عناصر الخطبة
1/الأمر بالمعروف من خصائص الأمة المحمدية 2/أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 3/من ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروطه 4/من آثار وتبعات ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكراقتباس
إِنَّ فِي شَعِيرَةِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَن المُنكَرِ النَّجَاةَ مِن العَذَاب، وَالأَمَنَةَ مِن الهَلَاك، وَلَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا حَافَظُوا عَلَى هَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَقَامُوا بِهَا، وَتَعَاوَنُوا عَلَيهَا وَأَشَاعُوهَا بَينَهُم، وَإِنَّ مِن أَخطَرِ تَبِعَاتِ تَركِ ذَلِك: فُشُوَّ الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ بَينَ النَّاسِ وَكَثرَتَهَا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْـمَعْرُوفِ، وَنَهَى عَنِ الْـمُنْكَرِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِصَلَاحِ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ الْـجِسَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْـمَلِكُ الْعَلَّامُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْـمَبْعُوثُ بِأَكْمَلِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمّا بَعد: فأوصيكم بتقوى الله؛ فَبِهَا تَكْمُلُ الْأَعْمَالُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَتُكَفَّرُ السَّيِّئَاتُ.
عن ابنِ عمرَ قال: "دخلتُ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وعليَّ إزارٌ يتقعقعُ، فقال: مَنْ هذا؟ فقُلْتُ: عبدُ اللـهِ بْنُ عمرَ، قال: "إنْ كُنْتَ عبدَ اللـهِ فَارفعْ إزارَكَ"، فَرَفَعْتُ إِزَارِي إلى نصفِ السَّاقَيْنِ، فلمْ تَزَلْ إِزْرَتَهُ حتى ماتَ"(صحيح الجامع).
عبادَ الله: أَصلٌ عَظِيمٌ مِن أُصُولِ الإِسلَام، وَشَعِيرَةٌ جَلِيلَةٌ مِن شَعَائِرِهِ العِظَام، هُوَ مِن أَوجَبِ الأَعمَالِ وَأَجَلِّهَا، وَأَحسَنِهَا وَأَفضَلِهَا، وَهُوَ مِن أَعظَمِ أَسبَابِ النَّصرِ وَالتَّمكِين، بِهِ تُحمَى حَوزَةُ الدِّين، وَتَقُومُ الحُجَّةُ عَلَى المُخَالِفِين، وَهُوَ الأَمَانُ مِن العَذَابِ وَالِاندِثَارِ، وَبِهِ تُدْرَأُ كَثِيرٌ مِن الشُّرُورِ وَالأَخطَارِ؛ إنه شعيرةُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِّ عن المنكرِ.
أَيُّهَا المُسلِمُون: أَرسَلَ اللَّـهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ رُسُلِهِ وَأَنبِيَائِه، وَتَكَفَّلَ بِحِفظِ دِينِهِ وَكِتَابِه، وَلِأَجلِ ذَلِكَ أَبقَى فِي أُمَّةِ الإِسلَامِ طَائِفَةً بِهِم يَبقَى نُورُ الحَقِّ ظَاهِرًا مَنشُورًا، وَعَلَمُ الهُدَى شَامِخًا مَشهُورًا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَاَ يَزَالُ مِن أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمرِ اللَّـهِ، مَا يَضُرُّهُم مَن كَذَّبَهُم وَلَاَ مَن خَالَفَهُم، حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللـهِ وَهُم عَلَى ذَلِك"(مُتَّفَقٌ عَلَيه).
إِنّ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ مِن خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ المُبَارَكَةِ، وَمِن أَعظَمِ أَسبَابِ خَيرِيَّتِهَا؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].
وَهُوَ صِفَةُ خَيرِ الرُّسُلِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كَمَا وَصَفَهُ رَبُّهُ بِهِ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ)[الأعراف: 157].
وَهُوَ وَصفُ أَتبَاعِهِ الـمُؤمِنِين، وَلِأَهَمِّيَّتِهِ قَدَّمَهُ اللَّـهُ -تَعَالَى- عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71]، والمُتَصَدِّرُونَ لَهُ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ هُم أَهلُ الفَلَاحِ الأَكمَل؛ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
إخوةَ الإيمانِ: الأمرُ بالمعروفِ: هُوَ مَا وَافَقَ شَرْعَ اللـهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، والنهيُ عنِ المنكرِ: هو مَا خَالَفَ شَرْعَ اللـهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مِن أَهَمِّ المُهِمَّات، وَأَعظَمِ الوَاجِبَاتِ على الأمةِ، ولَقَدْ قَامَتِ بهما الأُمَّةُ مُنْذُ صَدْرِ الإِسْلَامِ، وَلَكِنَّ الأُمَّةَ اليَوْمَ أَكْثَرُ حَاجَةً لِلعِنَايَةِ بهما، وَالقِيَامِ بِشَأْنِهَما، فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَما؛ لِكَثْرَةِ الجَهْلِ، وَقِلَّةِ العِلْمِ، وَغَفْلَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ هَذَا الوَاجِبِ العَظِيمِ، فَفِي عَصْرِنَا هَذَا صَارَ الأَمْرُ أَشَدَّ، وَالخَطَرُ أَعْظَمَ؛ لِاِنْتِشَارِ الشُّرُورِ وَالفَسَادِ، وَكَثْرَةِ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ وَالبَاطِلِ، وَقِلَّةِ دُعَاةِ الهِدَايَةِ وَالخَيْرِ، وَمَتَى مَا أَضَاعَتِ الأُمَّةُ هَذَا الوَاجِبَ، وَتَقَاعَسَتْ عَنْ أَدَائِهِ، وَغَفَلَتْ عَنِ القِيَامِ بِهِ، لَحِقَهَا شَرٌّ كَثِيرٌ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ، وَقَسَتِ القُلُوبُ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ وَالبَاطِلُ.
ولَقَدْ ذَمَّ اللَّـهُ -تَعَالَى- أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ كَذَلِكَ؛ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[المائدة: 78 - 79]، فَجَعَلَ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ عِصْيَانِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِعِظَمِ الخَطَرِ فِي تَرْكِ هَذَا الوَاجِبِ الْعَظِيمِ.
عِبَادَ اللَّـه: إِنّ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنّهيَّ عَن المُنكَرِ وَظِيفَةُ كُلِّ مُسلِمٍ ومسلمةٍ، فلَيسَ خَاصًّا بِرِجَالِ الحِسبَةِ، أَو الهَيئَاتِ الخَاصَّة، أَو الدعاةِ وَالعُلَمَاءِ، بَل كُلُّ فَردٍ مِن المُسلِمِينَ مُطَالَبٌ بِهِ عَلَى حَسبِ قُدرَتِه؛ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
وَيَتَأَكَّدُ الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَن المُنكَرِ حِينَ يَعُمُّ الفَسَادُ وَيَكثُر، وَحِينَ يَقِلُّ القَائِمُونَ بِهذه الفريضةِ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(مسلم)، فبَيَّنَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مَرَاتِبَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ الثَّلَاثَ: فالمَرْتَبَةُ الأُولَى: الإِنْكَارُ بِاليَدِ مَعَ القُدْرَةِ، وَذَلِكَ بِإِزَالَةِ المُنْكَرِ إِنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِلْحَاكِمِ وَنَائِبِهِ، وَمَنْ لَهُ سُلْطَةٌ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ، كَالْوَالِدَيْنِ وَالأَزْوَاجِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ القُدْرَةِ وَإِلْزَامِ النَّاسِ بِحُكْمِ اللـهِ الوَاجِبِ اتِّبَاعُهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى المَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ الإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ، فَيَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ بِكَلَامِهِ وَلِسَانِهِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِدِينِ اللـهِ وَشَرْعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إِلَى المَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ: وَهِيَ الإِنْكَارُ بِالقَلْبِ، وَهِيَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ، وَأَقَلُّ الأَعْمَالِ فِي الإِنْكَارِ، فلَا يَنْبَغِي لِلعَبْدِ أَنْ تَضْعُفَ هِمَّتُهُ وَتَقِلَّ قُوَّتُهُ عَنِ القِيَامِ بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ بأي مرتبةٍ كانت، وبأيِّ وسيلةٍ صحيحةٍ أُتيحتْ.
عِبَادَ الله: إِنَّ لِلأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ الـمُنكَرِ شُرُوطًا لَا بُدَّ مِن تَوَفُّرِهَا، وَآدَابًا يَنبَغِي الأَخذُ بِهَا، فَمِن ذَلِك:
الإِخلَاصُ لِلَّـهِ رَبِّ العَالَمِين، فَيُرِيدُ بِأَمرِهِ بِالمَعرُوفِ وَنَهيِهِ عَن المُنكَرِ وَجهَ اللـهِ، وَالنُّصحَ لِلمُسلِمِين، وَنُصرَةَ دِينِ رَبِّ العَالَمِين، لَا احتِقَارَ المَنصُوحِينَ وَازدِرَاءَهُم وَالتَّعَالِيَ عَلَيهِم.
وَمِن شُرُوطِه: أَن يَكُونَ أَمرُهُ بِالمَعرُوفِ وَنَهيُهُ عَن المُنكَرِ بِعِلمٍ وَفِقه: فَلَا بُدَّ لَهُ أَن يَكُونَ عَالِمًا بِالحُكمِ الشَّرعِيِّ لِمَا يَأمُرُ بِهِ أَو يَنهَى عَنه، وَبِالطَّرِيقَةِ المُنَاسِبَةِ لِذَلِك، فَمَن دَخَلَ فِي هَذَا البَابِ بِغَيرِ عِلم، كَانَ مَا يُفسِدُ أَكثَرَ مِمّا يُصلِح.
