لزوم منهج السلف الصالح في طريق الدعوة والحذر من البدع

صغير بن محمد الصغير

2025-08-15 - 1447/02/21 2025-10-20 - 1447/04/28
عناصر الخطبة
1/أهمية لزوم منهج السلف الصالح 2/فضل القرون الأولى المفضلة 3/وقوع الاختلاف بين المسلمين 4/التحذير من افتراق الأمة إلى فرق وأحزاب 5/نماذج من البدع المنكرة 6/وجوب تصحيح المناهج الخاطئة في الدعوة.

اقتباس

كل هذه الفِرَق والأحزاب التي سبق وأن حذَّر النبي -عليه الصلاة السلام- منها، لا تكون النجاة منها بعد الله -تعالى- والاستعانة به إلا بالالتزام بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. وهكذا يجب على المسلم أن يسأل الله الثبات على هذا المنهج ويلزم أسبابه...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله... وبعد..

 

أيها الإخوة: لقد حثنا الله -تعالى- على لزوم منهج السلف الصالح الذي هو طريق النجاة كما في قوله -جل وعلا-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153]، أمرنا بأن نلزمَ المنهج السليم منهجَ السلف الصالح حتى نلحق بنبينا -صلى الله عليه وسلم- وبأصحابه وأتباعه -رضي الله عنهم- وأرضاهم.

 

والمراد -أيها الأحبة- بالسلف الصالح: القرن الأول من هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الهاجرين والأنصار وتابعيهم بإحسان؛ قال الله -جل وعلا-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ -رضي الله عنهم- وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].

 

وقال -سبحانه-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحشر: 8]، هذه في المهاجرين، ثم قال -سبحانه- في الأنصار: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9]، ثم قال في الذين يأتون من بعدهم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10].

 

ثم من جاء بعدهم وتتلمذ عليهم من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من القرون المفضلة؛ التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم»، قال الراوي لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَو ثَلاَثَةً.(متفق عليه).

 

وعصرهم يمتاز على من بعدهم ويسمى: "عصر القرون المفضلة"، هؤلاء هم سلف هذه الأمة الذين أثنى عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، فهؤلاء هم القدوة لهذه الأمة، منهجهم هو المنهج المأخوذ من الكتاب والسنة لقربهم من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولقربهم من عصر التنزيل، وأخذهم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الإخوة: والأمة على هذا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكثر الاختلاف في هذه الأمة، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»(أخرجه أبو داود وصححه الألباني)، "كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً" فَقِيلَ لَهُ: مَا الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ وَأَصْحَابِي»(الحاكم في المستدرك: 444).

 

بل إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعظ أصحابه في آخر حياته، موعظة بليغة أثَّرت فيهم حتى ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، قالوا يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ»(أخرجه أبو داود: 4607، وصححه الألباني).

هذه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأُمّته أن تسير على منهج السلف الصالح.

 

ثم كان المسلمون عند وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه، غيرَ من أظهرَ وفاقًا وأضمرَ نفاقًا.

 

وأول خلاف وقع منهم اختلافهم في موت النبي -عليه الصلاة السلام-، فزعم قوم منهم أنه لم يَمُت، وإنما أراد الله -تعالى- رفعه إليه كما رفع عيسى ابن مريم إليه، وزال هذا الخلاف وأقر الجميع بموته حين تلا عليهم أبو بكر الصديق قول الله لرسوله -عليه السلام-: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[الزمر: 30]، وقال لهم: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ"(صحيح سنن ابن ماجه: 1627).

 

ثم اختلفوا بعد ذلك في موضع دفن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأراد أهل مكة ردّه إلى مكة؛ لأنها مولده ومبعثه وقبلته وموضع نسله وبها قبر جدّه إسماعيل -عليه السلام-، وأراد أهل المدينة دفنه بها؛ لأنها دار هجرته ودار أنصاره، وقال آخرون بنقله إلى أرض القدس ودفنه ببيت المقدس عند قبر جده إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وزال هذا الخلاف بأن روى لهم أبو بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ»(صححه الألباني في "صحيح الأحكام": 137، و"مختصر الشمائل": 326)؛ فدفنوه في حجرته بالمدينة.

 

ثم اختلفوا بعد ذلك في الإمامة، ثم أذعنت الأنصار لقريش لما رَوى لهم قول النبي -عليه السلام-: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»(صححه الألباني في "إرواء الغليل": 520).

 

ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن فدك، وفي توريث التركات عن الأنبياء -عليهم السلام-، ثم نفذ في ذلك قضاء أبي بكر بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ»(متفق عليه).

 

ثم اختلفوا بعد ذلك في مانعي وجوب الزكاة، ثم اتفقوا على رأي أبي بكر في وجوب قتالهم.

 

ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال طليحة حين تنبأ وارتد حتى انهزم إلى الشام ثم رجع في أيام عمر إلى الإسلام، وشهد مع سعد بن أبي وقاص حرب القادسية، وشهد بعد ذلك حرب نهاوند وقتل بها شهيداً.

 

ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال مسيلمة الكذاب إلى أن كفى الله -تعالى- أمره وأمر سجاح المتنبئة، وأمرَ الأسود بن زيد العنسي، المدعي للنبوة أيضاً.

 

ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتل سائر المرتدين إلى أن كفى الله -تعالى- أمرهم.

 

ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال الروم والعجم. وفتح الله -تعالى- لهم الفتوح وهم في أثناء ذلك كله على كلمة واحدة في أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد وفي سائر أصول الدين، وإنما كانوا يختلفون في فروع الفقه التي لا تثريب فيها.

 

ثم اختلفوا بعد ذلك في أمر عثمان -رضي الله عنه- ثم بعد قتله في قاتليه وخاذليه.

 

ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن علي -رضي الله عنه- وأصحاب الجمل وفي شأن معاوية -رضي الله عنهم-، وأهل صفين وفي حكم الحكمين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم- اختلافا باقيةً بعض آثاره إلى اليوم.

 

ثم حدث في زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية في القدر والاستطاعة من معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم. وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة؛ كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وعقبة بن عامر الجهني وأقرانهم -رضي الله عنهم-، وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم.

 

ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها حتى وصلت إلى عشرين فرقة كل واحدة تكفّر سائرها.

 

ثم حدث في أيام الحسن البصري -رحمه الله- خلاف المعتزلة فقيل لهم ولأتباعهم معتزلة لاعتزالهم الأمة في أقوالهم.

 

وأما الروافض فأظهروا بدعتهم في زمان علي -رضي الله عنه-، فقال بعضهم لعلي أنت الله.. -تعالى- الله..، فأحرق عليٌّ قومًا منهم، ونفى ابن سبأ إلى ساباط المدائن. وهذه الفرقة ليست من فرق أمة الإسلام لتسميتهم عليًّا إلهًا.

 

ثم افترقت الرافضة بعد زمان علي -رضي الله عنه- أربعة أصناف ثم أصناف كثيرة.

 

وكل هذه الفرق والأحزاب التي سبق وأن حذَّر النبي -عليه الصلاة السلام- منها، لا تكون النجاة منها بعد الله -تعالى- والاستعانة به إلا بالالتزام بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

 

وهكذا يجب على المسلم أن يسأل الله الثبات على هذا المنهج ويلزم أسبابه، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: "وتحتَ قوله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَولِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ...)[إبراهيم: 27]، كنزٌ عظيمٌ، مَن وُفِّقَ لمظنَّتِه وأحسَنَ استخراجَه واقتِناءَه، وأَنفَق منه فقد غَنِمَ، ومَن حُرِمَه فقد حُرِم؛ وذلك أن العبد لا يَستغني عن تثبيت الله له طَرْفة عين، فإن لم يُثبِّتْه وإلا زالت سماء إيمانه وأرضُه عن مكانهما، وقد قال -تعالى- لأكرمِ خلْقِه عليه، عبدِه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَولَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)[الإسراء: 47]".

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أيها الإخوة: ولما كانت مهمَّة شياطين الجن والإنس إضلالُ بني آدم، لازال الاختلاف والتحزب على غير منهج السلف إلى اليوم.

 

ومن البدع المنكرة في هذه الزمن لبعض الطرق والجماعات والأحزاب ما يلي:

أولاً: تقديس الأولياء والصالحين إلى درجة تفوق منزلتهم، كدعائهم والاستنصار بهم واتخاذهم شفعاء عند الله.. ودعاء غير الله من الأموات والغائبين والاستعانة بهم في كشف غمة أو تفريج كربة أو شفاء مريض أو نحو ذلك، وهذا كما هو معلوم شرك أكبر؛ لأن هذا الدعاء وهذه الاستغاثة عبادة وقربة فالتوجه بها إلى الله وحده توحيد، وصرفها لغيره شرك أكبر.

 

ومن ذلك: قراءة الأدعية المبتدعة واعتقاد ما فيها من دعاء غير الله شرك أكبر يخرج من ملة الإِسلام -والعياذ بالله-، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 106- 107]، وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: 17]، وقال -سبحانه-: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُون)[المؤمنون: 117]. إلى غير ذلك من الآيات التي دلت على اختصاص الله بالاستغاثة والدعاء، وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله» الحديث... (أخرجه الترمذي (2561)، وغيره، وصحيحه الألباني).

 

ثانياً: بدعة الخروج للدعوة، كما تسميه بعض الجماعات التي تنتسب للدعوة بالخروج للدعوة إلى الله أو بتغيير البيئة بأن أُخرج ثلاثة أيام أو أربعين يوماً أو أربعة أشهر، ويجعلون هذا ترتيباً لا يحيدوا عنه، وربما استدل بعضهم بقول الله -جل وعلا-: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)[التوبة: 2]، وهذا من الجهل بالكتاب والسنة. ثم التركيز بالدعوة على الأخلاق فقط دون أصول الدين وتوحيد الله -جل وعلا- الذي بعثت الرسل -عليهم السلام- من أجل فكل نبي صدّر دعوته بـ(يَا قَومِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه)[الأعراف: 59].

 

ثالثاً: كثرة التأويل المذموم فإنَّه ما نشَأت الفِتَنُ المُدلَهمَّة، والتفرُّق في الأمَّة، والضلال المبين إلا مِن هذا الطريق... حِينَ يَتْرُكُ المَفْتُونُ اليَقِينَ وَيَتَّجِهُ للشُّبْهَةِ فَتَصْرِفُهُ بِالتَّأْوِيلِ عَنِ الحَقِّ إِلَى أَنْ يَزِيغَ. وَفِي آثَارِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ -رحمه الله تعالى- فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ نَفِيسٍ، أذكر طرفًا منه: "وَإِنَّمَا أُرِيقَتْ دِمَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَومَ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَالْحَرَّةِ، وَفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَلُمَّ جَرًّا بِالتَّأْوِيلِ... فَمَا اُمْتُحِنَ الْإِسْلَامُ بِمِحْنَةٍ قَطُّ إِلَّا وَسَبَبُهَا التَّأْوِيلُ.."(إعلام الموقعين 4/193).

 

وأخيراً فعلى طالب العلم تصحيح المناهج الخاطئة في الدعوة وعلى المسلم التمسك بمنهج السلف الذي حثّ على الاجتماع ونبذ الفرقة والسمع والطاعة لولاة الأمر المسلمين في غير معصية، قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 103].

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

لزوم منهج السلف الصالح في طريق الدعوة والحذر من البدع.doc

لزوم منهج السلف الصالح في طريق الدعوة والحذر من البدع.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات