أَسْمَى الْوَصَايَا

يوسف العوض
1446/12/19 - 2025/06/15 14:10PM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ عَلَّمَنَا نَبِيُّنَا الْكَرِيمُ ﷺ أَسْمَى الْوَصَايَا وَأَشْرَفَ الدُّعَاوَاتِ، فَهُوَ ﷺ أُسْتَاذُ الْأَخْلَاقِ وَمُرْشِدُ النُّفُوسِ ، وَفِي حَدِيثِهِ مَعَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، نَجِدُ وَصْفًا بَالِغَ الْجَمَالِ لِحَقِيقَةِ الْعِبَادَةِ، إِذْ قَالَ لَهُ ﷺ:

"يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: "اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ."

عِبَادَ اللهِ : فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي فَاهَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَتَحَ لَنَا بَابًا وَاسِعًا مِنَ الْخَيْرَاتِ، لَمْ يَقُلْ ﷺ فَقَطْ "اذْكُرِ اللَّهَ"، بَلْ قَالَ "اللّهُمَّ أَعِنِّي"، وَكَأَنَّنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ لَا نَسْتَطِيعُ الوُصُولَ إِلَى مَا يَرْضَى اللَّهُ إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِ ، إِنَّنَا نَعِيشُ فِي عَالَمٍ مَلِيءٍ بِالْهُمُومِ، وَالتَّحَدِّيَاتِ، وَالْمُغْرِيَاتِ، فَكَيْفَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُحْسِنَ عِبَادَتَهُ وَيَظَلَّ قَلْبُهُ مَتَّصِلًا بِاللَّهِ فِي وَسَطِ كُلِّ هَذِهِ الْمُتَغَيِّرَاتِ؟ الجَوَابُ فِي كَلِمَاتِ النَّبِيِّ ﷺ:" اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".

عِبَادَ اللهِ : اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، أَلَيْسَ الذِّكْرُ هُوَ نُورُ الْقَلْبِ؟ أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي الْأَرْوَاحَ فِي ظُلُمَاتِ الْحَيَاةِ؟ كَيْفَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسِيرَ فِي دَرْبِ الْحَيَاةِ دُونَ أَنْ يُشْعِلَ لَهُ ذِكْرُ اللَّهِ نُورًا فِي صَدْرِهِ؟

ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَهُ اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى شُكْرِكَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، أَنَّ الشُّكْرَ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ تَخْرُجُ مِنَ اللِّسَانِ، بَلْ هُوَ حَالَةٌ مِنَ التَّقْدِيرِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِفَضْلِهِ الَّذِي لَا يُحْصَى؟

وَأَخِيرًا اللّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى حُسْنِ عِبَادَتِكَ، أَيَ نُصْبِحَ عُبَّادًا لِلَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي دَقَائِقِ حَيَاتِنَا، حَتَّى فِي هَمَسَاتِنا، وَحَتَّى فِي ضَحِكِنا، نُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ عِبَادَتُنَا مِنَ الْقُلُوبِ، وَنُرِيدُ لَهَا أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ.

عِبَادَ اللهِ : إِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ عَلَّمَنَا هَذَا الدُّعَاءَ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عِبَادَتَنَا لَنْ تَكُونَ كَامِلَةً دُونَ الْمُعَاوَنَةِ مِنَ اللَّهِ ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ مَلِيئَةً بِالصِّعَابِ، فَكَيْفَ نَكُونُ مَعَ اللَّهِ فِي وَسَطِ هَذَا الزَّخَمِ؟ نَجِدُ الجَوَابَ فِي الدُّعَاءِ: "اللّهُمَّ أَعِنِّي".

عِبَادَ اللهِ : لِنَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، إِنَّنَا نَحْتَاجُ إِلَى مُعَاوَنَةِ اللَّهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، لِنَنْسَ الْكِبْرِيَاءَ وَلْنَسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ الذِّكْرَ هُوَ مِفْتَاحُ السَّكِينَةِ، وَالشُّكْرَ هُوَ مِفْتَاحُ الْمَزِيدِ، وَالْحُسْنَ هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ.

 

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ : تَأمَّلوا الذِّكْرَ فَهوَ لَيْسَ فَقَطْ قَوْلَ الْكَلِمَاتِ، بَلْ هُوَ حَالٌ يَعُمُّ الْقَلْبَ قَبْلَ اللِّسَانِ ، عِندَمَا تَجِدُ نَفْسَكَ فِي مَشْهَدٍ مِنْ مَشَاهِدِ الحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ، مِثْلَ سَاعَةٍ مِنْ تَعَبٍ أَوْ لَحْظَةِ قَلَقٍ، تَذَكَّرْ رَبَّكَ: "لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ." هَذَا الذِّكْرُ لَا يَحْتَسِي فَقَطْ كَلِمَاتٍ، بَلْ يُعِيدُ لِلنَّفْسِ الرَّاحَةَ وَالسَّكِينَةَ، كَأَنَّهَا لُجَّةٌ فِي زَحَامٍ تَحْتَسِي النُّورَ فِي ظُلْمَتِهِ.

وَكَذَلِكَ فِي فَتَرَاتِ الصَّبَاحِ أَوْ الْمَسَاءِ، عِندَمَا نُؤَدِّي أَعْمَالَنَا الْيَوْمِيَّةِ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَجْعَلَ مِنْ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ فُرْصَةً لِلذِّكْرِ ،عِندَ رُكُوبِ السَّيَّارَةِ أَوْ أَثْنَاءَ مَشْيِكَ فِي الشَّارِعِ، يُمْكِنُنَا أَنْ نُرَدِدَ فِي سِرِّنَا: "اللَّهمَّ ما أصبحَ بي من نِعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنكَ وحدَك، لا شريكَ لَك، فلَك الحمدُ، ولَك الشُّكرُ" هَذَا الذِّكْرُ يَجْعَلُنَا نَشْعُرُ بِالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ نَخْطُوهَا.

تَأمَّلوا الشُّكْرَ الذي هُوَ إِقْرَارٌ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ الْعَدِيدَةِ، عِندَمَا تَحْصُلُ عَلَى رَزْقٍ جَدِيدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ وَظِيفَةً أَوْ صِحَّةً، يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْكُرَ اللَّهَ لَا بِلِسانِكَ فَقَطْ، بَلْ بِإِظْهَارِ الْاِمْتِنَانِ فِي أَفْعَالِكَ ، عِندَمَا تَجِدُ أَمَامَكَ رَزْقًا أَوْ نِعْمَةً، تَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ" وَتُحَسِّنُ اسْتِعْمَالَ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي طَاعَةِ اللهِ.

تَأمَّلوا عِندَمَا  يَكُونُ الشّخصُ فِي خِضَمِّ الشَّدَائِدِ، وَتُوَاجِههُ مَصَاعِبُ الحَيَاةِ، يُمْكِنُ لِلشُّكْرِ أَنْ يَصْبِحَ مَلاذَاً حَقِيقِيَّاً وَ تَقَرُّبَاً للهِ، فَالشُّكْرُ فِي الْأَوْقَاتِ الصَّعْبَةِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ العِبَادَةِ، كأَنْ تَكُونَ فِي حَالَةِ ضَائِقَةٍ مَالِيَّةٍ أَوْ تَمُرُّ بِظُرُوفٍ صَعْبَةٍ، وَتَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ، رَاضِيًا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ" هَذِهِ الكَلِمَاتُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ القَلْبِ تَعْكِسُ أَنَّ الشُّكْرَ لَا يَقْتَصرْ عَلَى الأَوْقَاتِ السَّعِيدَةِ فَقَطْ، بَلْ يَشْمَلُ حَتَّى الأَوْقَاتِ الَّتِي قَدْ تَظُنُّ أَنَّهَا صَعْبَةٌ!.

تَأمَّلوا حُسْنَ العِبَادَةِ الذي لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ، بَلْ يَتَجَاوَزُهَا لِيَشْمَلَ كُلَّ فِعْلٍ نَقُومُ بِهِ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ، عِندَمَا نَعْمَلُ بِجِدٍّ وَنُخْلِصُ فِي أَعْمَالِنَا اليَوْمِيَّةِ، مِثْلَ العَمَلِ فِي الوَظِيفَةِ أَوْ حَتَّى أَعْمَالِ الْمَنزِلِ، نَعْتَبِرُ ذَلِكَ عِبَادَةً إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ خَالِصَةً لِلَّهِ "اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي هَذَا خَالِصًا لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ."

تَأمَّلوا حُسْنَ العِبَادَةِ مِنْ خِلالِ تَعَامُلِنَا مَعَ النَّاسِ، فعِندَمَا نُعَامِلُ الآخَرِينَ بِلُطْفٍ، وَنَسْعَى لِحَلِّ خِلافَاتِنَا بِرُوحٍ مِنَ التَّسَامُحِ، فَإِنَّنَا نُظْهِرُ حُسْنَ عِبَادَتِنَا فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ، فإِذَا كُنتَ فِي خِلافٍ مَعَ أَحَدٍ، وَحَاوَلْتَ أَنْ تَبْادِرَ بِالصَّلَحِ مَعَهُ، وَتَقُولُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ بَيْنَ النَّاسِ" هَذِهِ العِبَادَةُ لَا تَقِفُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا حَيَاتِنَا.

المرفقات

1749987091_اللهم اعني.docx

المشاهدات 250 | التعليقات 0