وَمِن شُرُوطِه: أَن يَكُونَ ذَلِكَ بِحِلمٍ وَرِفقٍ، لَا بِطَيشٍ وَعُنفٍ، فَإِنَّ القَصدَ زَوَالُ المُنكَرِ أَو تَقلِيلُهُ، لَا أَن يَنشَأَ عَنهُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنهُ وَأَشَرُّ.
وَيَجِبُ عَلَى النَّاهِي عَن الـمُنكَرِ أَن يَتَحَقَّقَ مِن وُقُوعِ ذَلِكَ المُنكَرِ وَظُهُورِهِ لَه، وَمِمّا يَنبَغِي أَن يَتَحَلَّى بِهِ الآمِرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِي عَن المُنكَرِ الصَّبرُ عَلَى الأَذَى؛ فَإِنَّ أَهلَ الـمُنكَرِ لَا يُحِبُّونَ مَن يُنكِرُ عَلَيهِم وَيَمنَعُهُم مِن أَهوَائِهِم، وَقَد يُؤذُونَهُ بِأَلسِنَتِهِم أَو بِأَيدِيهِم؛ (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان: 17].
ألا فاتقوا اللـهَ -عبادَ اللـهِ-، واحْرِصُوا عَلَى القيامِ بهَذِهِ الْفَرِيضَةِ والشعيرةِ، وَابْدَؤُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، ثُمَّ بِمَنْ حَوْلَكُمْ؛ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)[مريم: 54 - 55].
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ لِلَّـه...
أما بَعد:
فيا عباد الله: بِالْأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ تَكْثُرُ الفَضَائِلُ، وَتَظْهَرُ المَحَاسِنُ وَالطَّاعَاتُ وَالحَسَنَاتُ، وَبِالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر تَقِلُّ الرَّذَائِلُ وَتَنْدَثِرُ المَسَاوِئُ وَالمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتُ.
إِنَّ فِي شَعِيرَةِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَن المُنكَرِ النَّجَاةَ مِن العَذَاب، وَالأَمَنَةَ مِن الهَلَاك، وَلَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا حَافَظُوا عَلَى هَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَقَامُوا بِهَا، وَتَعَاوَنُوا عَلَيهَا وَأَشَاعُوهَا بَينَهُم.
وَإِنَّ مِن أَخطَرِ تَبِعَاتِ تَركِ ذَلِك:
فُشُوَّ الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ بَينَ النَّاسِ وَكَثرَتَهَا، وَهَل هَلَكَتِ الأُمَمُ السَّابِقَةُ إِلَّا بِفُشُوِّ الفَسَادِ وَقِلَّةِ النَّاصِحِينَ فِيهِم؟ (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ)[هود: 116].
وَمِن تَبِعَاتِ تَركِ هَذِهِ الشَّعِيرَة: أَنَّهُ مُؤذِنٌ بِخَرَابِ الدِّيَار، وَهَلَاكِ الـمُجتَمَعَات، وَفَسَادِ الأَحوَال، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-:"مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللـهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَومٍ استَهَمُوا عَلَى سَفِينَة، فَأَصَابَ بَعضُهُم أَعلاَهَا وَبَعضُهُم أَسفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسفَلِهَا إِذَا استَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَن فَوقَهُم، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَم نُؤذِ مَن فَوقَنَا، فَإِن يَتركُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِن أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا، وَنَجَوا جَمِيعًا".
وَمِن تَبِعَاتِ تَركِ هَذِهِ الشَّعِيرَة: أَنَّهُ مُوجِبٌ لِسَخَطِ اللـهِ وَلَعنَتِهِ وَعِقَابِه، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيه، أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللَّـهُ بِعِقَاب"(التِّرمِذِي).
وَمِن تَبِعَاتِ تَركِ هَذِهِ الشَّعِيرَة: أَنَّهُ سَبَبٌ لِمَنعِ إِجَابَةِ الدُّعَاء، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتَأمُرُنَّ بِالمَعرُوفِ وَلَتَنهَوُنَّ عَنِ المُنكَرِ؛ أَو لَيُوشِكَنَّ اللَّـهُ أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عِقَابًا مِنهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَاَ يُستَجَابُ لَكُم"(التِّرمِذِيُّ).
فَلْنَحذَر -عِبَادَ اللـهِ- غَضَبَ الجَبَّارِ وَعِقَابَه، وَلْنَأمُرْ بِالمَعرُوف، وَلْنَنْهَ عَنِ المُنكَر، وَلْنَعتَصِمْ بِدِينِنَا، عَسَانا -بِإِذنِ اللـهِ- نَنجُو وَنَسلَم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم