عناصر الخطبة
1/حجج الله على خلقه واضحة 2/ما يحدث في يوم عاشوراء من البدع 3/التمسك بالسنة من النعم العظيمة 4/بيان السنة في يوم عاشوراءاقتباس
الحمدُ للهِ الذي أحيانَا على "لا إله إلا الله"، والحمد الله الذي عصمنا البدعةَ المضلَّة، فلا ندعو غيرَ اللهِ، ولا نلطمُ ولا ننوح، ولا يقفُ بنا الزمنُ على حدثٍ تاريخيٍّ يجدِّده الضالُّون، فتعودَ معهُ الأحزانُ والثاراتُ على هباءٍ منثور...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، وتركنا على البيضاءِ ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالك، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي السبيل للتبصُّر في الحالِ والمآل، قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
أيها الموحِّدون: إنَّ ربَّنا -سبحانه- عندما أنزلَ علينا هذا الدينَ العظيمَ جعلَهُ ظاهرًا للعيانِ ساطعًا كالشمس، وقد أودعَ فينا نحن بني البشرِ آلاتِ النَّظرِ والفَهمِ والاختيار، فصارَ كلُّ إنسانٍ حرَّ اختيارِه مسؤولَ أفعالِه خصيمَ نفسِه، ومع ذلك فقد أوجدَ -سبحانه- أدلةً تُعيننا على تمييزِ الحقِّ من الباطل، فأرسلَ الرسولَ الكريمَ -صلى الله عليه وسلم- وأنزلَ الكتابَ العظيمَ للبيانِ والإرشاد، قال -تعالى-: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل: 44].
ومع هذهِ الحُججِ الراجحةِ والأدلةِ الواضحةِ اختارَ كثيرٌ من الناسِ أن يَضِلُّوا، فَطَرَقُوا سبيلَ الغوايةِ فتأخروا في الدنيا، فحقَّ عليهم العذابُ يومَ القيامة، اختاروا الشركَ على التوحيد، والبدعةَ على السُّنة، والرؤوسَ الجهَّالَ على العلماءِ ورثةِ الأنبياء.
ومع أنَّ هؤلاءِ المبتدعينَ الضالِّينَ وجدوا علماءَهم وآباءَهم يفعلونَ الشركَ والضلالَ، فلم يختاروه من تلقاءِ أنفسِهم ابتداءً، إلا أنَّ ذلك لن يعصمَهم يومَ الحساب؛ لأنَّ الحقَّ قد بانَ وسبيلَهُ ملءُ الأسماعِ والعِيان، قال -تعالى-: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 38].
وإنَّ من أعظمِ العبرِ في ذلك أن تحمدوا اللهَ على هذهِ النعمةِ العظيمةِ التي هُديتم إليها نعمةِ التوحيدِ والسنة، الحمدُ للهِ الذي أحيانَا على "لا إله إلا الله"، والحمد الله الذي عصمنا البدعةَ المضلَّة، فلا ندعو غيرَ اللهِ، ولا نلطمُ ولا ننوح، ولا يقفُ بنا الزمنُ على حدثٍ تاريخيٍّ يجدِّده الضالُّون، فتعودَ معهُ الأحزانُ والثاراتُ على هباءٍ منثور؛ (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[الكهف: 103- 104].
ولكنَّنا -والحمد لله- نمضي في هذهِ الحياةِ كما أمرنا اللهُ، فنعمرَ الأرضَ بكلِّ سبيلٍ ونستعدَّ لليومِ الآخرِ بالعملِ الصالح.
ثم لندرك -يا عباد الله- أنَّ الظرفَ الزمنيَّ الحاصلَ الآن، من شدةِّ التواصلِ بين أهلِ هذهِ الأرضِ مسلِمِها وكافرِها موحِّدها ومشركِها جعلَ العينَ تقعُ على مشاهدِ البدعةِ والضلالِ، مما تستنكره الفِطَرُ السويَّةُ والعقيدةُ الجليَّة.
وإنَّ موقفَ المسلمِ حينَ يرى هذهِ المناظرَ البشعةَ أن تحمدَ اللهَ على نعمة الهداية، التي منَّ عليكَ بها، ولم تنلْها بنفسِك؛ (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف: 43]، فتطردَ بذلك شعور الخُيلاءِ والزَّهوِ من حالِك مقارنة بحالهم، وتتشرَّب شعور الامتنان بنعمة الله عليك أنْ هداك للإيمان والتوحيد؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].
اللهم اجعلنا لك شاكرين، لكَ ذاكرين، أوَّابين منيبين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد: فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.
نعم -يا عباد الله- هذه حال البدعةِ وما تؤول إليهِ من الضلال، وأمَّا السنَّةُ التي تُرشد إلى الهداية فهي ما جاء في كتاب الله وسنة -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك ما ورد في الحثِّ على صيام يوم غدٍ العاشر من شهر الله المحرَّم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"، وقد حرص -عليه الصلاة والسلام- على صيامه لما له من المكانة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ"(رواه البخاري).
ويستحب أن يصومَ قبلَهُ يومًا أو بعدَه يومًا؛ مخالفةً لليهودِ في ذلك، وإن صامَ الثلاثةَ جميعًا التاسعَ والعاشرَ والحاديَ عشرَ فلا بأس؛ لأنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خالفوا اليهودَ صوموا يومًا قبلَه ويومًا بعدَه".
اللهم أحيينا على التوحيد والسنة، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم زيِّنا بالإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه وولي عهده لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لأهلنا في فلسطين، اللهم انصرهم نصرا مؤزَّرًا يا ناصر المظلومين، يا قوي يا عزيز.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم