وصايا نافعات لكشف الكربات

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2025-08-01 - 1447/02/07 2025-08-03 - 1447/02/09
عناصر الخطبة
1/التحذير من فتن الشهوات والشبهات 2/وصايا للوقاية من الفتن 3/الحث على طلب الحلال والبعد عن الحرام 4/أقرب الناس منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم 5/تقوى الله سبيل الفوز والفلاح

اقتباس

أيها المسلمُ: كن على حذر وإن عانيتَ من أخيك عنفًا أو حَسَدًا، فعاشِرْه بالمعروف، واحفظ نفسَكَ عنه، وأمَّا صديقُكَ فإِنْ صدَقَكَ فاحفظه، وكُنْ على حذرٍ؛ فإنا في آخِر الزمان، وقد قلَّ النصحُ حتى لا تكاد تنظر ناصحًا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي انجلت بنوره غمراتُ الغضب، وانهدَّت بقدرته أركانُ النَّصَب، وأطلَع بنوره شمسَ الحقِّ، ومحَا بعَدلِه جَوْرَ الظَّلَمةِ، فعاد الأمرُ إلى نصابه، والحقُّ إلى أربابه، اللهمَّ لك الحمد يا مدبرَ الأمور، ولكَ الشكرُ يا مقلبَ القلوب على الحزن والسرور، ونسألك الفَرَجَ العاجلَ، نسألكَ الرحمةَ لأطفالنا ونسائنا وجميع أمتنا، واجعل ديارَنا ديارَ أمنٍ وأمانٍ ومحبةٍ وسلامٍ، وسائرَ ديار المسلمينَ، ونشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ، جامع شمل المتقين بمكارمه، وشامل جمع الموقنين بمراحمه، والمتفضل على من التجأ إليه واعتمد في أموره عليه، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله المولى -تبارك وتعالى- بالمحجة البيضاء، والملة الزهراء، فأتى بأوضح البراهين، ووصف ربه بصفات الجلال، ونفى عنه ما لا يليق بالكبرياء والكمال، ف-تعالى- الله الكبير المتعال، عمَّا يقول أهل الغي والزيغ والضلال، صلى الله عليه وعلى آله، الذين أصبحت مناقبهم باقية لا تفنى، وأصحابه الذين أحسَنُوا في الدِّين، فاستحَقُّوا الزيادة والحسنى.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمُ: اعلم أنَّنا في زمان كان فيه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوَّذون أن يدركوه، ومعهم من العلم ما ليس معنا، ولهم من القِدَم ما ليس لنا، فكيف بنا حين أدركناه على قِلَّة من العلم وقلة الصبر وقلة الأعوان، وفساد الزمان وكدر الدنيا، سيأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس، والأحمق يا عباد الله من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله -تعالى-، والكيِّس مَنْ دانَ نفسَه وعمل لما بعد الموت.

 

إنكم في زمان أقلُّكم الذي ذهَب عُشرُ دِينِه، وسيأتي عليكم زمان أقلُّكم الذي يَسلَم له عُشرُ دِينِه، اللهمَّ إنَّا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

 

مَنْ أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه، ويقل غمه من سماع الكلام الذي يغمه فليكثر من الاستغفار والنوافل، والبُعْد عن أهل الفسق والمعاصي، إن هذا زمان وحشة، كونوا على حياء أيها الناسُ من الله، فإنكم لم تشكروه إذ أعطاكم، ولم تصبروا حين ابتلاكم.

 

اللهمَّ اصرف البلاء والغلاء والفحشاء عَنَّا برحمتك يا أرحم الراحمين، وألهمنا الصبرَ على الضراء واللأواء، وارزقنا حُسنَ الاقتداء بسيد الأنبياء، يا مَنْ علَّمتَ آدمَ الأسماءَ.

 

عبادَ اللهِ: يأتي على الناس زمان يذهب الحلال من أيدي أغنيائهم، وتكون أموالهم من غير حلها، فيسلط الله بعضهم على بعض، فتذهب لذة عيشهم، ويلزم قلوبهم خوف فقر الدنيا، وخوف شماتة الأعداء، وتكون ساداتهم في بلاء، وشقاء، وعناء، وخوف من الظالمين، ولا يستلذ بعيش يومئذ إلا منافق لا يبالي من أين أخذ، ولا فيما أنفق، ولا كيف أهلك نفسه!

 

كيف يدعي أحدكم أنَّه من أهل الصلاح والفلاح، وهو يقع في الأفعال الردية، ويأكل طعام المجرمين وأهل الرشا والربا، والظلمة وأعوانهم؟! كيف يدعي ذلك وهو يقع في الكذب والغيبة والوقيعة في الناس وأعراضهم؟! وكيف يطلب أن يكتب عن الله صديقًا وهو يقع في المناهي والملاهي؟!

 

فيا أيها المسلمُ: ما دام لسانك يذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئًا من الحكم والمعارف، أوساخ الدنيا تسود القلوب، وتوقف المطلوب، وتكتب بها الذنوب.

 

إن القلب متعوب، والكبد يذوب، فأين الملجأ؟! وأين المفر؟! ولكن تذكَّرُوا أن الذي بلانا يدبرنا ويعيننا بحوله وقوته، وأعجب شيء قلب عرف ربه ثم عصاه، فالطريق إلى الله تفني الجلاد، وتفتت الأكباد، وتضني الأجساد، وتدفع السهاد، وتسقم القلب، وتذيب الفؤاد.

 

إن القلب إذا لم يحزن خَرِبَ، كما أن البيت إذا لم يُسكَنْ خَرِبَ، فليس زمانُنا زمانَ فرحٍ وسرورٍ، وإنَّما هو زمان أحزان وغموم، إذا أحبَّ اللهُ عبدًا أكثَر غمَّه في الدنيا، وإذا أبغَض عبدًا أوسَع عليه دنياه.

 

في القلب وجعٌ لا يُبرئه إلا حبُّ اللهِ -تبارك وتعالى-، كيف تطلبون أن الله ينبت لكم الزرع أو يدرّ لكم الضرع، وأنت تَسُلُّونَ السيوفَ على أنفسكم، وتلطخون الحِرَابَ من دمائكم؟! تقتلون أنفسَكم ظلمًا وبغيًا وعدوانًا، في كل يوم نسمع عن جرائم القتل فكفاكم وعودوا إلى رشدكم وصواب أمركم.

 

واغوثاه من أهل هذا الزمان! قلوب شاردة، وأهوال مائلة، وشهوات غالبة، قد عدمنا الصدق في الأحوال والأقوال والأفعال؛ (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 21]، من قام في الأسحار ولزم الاستغفار كشف الله له عن الأنوار، وأطلعت في قلبه شموس المعاني والأسرار، من ذاق حقيقة الطاعة اتصل بالله في ساعة.

 

أيها الناسُ: انتبِهُوا من رقدة الغفلة، قبل انقطاع المهلة؛ فإن الموت يأتيكم بغتة، جعَل الله قِراكم من نبق الجنة، وجعَل ذِكرَ الموت منا ومنكم على بال، وحفظ علينا الإيمانَ إلى الممات، اللهمَّ إنَّا نستجير بك من النار، اللهمَّ احفظنا واحفظ مسجدنا وأهلنا في أرضنا المبارَكة يا ربَّ العالمينَ، واصرف عَنَّا وعن المسلمين كل سوء.

 

أتدرون -يا عبادَ اللهِ- مَنْ أقربُ الناسِ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ مَنْ ترك الدنيا وراء ظهره، وجعل الآخرة نصب عينيه، وجاء كتابه مطهرًا من الذنوب، ورد في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة" أو كما قال، إن الله يحب المؤمن المذنب التواب، فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله المجمل في بلائه، المجزل في عطائه، العدل في قضائه، المكرم لأوليائه، الناصر لدينه، بإيضاح الحق وتبيينه، نحمده على ما عرفنا من توحيده، ونستوفقه على أداء ما كلفنا من رعاية حدوده، ونستعصمه من الخطأ والخطل، والزيغ والزلل، في القول والعمل.

 

ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة من أقر بوحدانيته إيمانًا، واعترف بربوبيته إيقانًا، وعلم برهان ما يدعو إليه، وعرف حقيقة الدلالة عليه.

 

ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى الملائكة والنبيين، وعباد الله الصالحين، واجعل سعينا يا مولانا عندك مشكورًا، وذكرنا لك مقبولًا ومبرورا، واجعله لنا أمانًا من الشقاء ونورا، واجعل ذنبنا مغفورًا، وعيبنا مستورا، واجعل الإسلام منصورًا.

 

اللهمَّ إنَّا نتوجه إليك من هذه الرحال الطاهرة أن تدخلنا في رحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أمَّا بعدُ، أيها المسلمُ: كن على حذر وإن عانيتَ من أخيك عنفًا أو حَسَدًا، فعاشِرْه بالمعروف، واحفظ نفسَكَ عنه، وأمَّا صديقُكَ فإِنْ صدَقَكَ فاحفظه، وكُنْ على حذرٍ؛ فإنا في آخِر الزمان، وقد قلَّ النصحُ حتى لا تكاد تنظر ناصحًا، وعاد من توليه سرورًا يوليك نكدًا وشرورًا، ومَنْ ترفعه يسعى أن يضعك، ومن لم تُحسن إليه يسيء إليكَ، ومن تشفق عليه يود لو على الرماح رماك، أو على الشوك داسك، ومن تنفعه يضرك، ومن توله معروفًا يولك جفاء، ومن توصله يقطعك، ومن تطعمه يحرمك، ومن تقدمه إن استطاع أخرك، ومن تربيه يقول: أنا الذي ربيتك، فواعجبًا للدنيا وأهلها! كيف بك -أيها المسلمُ- إذا أقامك الحق -تعالى- بين يديه، وسألك عن النقير والفتيل والقطمير، وأنت عطشان جوعان عريان؟! وأهل الموقف ينظرون إليك، كيف سيكون الجواب؟! (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصَّافَّاتِ: 24].

 

هيئ زادك للسفر الذي بين يديك، فكأني بك وأنت في جملة الراحلين وهيئ لنفسك منزلًا تنزل فيه إذا نزل أهل الصفوة منازلهم؛ لئلا تبقى متحسرا.

 

يا سواد ليلة لا تضيء، ويا بعد سفر لا ينقضي! كيف يتسلى عن الحزن من تتجدد عليه المصائب كل يوم؟! لا يصبر على حب ضيق العيش إلا صديق.

 

طريق الحق بعيد، والصبر على مقدور الله شديد، والصبر مع الله يذيب الجليد، إلى الله العظيم من عباده المساكين.

 

في هذه الرحاب الطاهرة: اللهمَّ إنَّا نسألك وأنتَ العالِمُ بالسرائر، المحيطُ بمكونات الضمائر، اللهمَّ إنكَ بعلمكَ واطلاعكَ على أمور خَلقكَ غنيٌّ عن إعلامنا بما نحن فيه، إليك نشكو حالنا، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهمَّ إنك لم تنزل بلاء إلا بذنب، ولم تكشفه إلا بتوبة، اللهمَّ شفعنا في أنفسنا وأهلينا، اللهمَّ إنَّا لا نرجو إلا إياك، ولا ندعو غيرك، ولا نرغب إلا إليك، إليك جوع كل جائع، وعري كل عار، وخوف كل خائف، وضعف كل ضعيف.

 

اللهمَّ لا تَكِلْ تدبيرَنا إلى أنفسنا، ودبرنا بتدبيرك الحسن الجميل، اللهمَّ توفنا على السنة، وأدخلنا الجنة، واجعل أنفسنا مطمئنة، نحب فيك أولياءك، ونستغفر للعصاة من عبادك، ونعمل بحكم كتابك، ونؤمن بمتشابهه، ونصفك بما وصفت به نفسك، اللهمَّ يسر أمرنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، توفنا وأنت راض عَنَّا يا كريم.

 

وصل اللهمَّ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ونبيك النبي المصطفى والحبيب المجتبى، والآل المستكملين الشَّرَفَا.

 

وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

وصايا نافعات لكشف الكربات.doc

وصايا نافعات لكشف الكربات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات