أحكام وآداب الحج

زكي اليوبي
1446/12/02 - 2025/05/29 23:04PM

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي من على عِبَادِهِ بمَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ، وَرَغَّبَهم في فِعْلَ الصَّالِحَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الْحَشْرِ: 18]

عباد الله: إن العبادات تنبني على تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فلا تقبل العبادة إلا بشرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل، وهو ما تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، قال الله تعالى: {قُلِ ٱللَّهَ أَعۡبُدُ مُخۡلِصٗا لَّهُۥ دِينِي} [سورة الزمر: آية 14] ، الشرط الثاني: اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهو ما تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) أخرجه البخاري (2697) بنحوه، ومسلم (1718)، فمن أراد الحج يجب عليه إخلاص النية بأن يريد بحجه وجه الله تعالى، وأن يلتزم بهدي النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في أداء مناسك الحج، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أَيُّها الناسُ خُذُوا عَنِّي مناسكَكم) أخرجه النسائي (3062) واللفظ له، وأخرجه مسلم (1297) باختلاف يسير،  فهذا هو الحج المبرور المتقبل. 

واعلموا أن الدِّينُ يُسرٌ لا عُسرٌ، وقدْ أقَرَّ اللهُ سُبحانه وتعالى أحكامًا مُؤكَّدةً، وأحَبَّ مِن عِبادِه أنْ يَفعلُوها، كما أنَّه سُبحانه خفَّفَ عنهم، ورفَعَ الحرَجَ في أوقاتِ الضِّيقِ والضَّرورةِ، واللهُ سُبحانَه يُـحِبُّ مِن عِبادِه المؤمنينَ أنْ يأْخُذوا بِتَخفيفِه ورُخَصِه، قال الله تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ} [سورة البقرة: من الآية 185]، و عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تؤتى رُخصُه كما يُحِبُّ أنْ تؤتى عزائمُه) أخرجه ابن حبان في صحيحه (354)، وينبغي على الحاج الالتزام بالرِّفقَ والطُّمأنينةَ، واللين، والصبر، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّها النَّاسُ السَّكينةَ السَّكينةَ) أخرجه ابن ماجه (3074)، وصححه الألباني، وينبغي على الحاج كذلك تجنب التدافع وإيذاء الآخرين، وأن يصون حجه عن كل ما يفسده أو ينقصه، يقول الله تعالى: {ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ} [سورة البقرة: من الآية: 197].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ووفقنا للاقتداء بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: { وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ } [سورة البقرة: 281]. 

يا من أردتم حج بيت الله الحرام: إنه من الأهمية بمكان، الالتزام بالأنظمة والتعليمات الصادرة من أجهزة الأمن وغيرها من الجهات الرسمية، حيث إن هذا من طاعة ولي الأمر، والله عز وجل يقول: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ} [سورة النساء: من الآية: 59]

وخذوا بالأسباب المشروعة لحفظ النفس في الحج، ومن ذلك التوقي عن التعرض المباشر لأشعة الشمس، وشرب القدر الكافي من الماء والبعد عن أماكن الزحام.

أسأل الله العلي القدير أن يحفظ الحجاج وجميع المسلمين بحفظه وأن يكلأهم برعايته، ويتقبل من الحجاج وجميع المسلمين طاعاتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا }، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،  اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المشاهدات 172 | التعليقات 0