أَحَدَ عَشَرَ خَطًأ مِنْ الْمُصَلِّينَ 30 جُمَادَى الأُولَى 1447هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1447/05/29 - 2025/11/20 06:50AM

الخطبة في المرفق

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الصَّلَاةَ عَمُودَ الدِّين، وَأشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحَدْهُ لا شَرِيكَ لَهُ، حَثَّ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي كِتَابِهِ الْمُبِين، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كَانَ آخِرَ وَصِيَّتِهِ لِأُمَّتِهِ عِنْدُ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، الْحَثُّ عَلَى الصَّلَاةِ لِمَا لَهَا مِنَ الْأَهِمِّيَّةِ فِي الدِّين، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، الطَّيِّبِينَ الطَّاهِريِن، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهَ وَاعْرِفُوا مَا لِلصَّلَاةِ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ عُظْمَى وَمَنْزِلَةٍ كُبْرَى فِي دِينِ اللهِ, إِنَّهَا ثَانِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، إِنَّهَا النُّورُ وَالرَّاحَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، إِنَّهَا الصِّلَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـاشِعِينَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ الْعَظيمَةَ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ, وَلِذَلِكَ فَلا تُقْبَلُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ اثْنَيْنِ, هُمَا الْإِخْلَاصُ للهِ وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ وَللهِ الْحَمْدُ يُحْسِنُونَ غَالِبَ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا فَهُنَاكَ أَخْطَاءٌ تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَتَقَعُ مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُها قَدْ يَكُونُ مُبْطِلَاً لَهَا، وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ نَذْكُرُ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الاخْتِصَارِ.

فَمِنَ الْأَخْطَاءِ الْعَظِيمَةِ: تَرْكُ الصَّلَاةِ إِمَّا كُلِّيَّاً أَوْ جُزْئِيَّاً، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يُصَلِّي وَيَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا خَطَأٌ مُهْلِكٌ، فَأَيُّ دِينٍ بَعْدَ تَرْكِ الصَّلَاةِ ؟ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ مُسْلِم.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ : تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أَيْ: مَفْرُوضَاً فِي الْأَوْقَاتِ، وَكَمَا أَنَّ الصَّوْمَ لا يُقْبَلُ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْحَجَّ لا يَصِحُ إِلَّا أَيَامَ الْحَجِ الْمَعْرُوفَةِ، فَكَذِلَكَ الصَّلَاةُ يَحْرُمُ أَنْ يُتَجَاوَزَ بِهَا وَقْتُهَا، فَلا تُصَلَّى قَبْلَهُ وَلا تُؤَخَّرُ بَعْدَهُ، فَلْيَتَّقِ اللهَ أُنَاسٌ يَنَامُونَ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ مُتَوَعَّدُونَ مِنَ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} وَمَعْنَى سَاهُونَ: يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقِتِهَا.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ التِي كَثُرَتِ الآنَ: الصَّلَاةُ فِي الْبَيْتِ، فَمَا أَكْثَرَ الرِّجَالِ الذِينَ يُصَلَّونُ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُمْ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَ الْمَآذِنِ حَوْلَهُمْ، وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ، وَتَرْكُهَا مُحَرَّمٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ.

وَمِنْ أَخْطَائِنَا فِي الصَّلَاةِ: عَدَمُ إِحْسَانِ الْوُضُوءِ، وَهَذَا خَلَلٌ كَبِيرٌ، يَؤُدِّي إِلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَالطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ لَهَا أَهَمِّيَّةٌ بَالِغَةٌ وَلِذَلِكَ تَوَلَّى اللهُ بَيَانَهَا بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَقَالَ الْاِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَّهُ الْأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْأَخْطَاءِ: الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا تَفْعَلَهُ بَعْضُ النِّسَاءِ، أَوْ بَعْضُ الْمَرْضَى الذِينَ يُصَلُّونَ فِي الْبَيْتِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ, وَمِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ يَقْتَدُونَ بِالْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ وُجِدَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي مَعَ إِمَامِ الْحَرَمِ مِنْ خِلَال ِمُتَابَعَتِهِ فيِ التِّلِفِزْيُونِ وَسَمَاعِ صَوْتِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ وَلا تَصَحُّ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ لا يَصْحُّ اقْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ بِالْإِمَامِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ: الْخُرُوجُ إِلَى الْمَسْجِدِ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، لِأَنَّهُ يَحْرِمُ نَفْسَهُ أَجْرَ الْمَشْيِ بِالْخُطُواتِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ لِكُيْ تُحْسَبَ خُطُوُاتُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ الله ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلاسِيَّمَا عِنْدَ سَمَاعِ الْإِقَامَةِ أَوْ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رَوَاهُ اِلْبُخَارِيُّ. وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ مِنْ رَكْضِ بَعْضِ النَّاسِ بِاتِّجَاهِ الْمَسْجِدِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِأَمْرِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ: الْكَلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، فَتَجَدَ بَعْضَ النَّاسِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِيهِ, وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ بِالْجَوَّالِ لِأَمْرٍ لَيْسَ ضَرُورِيَّاً، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِلصَّلَاةِ وَلا مُرَاعَاةٌ لِلْمُصَلِّينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، ثُمَّ إِنَّكَ تُؤْذِي النَّاسَ وَتُشَوِّشُ عَلَيْهِمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ: عَدَمُ إِحْسَانِ الصُّفُوفِ، أَوْ بَدْءُ صَفٍّ قَبْلَ اكْتِمَالِ الآخَرِ، أَوِ الصَّلَاةُ خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفِرَدَاً، ثُمَّ إِنّ    بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ: اسْتَوُوا وَاعْتِدْلُوا فَقَطْ وَلا يُرَتِّبُ الصُّفُوفَ، وَهَذِهِ أَخْطَاءٌ مُجْتَمِعَةٌ، فَأَمَّا الصُّفُوفُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تُرَتَّبَ، وَتُقَارَبَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ (يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُولَى وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفّ) رَوَاهُ مُسْلِم. ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَتَعْدِيلِهَا، وَلا يُكَبِّرَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ عَلَى ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُسَاعِدُوهُ فِي ذَلِكَ، خِلَافَاً لِبَعْضِ الْعَوَامِ الذِينَ رُبَّمَا شَوَّشُوا عَلَى الْإِمَامِ وَصَاحُوا بِهِ إِذَا رَأُوهُ يُعَدِّلُ الصُّفُوفَ، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَمُنْقِصٌ لِلْأَجْرِ, أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَمِنَ الْأَخْطَاءِ: الصَّلَاةُ عَلَى الْكُرْسِيِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الصَّلَاةِ قَائِمَاً، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، وَقَدْ كَثُرَ فِي الْأَوْقَاتِ الْأَخِيرَةِ صَلَاةُ النَّاسِ عَلَى الْكَرَاسِي، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَأْتِي يَمْشِي لَيْسَ بِهِ أَيُّ عَلَامَةٍ عَلَى تَعَبٍ أَوْ مَرَضٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ وَيُصَلِي، وَبَعْضُهُمْ يُصَلِّي عَلَى الْكُرْسِي فَإِذَا انْتَهَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَبَقِيَ وَاقِفَاً يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَأَيْنَ الضَّرُورَةُ عِنْدِ مِثْلِ هَؤُلاءِ؟ وَقَدْ شَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةِ الْوُقُوفِ فِي الْفَرِيضَةِ، حَتَّى قَالُوا: لَوْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِأَنْ يَتَكِّئَ عَلَى عَصَا أَوْ يَسْتَنِدَ عَلَى جِدَارٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ مَا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْأَخْطَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْكُرْسِيِّ: أَنْ يُقَدِّمَ الْكُرْسِيَ ثُمَّ يُصَلِّيَ أَمَامَ الصَّفِّ بِحُجَّةِ أَنَّهُ يُؤْذِي مَنْ خَلَفْهُ، وهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ جِدَّا،ً فَإِنَّ اصْطِفَافَ الْمُصَلِّينَ جَنْبَاً إِلَى جَنْبٍ أَمْرٌ وَاجِبٌ، وَلا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ, حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ (عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِم.

فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ وَضْعُ الْكُرْسِيِّ ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي إِنَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَالْجُلُوسُ فَقَطْ، فَإِنَّهُ هُنَا يُؤَخِرُّ الْكُرْسِيَّ خَلْفَ الصَّفِّ ثُمَّ هُوَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ فَإِذَا كَانَ وَضْعُ السُّجُودِ أَوِ الْجُلُوسِ تَأَخَّرَ فَجَلَس عَلَى الْكُرْسِيِّ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ سَوْفَ يُصَلِّي كُلَّ الصَّلَاةِ عَلَى الْكُرْسِيِّ لِضَرُورَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْكُرْسِيَّ وَيَجْلِسُ بِحَيْثُ يَسُاوِي النَّاسَ وَهُمْ وَاقِفُونَ.

هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ، وَبِإِذْنِ اللهِ نُكْمِلُ بَقِيَّةَ الْأَخْطَاءِ فِي خُطْبَةٍ قَادِمَةٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المرفقات

1763615615_أَحَدَ عَشَرَ خَطًأ مِنْ الْمُصَلِّينَ 30 جُمَادَى الأُولَى 1447هـ.pdf

المشاهدات 1084 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا