فساد الأرض

سالم بن محمد الغيلي

2025-10-03 - 1447/04/11 2025-10-15 - 1447/04/23
عناصر الخطبة
1/من علامات خيرية الأمة 2/أهمية عمارة الأرض ونشر الخير فيها 3/التحذير من الإفساد في الأرض 4/ سبب ظهور الفساد في البر والبحر 5/إصلاح الأرض وعمارتها 6/ المحافظة على البيئة ونظافتها.

اقتباس

المحافظة على البيئة ونظافتها من تعاليم ديننا السمح الحنيف؛ لا نقطع الأشجار بدون حاجة، لا نسرف في الصيد بدون حاجة، لا نقتل الحيوانات بدون سبب موجب، لا نرمي القاذورات في الشوارع وفي الحدائق وفي الطرقات.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب: 70].

 

عباد الله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أخرجتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...)[سورة آل عمران: 110]، نحن خير الأمم إن أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر وآمنّا بالله، شرَّفنا الله بهذا الدين، وقد كان العرب قبله لا يُذْكَرُون، ولو ذُكِرُوا ذكروا بالقتل والسلب والتنازع.

 

جاء الله بالإسلام فنظَّم الحياة كلها، لم تبقَ شاردة ولا واردة إلا وللإسلام فيها طريق ومنهج من التوحيد، والنهي عن الشرك وبر الوالدين إلى الكلمة الطيبة وإماطة الأذى عن الطريق وإعطاء الحقوق حتى للكافر وللطير والحيوان، وحتى الأشجار لها في ديننا اهتمام وأحكام.

 

أمرنا الله بعمارة الأرض ونشر الخير فيها، وحذَّرنا من نشر الفساد والشر فيها؛ (...وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[سورة البقرة: 60]، (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا...)[سورة الأعراف: 56]، لا نفسد في الأرض وقد أصلحها الله، جعلها الله صالحة للعيش والاستقرار للإنسان والحيوان، والأرض تفسدُ بالمعاصي تفسدُ بالكفر والشرك ومخالفة أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وما عاقب الله الأمم السابقة إلا بعد فسادهم في الأرض... فسد قوم هود كفروا بالله وأنكروا فضله وأفسدوا في الأرض؛ فأرسل الله عليهم الريح العقيم (مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم)[سورة الذاريات: 42]، (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)[سورة الحاقة: 7-8].

 

قوم صالح أفسدوا في الأرض وعقروا الناقة فأهلكم الله بالصاعقة.

 

فرعون أفسد في الأرض وجعل أهلها شيعًا يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم وقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[سورة القصص: 38]؛ فأي فساد في الأرض هذا؟!

 

فأغرقه الله في البحر هو وجنوده (فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)[سورة الزخرف: 55].

(كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ  وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)[سورة الدخان: 25-29].

 

وغيرهم وغيرهم ممن أهلكم الله بسبب الفساد في الأرض؛ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[سورة الروم: 41].

 

ما نراه اليوم في البر من الحروب والدمار والتخريب والفيضانات والإغراق والبراكين والأمراض والأوبئة... هذا فساد وإفساد في الأرض.

 

وما نراه في البحر من موت الحيتان، وتلوث البحار وطغيانها على الناس في البر، كل ذلك فساد في البحر، لكن ما السبب ما سبب ظهور الفساد في البر والبحر؟ سببه بما كسبت أيدي الناس... بما كسبت أيدي الناس من المعاصي والفجور والبعد عن رب العالمين.

 

رزقنا الله بالطيبات مما تنبت الأرض ومن الأنعام، وحذرنا من الإسراف والتبذير والعبث بالنعم؛ لأنه فساد في الأرض؛ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[سورة الأعراف: 31].

 

فماذا فعل الناس؟ أسرفوا إلا من رحم ربي... الذبائح والأنعام في مناسباتنا لا يؤكل إلا ربعها والبقية أين تذهب؟

 

يخلق الله شجرًا مثمرًا فيحل الله لنا فيه الطيب ويحرم علينا الخبيث ابتلاء وامتحان؛ فإذا بنا نأكل الطيب والخبيث، من أين تصنع الخمور والمسكرات والمفترات؟ أغلبها من الثمار والأشجار والنباتات... الحشيش والقات والشمة والدخان نباتات خلقها الله وحرمها، فإذا بكثير من الناس يستحلونها ويفسدون بها الرجال والنساء.

فساد في الأرض.

 

يخلق الله الرجال والنساء ويبيح الزواج الشرعي مثنى وثلاث ورباع؛ فإذا بالبعض يتركون الحلال وينتهكون حرمات الناس، ويسافرون للفساد والإفساد.

فساد في الأرض.

 

يقول -سبحانه- للناس: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[سورة البقرة: 60].

 

فلنكن -يا عباد الله- من المصلحين في الأرض، ونحن -إن شاء الله- كذلك، لنحذر من الفساد والإفساد؛ حتى لا نُعرِّض أنفسنا لعقوبة الله، فإن الله لا يحب المفسدين.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.

 

عباد الله: إن الله -تعالى- أمرنا وأمرنا رسوله -صلى الله عليه وسلم- بإصلاح الأرض وعمارتها، وإزالة ما يُفسدها ويُفسد معايش أهلها، حتى نعيش في بيئة طاهرة بيئة صحية، بيئة خالية من الفساد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ"(صحيح البخاري)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقوا الملاعنَ الثَّلاثَ؛ البَرازَ في المواردِ وقارعةِ الطَّريقِ والظِّلِّ"(حسنه الألباني في صحيح أبي داود).

 

أمرنا -صلى الله عليه وسلم- بإماطة الأذى عن الطريق؛ فقال: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ"(صحيح مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ"(صحيح مسلم).

 

ومن وصايا أبي بكر لأمراء الجُند: "لا تقتلوا امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرمًا، ولا تقطعوا شجَرًا مُثمرًا، ولا تُخرِّبُنَّ عامرًا، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلَّا لمأكلة، ولا تُغرقُنَّ نخلًا ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن" قال ابن كثير في كتابه (إرشاد الفقيه: 2/ 320): رُوِيَ هذا عن أبي بكرٍ من وجوه كثيرة.

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً، وما سُرِقَ منه له صَدَقَةٌ، وما أكَلَ السَّبُعُ منه فَهو له صَدَقَةٌ، وما أكَلَتِ الطَّيْرُ فَهو له صَدَقَةٌ، ولا يَرْزَؤُهُ أحَدٌ إلَّا كانَ له صَدَقَةٌ"(صحيح مسلم)، وقال: "ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ"(صحيح البخاري). وهذا من الإصلاح في الأرض، والمحافظة على البيئة، وبناء للمجتمع، ومنع للفساد.

 

المحافظة على البيئة ونظافتها من تعاليم ديننا السمح الحنيف؛ لا نقطع الأشجار بدون حاجة، لا نسرف في الصيد بدون حاجة، لا نقتل الحيوانات بدون سبب موجب، لا نرمي القاذورات في الشوارع وفي الحدائق وفي الطرقات؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها وسَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ"(صحيح البخاري ومسلم)، ونهى -صلى الله عليه وسلم- أن تُصْبَر بهيمة أو غيرها للقتل، وقال: "لعن الله من فعل هذا"، ومعنى تُصبر أي: تُحْبَس لتُرْمَى ونتخّذها هدفًا.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

 

وصلوا وسلموا...

 

المرفقات

فساد الأرض.doc

فساد الأرض.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات