عناصر الخطبة
1/مكر أهل الباطل بأهل الحق قديم بقدم الخلق 2/المكر الحديث وصوره 3/عبودية الأشخاص وأكابر المجرمين في هذا الزمان 4/تآمُر أعداء الإسلام ومخططاتهم الماكرة 5/وجوب الحذر من فتنة المال والترف 6/مدافعة الله تعالى عن المؤمنين 7/من فوائد المكر الحذر من الأعداء والالتزام بمنهج اللهاقتباس
إنَّ الألفةَ بين المؤمنين قوَّةٌ أمامَ مكر أعدائِهم، فلا سلامةَ ولا تأييدَ ولا نجاةَ إلا بالوحدة الإسلاميَّة؛ فمكرُ اللهِ بمن عصاهُ سريعٌ، وعقابُهُ شديدٌ، وإِنْ أمهَل إلى حين؛ فالحذرَ الحذرَ من خيانة المؤمنين، والحذرَ من عصيان أمرِه وكُفْرِ نعمتِه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نُوحٍ: 22].
الحمد لله؛ (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)[النَّحْلِ: 45].
الحمد لله؛ (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)[إِبْرَاهِيمَ: 46-47].
إذا الشدائدُ أقبلَتْ بجنودها *** والدهرُ من بعد المسرَّة أوجعَكْ
فَافْزَعْ إلى الله وَاقْرَعْ بابَ رحمتِه *** فهو الرجاءُ لمن أعيَت به السُّبلُ
وأَحسِنِ الظنَّ في مولاك، وارضَ بما *** أولاك، ينحلُّ عنك البُؤسُ والوجَلُ
إن أصابَك عُسرٌ، فانتظر فرَجًا *** فالعُسرُ باليُسر مقرونٌ ومُتَّصِلُ
كم أنقَذ اللهُ مُضطَّرًا برحمتِه *** وكم أنالَ ذوي الآمال ما أَمِلُوا!
يا مالك الملك، ارفع ما ألمَّ بنا، يا مالك المُلك، ارفع ما ألمَّ بأهلنا المُحاصَرين النازحين، يا مالكَ المُلكِ، ارفَعْ ما ألمَّ بمسجِدنا فما لنا بتولِّي دفعِه قِبلُ، يا رب عطفًا، فإنَّ المسلمينَ يُقاسون، فأعِنْهُم وثبِّتهم أينما نزلوا.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، احتجَبَ عن الخَلْق بنورِه، وخفِيَ عليهم بشدَّة ظُهُورِه.
سبحانك يا ذا الطَّوْل والقوة، والحَوْل والعزَّة، قديمُ الصمدية، عظيمُ الكبرياء، باهي الكمال، قديرُ السلطان، نسألُك بنورِكَ القديم، أن تأخُذَ بنواصِينا إليكَ، وأَنْ تنظُرَ إلينا برحمتِكَ، وأَنْ تصرِفَ عن أقصانَا كلَّ مكرٍ وبليَّةٍ يا ربَّ العالمينَ.
وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، اللهمَّ صلِّ صلاةً كاملةً، وسلِّمْ سلامًا تامًّا على سيدِنا محمدٍ، الذي تنحلُّ بالصلاةِ عليهِ العقدُ، وتنفرِجُ الكُرَبُ، وتُقضَى بالصلاة عليه الحوائجُ، وتَنالُ بها الرغائبُ، وحُسنُ الخواتيمِ، ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريمِ؛ فنورُهُ يخطفُ الأبصارَ، ومَسجِدهُ عَلَمٌ ومنارٌ، أنفاسُهُ مِسكٌ وطِيبٌ، ومَنْ سَلَّمَ عليهِ رَدَّ عليه السلامَ، ومن صلَّى عليهِ فهو من الجنةِ قريبٌ مَن بايَعَه فقد بايَعَ اللهَ، ومن نالَ شفاعتَه اجتازَ، ومن شَرِبَ من حوضِه فازَ، اللهمَّ ارزقنا شفاعتَه، واسقِنا من حوضِه يا ربَّ العالمينَ.
(وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نُوحٍ: 22]، ففي كلِّ عصرٍ وفي كلِّ زمكانٍ فِئةٌ ضالةٌ مُضِلَّةٌ، تَمكُرُ بالحقِّ وأهلهِ، تُظهِر الولاءَ، وفي قلبِها المَكرُ للأنبياءِ وأتباعِهم؛ فالأمّةُ الإسلاميَّةُ منذ بدايةِ دعوتِها أصابَها المَكْرُ من صنادِيدِ العربِ؛ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)[الْأَنْفَالِ: 30]، وأرادوا بمكْرِهم قَتْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحاوَلوا بمكْرِهم سَجْنَهُ وقادَهم مَكْرُهم لإخراجِه من بلَدِهِ، إلَّا أنَّ مَكْرَهُمْ في تَبَابٍ، وبَقِيَ وثبَتَ الحقُّ وأهلُه؛ (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ في هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[هُودٍ: 120]؛ فقومُ نوحٍ -عليهِ السَّلام- مَكَروا بدعوةِ الحقِّ مَكْرًا كبارًا وأضلُّوا كثيرًا، وروَّجوا الأكاذيبَ للجيلِ النّاشئِ، وكانت نتيجةُ مَكْرِهم أن أُغرِقُوا بالماءِ، ولا عاصمَ لهم من أمرِ اللهِ، ولا عاصمَ لهم من مَكْرِ اللهِ.
