إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، أَنْزَلَ الْكِتَابَ الْمُبِينِ، وَبَعَثَ إِلَيْنَا خَاتَمَ النَبِيّين، نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ،

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيَّهُ وَخَلِيلَهُ، جَعَلَهُ رَبُّهُ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ،

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَادْعُوا إِلَى سَبِيلِ رَبِّكُمْ،

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ:

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

عَبْدَ اللهِ…

ما مَوْقِفُكَ لوْ عَرَفْتَ عن ساحرٍ يَعْمَلُ على التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأزواجِ، وَهَدْمِ البُيُوتِ، وَتَشْتِيتِ الأسرِ؟

أو أنَّ شَخْصًا قدِ اتَّخَذَ مَصْنَعًا لِلْخَمْرِ بِجِوَارِ بَيْتِكَ؟

أو أنَّ مَن حَوْلَكَ جَعَلَ مَسْكَنَهُ تَجَمُّعًا لِلسَّهَرِ وَالْمُجُونِ؟

أو عَلِمْتَ بِمَنْ يَتَعَدَّى على أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ وَيَصِلُ إِلَى حُرُمَاتِهِم، وَيَنْتَهِكُ أَعْرَاضَهُم؟

أَوْ رَأَيْتَ زَمِيلًا تارِكًا لِصَلاتِهِ،
أَوْ قَرِيبًا عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ؟

أو شَاهَدْتَ حِسَابَاتِ الضَّلَالِ وَالْفَسَادِ على مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ؟

هذه بعضُ المنكراتِ التي تكون في المجتمعاتِ.

وإِنَّ النَّاسَ لو تُرِكُوا يَفْعَلُونَ ما شاؤوا، وَكَيْفَما شاؤوا، يَحْتَجُّونَ بِالحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ، وَعَدَمِ التَّدَخُّلِ في شُؤُونِ الآخَرِينَ، ثُمَّ لا يَقُومُ مَنْ يَأْخُذُ على أَيْدِيهِم، وَيَرُدُّهُمْ عن غَيِّهِم، وَيُبَصِّرُهُمْ بِخَطَئِهِم، وَيَنْصَحُ لَهُمْ؛

لَغَرِقَ المُجْتَمَعُ، وَسَاءَتْ أَخْلَاقُهُمْ، وَفَسَدَتْ أَفْكَارُهُمْ، وَتَفَكَّكَتِ البُيُوتُ، وَسَادَ الخَوْفُ على الأَعْرَاضِ وَالأَمْوَالِ.

أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

تَصَوَّرُوا سَفِينَةً في عُبَابَ الْبَحْرِ، مَحْمُولَةً بِالنَّاسِ، مُؤَلَّفَةً مِنْ طَابِقَيْنِ؛ فِي أَسْفَلِهَا قَوْمٌ، وَفِي أَعْلَاهَا آخَرُونَ. فَخَطَرَ لِلَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا أَنْ يَشُقُّوا لَهُمْ خَرْقًا فِي الطَّابِقِ الَّذِي يُقِيمُونَ فِيهِ؛ لِيَسْتَقُوا الْمَاءَ مُبَاشَرَةً، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ أَهْلُ الطَّابِقِ الأَعْلَى لِمَنْعِهِم، بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فِي نَصِيبِهِم، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَدَخَّلَ فِيمَا يَفْعَلُونَ…

فَأَيُّ مَصِيرٍ تَنْتَظِرُهُ السَّفِينَةُ؟!

اِسْمَعْ ـ يَا رَعَاكَ اللهُ ـ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يُجَسِّدُ لَنَا حَالَ الْأُمَّةِ إِذَا تَخَلَّتْ عَنْ شَعِيرَةِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ؛

فَقَدْ قَالَ ﷺ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا".

إِنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالْخَيْرِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْفَسَادِ، مِنْ خَصَائِصِ هٰذِهِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.

قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

وَلِأَجْلِ ذٰلِكَ، كَانَتْ هٰذِهِ الشَّعِيرَةُ الْعَظِيمَةُ سَبَبًا فِي التَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ، وَنَصْرِ اللهِ لِعِبَادِهِ.

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

أيُّهَا الكِرَامُ…

بِالاحتِسَابِ تَعلُو الشَّعَائِرُ وتَقوَى، وَتَنتَشِرُ الطَّاعَاتُ، وَيَضْمَحِلُّ البَاطِلُ، وَتَقِلُّ المُنكَرَاتُ، وَيَشتَدُّ صَفُّ المُؤمِنِينَ، وَيَرتَدِعُ السُّفَهَاءُ وَالْمُفْسِدُونَ.

إِنَّ عِبَادَةَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ رَكِيزَةٌ مِنْ رَكَائِزِ الدِّينِ؛ فَالتَّفْرِيطُ فِيهَا ضَيَاعٌ لِلدِّينِ، وَاخْتِلَالٌ فِي نِظَامِ الآمِنِينَ.

وَيُحَذِّرُنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي ذٰلِكَ، فَيَقُولُ: «كَلَّا وَاللهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ، وَلَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ قُلُوبَكُمْ بِقُلُوبِ بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ».  أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه

عباد الله.. وَمِنْ سُنَنِ اللهِ الْمَاضِيَةِ أَنْ يُسَلِّطَ الْعُقُوبَاتِ وَالنَّكَبَاتِ عَلَى تِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتِ الَّتِي تُتْرَكُ فِيهَا الحريّةُ لِلْفَسَادِ وَالْمُفْسِدِينَ لِيَعِيثُوا فِي الْأَرْضِ بِلَا حَسِيبٍ وَلَا رَقِيبٍ؛ فَإِنَّ الْمُنْكَرَ إِذَا فَشَا فِي أُمَّةٍ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقِفُ فِي طَرِيقِهِ، حَلَّ بِهَا الْعَذَابُ وَالْهَلَاكُ.

وإنَّما يَنزلُ الهلاكُ بالأممِ إذا كثُرت ذنوبُها، ولا تكثرُ الذنوبُ إلا إذا عُطِّلتْ شعيرةُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر؛ أمّا إذا بقي في الأمة مَن يَصدع بالحق ويأمر وينهى، فإنّ الله يدفع بهم العذاب، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ﴾،

وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.

وفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟» قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ».

وَمِن ثَمَّ ـ إِخْوَةَ الإِيمَانِ ـ فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَبْقَى فِي الأُمَّةِ مَنْ يَصْدَعُ بِالْحَقِّ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى.

وَإِنَّ فِيمَا قَصَّهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنَّهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لَعَنَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِم؛ بِسَبَبِ عِصْيَانِهِم، وَتَعْطِيلِهِمْ شَعِيرَةَ الْحِسْبَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَسُكُوتِ أَحْبَارِهِمْ عَنْ سُفَهَائِهِمْ وَأَشْرَارِهِمْ.

قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

هٰذِهِ الأدلةُ تُوَضِّحُ أَنَّ الْمُجْتَمَعَ بِكُلِّ فِئَاتِهِ وَأَطْيَافِهِ َشُرَكَاءُ فِي الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَشُرَكَاءُ فِي النَّتِيجَةِ؛ الصُّلَحَاءُ وَغَيْرُ الصُّلَحَاءِ.

وَيَهْلِكُ الصَّالِحُونَ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ، وَالسَّفِينَةُ إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ رُكَّابُهَا أَجْمَعُونَ.

وقدْ قالَ ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ». أخرجه مسلم

وَمِنْ أَجْلِ هٰذَا لَا يَسُوغُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَمَلَّصَ مِنْ شَرَفِ الْقِيَامِ بهذا الواجبِ الشَّرْعِيِّ العظيمِ، وَهٰذِهِ المَسْؤُولِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الجَلِيلَةِ، فيَرَى تَقْصِيرًا فِي مَعْرُوفٍ ثُمَّ لَا يَسْعَى فِي حِفْظِهِ، وَيَرَى مُنْكَرًا ثُمَّ يَتَجَاهَلُهُ وَكَأَنَّهُ لَا يَعْنِيهِ.

