ جارٌ، ولَمْ يَحْزَنْ عليهِ قَرِيْب، ولَمْ يَتأَلَمْ لِرَحِيْلِهِ صَالحٌ، ولَمْ يَتأَسَفْ على غِيابِهِ أَحَد، راحِلٌ فَما فُقِد، رَحَلَ فَاسْتَراحَتِ الدُّنْيا يَومَ رَحِيْلِهِ، ومَنْ شَهِدَ المُسْلِمُونَ لَهُ بالسوءِ شَقِيْ، أَثْنَى المُسْلِمُونَ على جِنازَةٍ بالشَرِّ، فَقَال النَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وجَبَت"، قِيْلَ: وما وَجَبَت؟ قَال: "أَثْنَيتُم عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنتُم شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرضِ"(متفقٌ عَلَيْهِ).

 

ورَحِيْلُ مَنْ تَعَدَّى إِلى الناسِ شَرُّهُ، فَيَومُ رَحِيْلِهِ يَومٌ بَشُوش، مُسْتَراحٌ مِنْهُ، لا أَراحَ اللهُ لَهُ مُنْقَلَب، عَنْ أَبِيْ قَتادَةَ -رضي اللهُ عَنْهُ- قالَ: مُرَّ على النَبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِجنازةٍ فقالَ: "مُسْتَرِيْحٌ وَمُسْتَرَاحٌ منْهُ"، فَقَالُوا: مَا المُسْتَرِيْحُ وَمَا المُسْتَرَاحُ منْهُ؟ قالَ: "العَبْدُ المؤْمِنُ يَسْتَرِيْحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنيا وَأَذَاهَا، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيْحُ منْهُ العِبَادُ وَالبِلادُ والشَّجَرُ والدَّوَابُّ"(متفق عليه).

 

اللهم أحسِن لَنا لمحيا وأَحسنِ لَنا الممات، واجعلنا من عبادِك المفلحين.

 

المرفقات

رحلوا ففقدوا.doc

رحلوا ففقدوا.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات