أَنْـفَـــــــــاسٌ
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ : إنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ نِعْمَةُ النَّفْسِ وَنِعْمَةُ الأَنْفَاسِ ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى النَّفْسَ أَمَانَةً فِي هَذَا الْجَسَدِ، وَقَالَ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ فَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ مَحَلُّ الِابْتِلَاءِ، وَفِيهَا سِرُّ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، وَالأَنْفَاسُ الَّتِي تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ، إِنَّمَا هِيَ عَدَدُ أَيَّامِنَا وَسَاعَاتِنَا، فَكُلُّ نَفَسٍ يُقَرِّبُنَا مِنَ الْقَبْرِ.
عِبَادَ اللهِ : ذَكَرَ رَبُّنَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَنَّ النَّفْسَ لَهَا دَرَجَاتٌ: النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ، وَالنَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، فَالنَّفْسُ تُرَبَّى، وَتُزَكَّى، وَتُجَاهَدُ، وَلَا تُتْرَكُ لِهَوَاهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ".
عِبَادَ اللهِ : يُثْبِتُ الْعِلْمُ الْحَدِيثُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَنَفَّسُ مَا يُقَارِبُ عِشْرِينَ أَلْفَ نَفَسٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَبِهَذِهِ النَّفَسَاتِ يُدْخِلُ الْجِسْمُ الأُكْسِجِين، وَيُخْرِجُ ثَانِي أُكْسِيدِ الْكَرْبُونِ ، وَفِي دِرَاسَاتٍ طِبِّيَّةٍ ثَبَتَ أَنَّ التَّنَفُّسَ الْعَمِيقَ وَالْمُنْتَظَمَ يُقَلِّلُ الضَّغْطَ النَّفْسِيَّ، وَيُخَفِّفُ الْقَلَقَ، وَيُنَشِّطُ الدِّمَاغَ. وَفِي ذِكْرِ اللَّهِ يُوجَدُ أَثَرٌ نَفْسِيٌّ عَظِيمٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
عِبَادَ اللهِ : كَمْ مِنْ مَرِيضٍ يَتَمَنَّى شَهِيقًا دُونَ أَلَمٍ؟ وَكَمْ مِمَّنْ يُوصَلُ إِلَى جِهَازِ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ لِيُحَافَظَ عَلَى نَفَسِهِ؟ فَلْنَجْعَلْ أَنْفَاسَنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَفِي ذِكْرِهِ، وَفِي الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَٰنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ".
فَاعْلَمُوا أَنَّ الْعُمْرَ أَنْفَاسٌ، وَكُلُّ نَفَسٍ يُقَرِّبُنَا إِلَى اللِّقَاءِ، فَلْنُحَاسِبْ أَنْفُسَنَا، وَلْنُطَهِّرْهَا، وَلْنَجْعَلْ أَعْمَالَنَا خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ الْحَيَاةَ لَحَظَاتٌ، وَاللَّحَظَاتِ أَنْفَاسٌ، وَكُلَّ نَفَسٍ نَتَنَفَّسُهُ هُوَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ، وَشَاهِدٌ عَلَيْنَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، وَقَالَ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ فَالنَّفَسُ الَّذِي نَسْتَنْشِقُهُ هِبَةٌ إِلٰهِيَّةٌ، وَأَيْضًا مِيزَانٌ لِمَا نُقَدِّمُ فِي حَيَاتِنَا.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ..."، وَإِنَّ الْعُمْرَ مَا هُوَ إِلَّا تَجَمُّعٌ لِهَذِهِ الأَنْفَاسِ الَّتِي نُضَيِّعُهَا أَحْيَانًا فِي اللَّغْوِ وَالْغَفْلَةِ.
عِبَادَ اللهِ : فِي الطِّبِّ الْحَدِيثِ يُقَدَّرُ أَنَّ الإِنْسَانَ يُطْلِقُ نَحْوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ لِتْرٍ مِنَ الْهَوَاءِ يَوْمِيًّا، وَأَنَّ الْخَلَايَا الدِّمَاغِيَّةَ لَا تَصْمُدُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ دَقَائِقَ دُونَ أُكْسِجِين، فَمَا أَضْيَعَ مَنْ يَغْفُلُ عَنْ قِيمَةِ هَذِهِ النَّعْمَةِ! وفِي دِرَاسَاتٍ نَفْسِيَّةٍ حَدِيثَةٍ، ثَبَتَ أَنَّ التَّنَفُّسَ الْعَمِيقَ يُسَاعِدُ عَلَى تَهْدِئَةِ الْجِهَازِ الْعَصَبِيِّ، وَيُقَلِّلُ التَّوَتُّرَ وَالْاِكْتِئَابَ، وَذِكْرُ اللَّهِ يُنَشِّطُ الْقَلْبَ وَيُنِيرُ الْعَقْلَ.
عِبَادَ اللهِ : فهَلْ نَسْتَعْمِلُ أَنْفَاسَنَا فِي ذِكْرِ اللَّهِ؟ فِي الْعِلْمِ؟ فِي نَفْعِ النَّاسِ؟ قَالَ ﷺ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" ، وكُلُّ نَفَسٍ نَأْخُذُهُ قُرْبٌ مِنَ الْقَبْرِ، فَهَلْ نَسْتَعِدُّ؟ قَالَ ﷺ: "الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ"، فَلْنُرَاقِبْ أَنْفَاسَنَا، وَلْنُحْسِنْ أَعْمَالَنَا، فَإِنَّ اللَّهَ رَقِيبٌ عَلَى كُلِّ شَهِيقٍ وَزَفِيرٍ.
المرفقات
1751282380_أنفاس.docx