والأشدُّ مِنْ ذلك، والأَنْكَى، أَنْ لَا يَحْتَفِيَ بِمَنْ يَحْمِلُ شَرَفَ هٰذَا الْعَمَلِ، نَاهِيكَ بِمَنْ يَنْتَقِصُهُ، أو يَزْعُمُ أنَّ ذٰلِكَ تَدَخُّلٌ فِيمَا لا يَعْنِيهِ، أَوْ تَدَخُّلٌ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْآخَرِينَ وَحُرِّيَّاتِهِمْ.

أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَلْنَحْذَرْ ـمِنْ أَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ خَالَفُوا هٰذِهِ الشَّعِيرَةَ، وَقَلَبُوا مَوَازِينَ الْفِطْرَةِ؛ حينَ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى قَائِلًا: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾.

وَلْنَكُنْ كَمَا أَرَادَ اللهُ لَنَا، حَيْثُ قَالَ: ﴿ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ ۝ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَمَسَـٰكِنَ طَیِّبَةࣰ فِی جَنَّـٰتِ عَدۡنࣲۚ وَرِضۡوَ ⁠نࣱ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ ﴾.

أَقُولُ قَوْلِي هٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ.

فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.


 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تعظيمًا لِشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، الدَّاعي إلى رِضوانِهِ، صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ إلى يومِ الدِّين.

أمّا بعدُ ـ أيّها المؤمنون ـ:

فَإِنَّ مَهمَّةَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَشْرَفِ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، وإحياءُها في المجتمع عبادةٌ جليلة، ولَا يَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَصَدَّى لَهَا إِلَّا وَهُوَ مُتَجَمِّلٌ بِأَخْلَاقِهَا.

أَوَّلُ هٰذِهِ الصِّفَاتِ: الإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى.

فَالآمِرُ أوِ النَّاهِي يَعْمَلُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ ربِه؛ لَا لِمَنْفَعَةٍ شَخْصِيَّةٍ، وَلَا انْتِصَارٍ لِلنَّفْسِ، وَلَا لِحَظِّ ذَاتِهِ.

قَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾

فَإِذَا صَلُحَتِ النِّيَّةُ صَلُحَ الأَثَرُ، وَبَارَكَ اللهُ فِي الْعَمَلِ.

وَمِنْ صِفَاتِ الْقَائِمِ بِهٰذِهِ الشَّعِيرَةِ: العِلْمُ وَالْبَصِيرَةُ وَالْحِكْمَةُ.

فَهِيَ عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ لَا يَقُومُ بِهَا جَاهِلٌ، بَلْ يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا إِلَى فِقْهٍ وَبَصِيرَةٍ؛ يَمِيزُ بِهِمَا المَعْرُوفَ مِنَ الْمُنْكَرِ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ هٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾

وَقَالَ: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

وَمِنْ أَخْلَاقِهِ: الرِّفْقُ وَالْحِلْمُ.

فَالْمَقْصُودُ لَيْسَ التَّشَفِّي، وَلَا إِذْلَالُ الْمُخْطِئِ، بَلْ هِدَايَتُهُ وَإِنْقَاذُهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

«إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».

وَأَمَرَ اللهُ مُوسَى وَهَارُونَ أَنْ يُلِينَانِ الْقَوْلَ لِفِرْعَوْنَ، فَقَالَ:

﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾

فَإِذَا كَانَ هٰذَا مَعَ فِرْعَوْنَ، فَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى وَأَحَقُّ أَنْ يُنَاصَحَ بِاللُّطْفِ، وَجَمِيلِ الكلامِ.

هذا، وصلُّوا وسلِّموا رحمكمُ الله على خير البريَّة، وأزكى البشرية.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد.

اللهم رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

اللَّهُمَّ أَرِنَا الحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّر

اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ، وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَنَ، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، الدالّين على الهدى، الموفَّقين للصواب

اللهم أصلِح لي ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لي دُنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لي آخرتنا التي إليها معادنا

اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك

اللهم وفِّقْ ولاة أمرِنا لما تحبُّ وترضى، وخُذ بنواصيهم للبرِّ والتقوى، وبارِك في أعمالهم، وانصر بهم الدِّين، وأعزَّ بهم الإسلام والمسلمين

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1763721912_الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- للجوال.pdf

المشاهدات 107 | التعليقات 0