أحكام وآداب مرتبطة بمناسك الحج
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَرَضَ الْحَجَّ عَلَىٰ عِبَادِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، وَتَطْهِيرًا لِذُنُوبِهِمْ، وَتَرْبِيَةً لِنُفُوسِهِمْ، وَجَعَلَ فِيهِ مَنَافِعَ دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ، الْمُحَذِّرُ مِنَ الشَّرِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.
فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَىٰ )وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ(.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. نَحْنُ فِي أَيَّامٍ مُبَارَكَةٍ، تَتَّجِهُ فِيهَا الْقُلُوبُ وَالْأَبْدَانُ إِلَىٰ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، تَلْبِيَةً لِدَعْوَةِ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَجْسِيدًا لِرُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. فَالْحَجُّ مَوْسِمٌ عَظِيمٌ يَتَرَبَّى فِيهِ الْمُسْلِمُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الدُّنْيَا، وَالِاتِّحَادِ مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشْهَدٍ مُهِيبٍ.
وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ نُذَكِّرَ الْحُجَّاجَ، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ، بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ الْعَظِيمَةِ:
فَعَلَى الْحَاجِّ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، فَالْعِلْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَمَلِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ).
كَمَا يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ أَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ.
وَمِنَ الْآدَابِ الْمُهِمَّةِ: السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ، لَا سِيَّمَا فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ).
وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ أَنْ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ بِالدَّفْعِ أَوِ الْمُزَاحَمَةِ أَوْ رَفْعِ الصَّوْتِ أَوِ الْأَلْفَاظِ الْجَارِحَةِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ).
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِحُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُمُ الْقَبُولَ وَالْغُفْرَانَ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاهُمْ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَعَمَلًا صَالِحًا مَتْقَبَّلًا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللَّهِ .. إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمُ الرُّخَصَ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، رَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَتَخْفِيفًا لِلْمَشَقَّةِ، فَالْحَجُّ مَوْسِمُ تَعَبٍ وَجُهْدٍ، وَمِنْ هَذِهِ الرُّخَصِ:
جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِي الرَّمْيِ لِلضُّعَفَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَرْضَىٰ.
التَّرْخِيصُ لِلْمَرْضَىٰ بِعَدَمِ الْمَبِيتِ فِي مِنًى، أَوِ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ.
الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَالْقَصْرُ لِأَهْلِ السَّفَرِ.
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَدِّدَ النَّاسُ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ، بَلْ يَأْخُذُوا بِالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ، عَمَلًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَىٰ رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَىٰ مَعَاصِيهِ).
عَلَى الْحُجَّاجِ الْكِرَامِ .. الصَّبْرَ، وَالرِّفْقَ، وَاللِّيْنَ، فَإِنَّهَا أَخْلَاقُ الْأَنْبِيَاءِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ).
وَلْيَحْذَرِ الْحُجَّاجُ مِنْ التَّدَافُعِ وَالتَّهَاوُنِ فِي أَرْوَاحِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ أَذِيَّةَ الْمُسْلِمِ مُحَرَّمَةٌ، وَلَوْ فِي أَعْظَمِ الْبِقَاعِ، وَقَالَ ﷺ (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ).
كَمَا يَجِبُ عَلَى الْحُجَّاجِ الِالْتِزَامُ بِالتَّعْلِيمَاتِ وَالْأَنْظِمَةِ الَّتِي تُصْدِرُهَا الْجِهَاتُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى تَنْظِيمِ الْحَجِّ، فَهِيَ لَمْ تُوْضَعْ إِلَّا حِرْصًا عَلَى سَلَامَتِهِمْ، وَتَنْظِيمِ شُؤُونِهِمْ، وَمِنَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ طَاعَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي الْمَعْرُوفِ، قَالَ تَعَالَىٰ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ(.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الْحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَأَعِنْهُمْ عَلَىٰ أَدَاءِ مَنَاسِكِهِمْ، وَوَفِّقْهُمْ لِلرِّفْقِ وَالسَّكِينَةِ، وَرُدَّهُمْ إِلَىٰ دِيَارِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىٰ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
المرفقات
1748549429_أحكام وآداب مرتبط بمناسك الحج.pdf
1748549474_أحكام وآداب مرتبط بمناسك الحج.docx