فإن اختلفت وسائلُ المَكْرِ في كلِّ عصرٍ من العُصورِ، إلا أنَّها تَصبُّ في محاربةِ الحقِّ؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا في كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[الْأَنْعَامِ: 123].
فإنَّ الأصنامَ التي وضعَها الماكرونَ لتُعبَدَ وتُطاعَ من دونِ اللهِ مثل: (يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)[نُوحٍ: 23]، استبدلَها المجرمونَ الماكرونُ اليومَ بأشخاصٍ من المجرمينَ، زُرِعَت لتُعْبَدَ وتُطاعَ من دونِ، فإن كانَ حول البيتِ الحرام ما يزيد عن ثلاثمائة صنمٍ تُعبَدُ من دونِ الله؛ فقد استُبدِلوا اليومَ بأشخاصٍ أحَلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ بمكرِهم، وزَيَّنُوا المعاصيَ بإعلامِهم، وشَجَّعُوا على الرذيلةِ بقوانينِهم، وقامَ أكابِرُ مجرميها بقتلِ الشهامةِ، وشَرَّدوا العِبادَ، وباعوا البلادَ وهي تُنتهكُ أمامَ أعينِهم، ورَوَّجُوا للباطلِ حتى صارَ حقًّا مشروعًا فأصابَهم الخِذلانُ.
إذا ترَكْتَ أخاكَ تَأكُلُهُ الذِّئابُ *** فاعلَمْ بأنَّكَ يا أخاهُ ستُستَطابُ
ويجيءُ دورُكَ بَعدَه في لحظةٍ *** إن لم يجئكَ الذِّئبُ تَنْهَشُكَ الكِلابُ
إنْ تَأكُلِ النيرانُ غُرفةَ مَنزلٍ *** فالغُرفةُ الأخرى سَيُدْرِكُها الخَرابُ
وأقامَ لهمُ الغَرْبُ مؤسَّساتٍ ومؤتمراتٍ، اجتَمَعوا بها للتآمُرِ على الحقِّ وأهلِه، فحُورِبَ الإسلامُ، وحُورِبَ الحقُّ، وطَبَّلَ المطبِّلُونَ للباطلِ بلسانٍ ليسَ بغريبٍ عَنَّا؛ ومَكَروا مَكْرًا كبارًا؛ (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)[نُوحٍ: 26-27]، فتِلكَ زياراتُهم وجولاتُهم للمَكْرِ بالبلادِ الإسلاميَّةِ، داخِلَ الأروقَةِ المظلمة الحاقدَةِ، اللهمَّ إنَّا نَجعَلُكَ في نُحورِهم، ونَعُوذُ بكَ من شُرورِهم، اللهمَّ كما أغرَقتَ الماكرينَ، وأنجَيتَ نُوحًا ومَنْ مَعَهُ مِنَ المؤمنينَ نجِّنا مِنَ الماكرينَ، وأنجِ أهلَ فلسطينَ المحاصَرينَ المقهورينَ من الماكرينَ، وَنِّجِ أقصانَا من مَكرِهم يا ربَّ العالمينَ وأنجِ أمتَنا الإسلاميَّةَ من كيدِهم، إنَّا نُفَوِّضُ أمرَنا إلى اللهِ، إنَّ اللهَ بصيرٌ بالعبادِ؛ (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)[غَافِرٍ: 44-45].
لقد بَسَطَ الْمَكْرُ أجنِحَتَهُ على الأمَّةِ الإسلاميَّةِ، وبِتَوْجِيهاتٍ مِنَ الماكرينَ تمَّ تَقسيمُ البلادِ الإسلاميَّةِ، وتقطيعُ أوصالِها، وتَقسيمُ المُقسَّمِ، ونُهِبت خَيراتُ وثَرواتِ الأمَّةِ، ونُشِرَ الفسادُ والانحِلالُ، وتمَّ إقصاءُ الدُّعاةِ ولَجْمُهم، وتمَّ تَنقيحُ المناهِجِ، وتَقليصُ الآياتِ القرآنيةِ في المناهِجِ التي تُزعِجُ خُطَطَ الماكرينَ، واستُبدِلَت سيرةُ النبيِّ بسيرةِ الأعلامِ والمشاهيرِ في الفنِّ والغِناءِ.
خِطَطٌ نُسِجَتْ بيدِ المكرِ للدعوةِ إلى الفُسوقِ والفجورِ مِنْ هنا وهناكَ، وتمَّتِ الدعوةُ إلى استهجانِ انتماءِ المسلمينَ لمقدَّساتِهم وأقصاهم وأرضِهم؛ (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نُوحٍ: 22].
قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أيها النَّاسُ مُروا بالمعروفِ، وانهَوْا عنِ المنكرِ، قبلَ أنْ تَدْعُوا فلا يُستجابَ لكم، وقبل أنْ تستغفروا فلا يُغفَرَ لكم".
آمَنَّا بالله، وكَفَرْنا بأصنامٍ زُرِعَتْ للتضليلِ والغوايةِ، فالنموذجُ الذي سَعَتْ إليهِ أيادي المكرِ هي إنتاجُ فكرٍ يدعو إلى التشبُّثِ بالمالِ والتَّرَفِ، فالمالُ هو مُؤشِّرٌ للغِنى وليس للتقدُّمِ والارتقاءِ، فأصبحَ بعضُ الأفرادِ والمجتمعاتِ تتحرَّكُ نحوَ المالِ والغِنى والثراءِ، وتترك الحفاظَ على المبادئِ والثوابتِ، فغابتِ الروحُ الاجتماعيةُ، وضعُفَ التوقيرُ، وابتعَدْنا عن نخوتِنا وعن أصالتِنا وأصولِنا الدينيةِ، وابتعدنا عن تاريخِنا، وعن حضارتِنا، ألَا وإنَّ التآزرَ والتضامُنَ والترابُطَ بين أفرادِ الأمةِ الواحدةِ هو الذي يُقلِقُ الماكرينَ، ويحاولُ الماكرُ هدمَ الترابطِ بينَ أفرادِ المجتمعِ الإسلاميِّ؛ (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نُوحٍ: 22].
إنَّ الذي يُتابعُ المشهدَ العالميَّ اليومَ يجدُ أنَّ التاريخَ يُعيدُ نفسَه؛ فهي حربٌ على الإسلامِ قديمًا وحديثًا، بمُسمَّياتٍ مختلفةٍ، والتي كسَرها اللهُ ونكَّس رايتَها؛ إذ بعثَ اللهُ للأمةِ في كلِّ زمانٍ مَن يكسِرُ ويُذِلُّ شوكةَ الماكرينَ؛ (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 42].
أيها الموجوعُ صبرًا *** إنَّ بعدَ الصبرِ بُشرى
أيُّها الباكي بليلٍ *** سوفَ يأتي النورُ فجرَا
أيُّها النازح بليلٍ *** سوفَ يأتي النورُ فجرَا
أيُّها المكسورُ، قُلْ لي: *** هل يُديمُ اللهُ كسرَا؟!
يا عزيزَ القلبِ، مهلًا *** إنَّ بعدَ العُسرِ يُسرَا
(وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نُوحٍ: 22].
لقد حُوصِرَتِ الإنتاجيةُ في المجتمعاتِ، وأُغلِقَتِ المصانعُ بحُجَجِ الإرهابِ، ومُنِعَتِ الزراعةُ التي فيها قِوامُ الأمةِ، وأُغرِقَ الأفرادُ بالقروضِ الرِّبويةِ والرفاهيةِ، وتوسَّعتِ الدولُ بالاقتراضِ الرِّبويِّ، لتأتيَ بعدَ ذلك المعوناتُ بالملايينِ لتنفيذِ مشاريعَ لإنتاجِ الأفلامِ السينمائيةِ، أو المسلسلاتِ الهابطةِ والتي تستهدفُ الجيلَ الناشئَ؛ حيث تظهرُ نتائجُه في المجتمعاتِ اليومَ بالتمايلِ على مدرَّجاتِ المهرجاناتِ، والأمةُ تنزِفُ، وعيونُها تَقطُرُ دمًا، ولا زالتِ الأمةُ في سُباتِها العميقِ مجروحةً، يَنالُ منها الغربُ السافرُ على مرأى العالَم، وهو الذي يتحكَّمُ في زمامِ أمورِها؛ لضَعْفِها ووقوعِها في شراكِ المكرِ الخبيثِ؛ (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نُوحٍ: 22].
ألَا وإنَّ خُرافاتٍ قد هُدِمَتْ أمامَ العالَمِ كما هُدِمَتِ الأصنامُ، فصَنَمُ العَلمانيةِ والديمقراطيةِ الذي زُرِعَ في الشعوبِ منذ بدايةِ القرنِ المنصرم قد هُدِمَ عِيانًا.
وأما أُكذوبةُ حقوقِ المرأةِ التي بُذِلَتْ من أجلِها الأموالُ، وأُنشِئَتِ الجمعياتُ لها، انهارَ مكرُها عِيانًا؛ فالغربُ الحاقدُ الذي يحرصُ على التحصيلِ العلميِّ للمرأةِ في أفغانستانَ ويُصدِرُ التقاريرَ حولَ حظِّهنَّ المتدنِّي لدرجةِ الدكتوراه، وبِيَدِ البطشِ الأخرى تُجوَّعُ المرأةُ في نزوحِها؛ إنَّهُ مكرُ الغربِ المُركَّبُ، ألَا وإنَّ سُنَّةَ اللهِ في الماكرينَ باقيةٌ؛ فمهما خفيَ مكرُهم وتوسَّعَ عالميًّا، وزُيِّنَ لهم أنَّهم بلَغُوا مُرادَهم، فمكرُهم إلى زوالٍ؛ (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)[النَّحْلِ: 26].
ألَا وإنَّ شِدَّةَ المكرِ لا تُسوِّغُ الولاءَ لغيرِ اللهِ وأوليائِه، قال -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "المكرُ والخِداعُ في النارِ". وصدَق رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ادعوا اللهَ وأنتم موقِنونَ بالإجابةِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي كتَب التأييدَ لأوليائِه المؤمنينَ، وأيَّد بالحقِّ أصفياءَه المتقين، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ، ظهيرُ الموحِّدينَ، ومذل الطغاةِ الماكرين المتجبرين، وأشهد أنَّ سيِّدَنا محمدًا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خاتمُ النبيينَ، حفِظَه اللهُ من مكرِ المعتدينَ، وعصَمَه من كيدِ الكافرينَ، وارضَ اللهمَّ عن أصحابِه والتابعينَ، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
إنَّ المكرَ الذي أصاب أمتَنا، وما تلاقيه اليومَ من المكائدِ والويلات، يَسُوق المؤمنينَ للحذرِ من المنافقين والمشركين أوَّلًا، والالتزامِ بمنهجِ الله ورسولِه ثانيًا، والبعدِ عن المعاصي والمحرَّماتِ، الذي يمنع الأمةَ من الوقوع في مكائد الكفر والماكرين.
ألَا وإنَّ الألفةَ بين المؤمنين قوَّةٌ أمامَ مكر أعدائِهم، فلا سلامةَ ولا تأييدَ ولا نجاةَ إلا بالوحدة الإسلاميَّة؛ فمكرُ اللهِ بمن عصاهُ سريعٌ، وعقابُهُ شديدٌ، وإِنْ أمهَل إلى حين؛ فالحذرَ الحذرَ من خيانة المؤمنين، والحذرَ من عصيان أمرِه وكُفْرِ نعمتِه.
اللهمَّ يا من خضعتِ الرقابُ لسطوتِه، وخضعت الملائكةُ من مخافتِه، ورعدت السماءُ لكلمتِه، يا ذا العزّةِ والجبروت، نسألُكَ أن تنتقم مِنْ كلِّ ماكرٍ سفَّاكٍ أثيم، اللهمَّ مَنْ أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فخُذْ بيده، ومَنْ أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، نَكِّسْ يا إلهي رايتَه، وأبطلْ بأسَه، وألبسْه لباسَ الذلِّ والخوفِ، وأسقطْ علوَّه.
اللهمَّ إنَّ الماكرين قد طال مكرُهم، واشتدَّ في البلاد، فسلِّطْ عليهم عقابَك وعذابَك.
اللهمَّ احقن دماءَ المسلمين في كل مكان، وفي فلسطين، اللهمَّ ارفعِ الحصارَ عن أهلِنا المحاصَرين، اللهمَّ أطعمْهم من جوع، وآمِنْهم من خوف، اللهمَّ آوِ مشرَّديهم ونازحيهم، اللهمَّ ارفعْ عنهم الحربَ وأوزارَها، اللهمَّ شافِ مرضاهم، وارحمْ من اصطفيتَه منهم، اللهمَّ اجعلْ للأسرى وللمسرى فرجًا عاجلًا قريبًا يا ربَّ العالمين.
اللهمَّ اجزِ سيِّدَنا محمدًا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خيرَ الجزاء، اللهمَّ اجزِ عَنَّا علماءَنا ومشايخَنا ووالِدِينا خيرَ الجزاء.
اللهمَّ يا مَنْ جعلتَ الصلاةَ على النبي من القُرُبات، نتقرَّب إليكَ بكلِّ صلاةٍ صُلِّيَتْ عليه، مِنْ أوَّلِ النشأةِ إلى ما لا نهايةَ للكمالاتِ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وأقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم