إليكُمْ يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ 23/1/1447هـ

خالد محمد القرعاوي
1447/01/21 - 2025/07/16 22:08PM
إليكُمْ يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ 23/1/1447هـ
الحمدُ لله خلَق الإنسانَ ولم يَكُنْ شيئًا مَذكورًا، أَحْسَنَ صُورتَهُ فَجعَلَهُ سميعًا بصيرًا، هَدَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكرًا وإمَّا كَفُورًا، أشهد ألا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ إنَّه كان حليمًا غفورًا، وأشهدُ أَنَّ سيِّدَنَا وَنَبِيِّنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إنَّه كان عبدًا شكورًا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا الله عليه فكانَ جَزاؤُهم مَوفُورًا ,والتابعينَ لهم وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا مزيدًا. أمَّا بَعْدُ: أيُّها الناس، اتَّقُوا اللهَ تعالى، فإنَّ التقوى خيرُ لباسٍ وأفضلُ وزادٍ: (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الألْبَابِ).
أيُّها الكرامُ : الشبابُ هم كنزُ الأمَّةٍ وذخرُها الدائمُ، بِهم يُبني الْمَجْدُ وَالْحَضَارَةُ والتَّقَدُّمُ، وَشَبَابُ اليوم هم رجالُ الْمُستقَبَلِ، فَبِهِمَّةِ الشَّبَابِ وَخِبْرةِ الشُّيوخِ تَبْني الأُمَّةُ حَضَارَتَهَا، وَلا بُدَّ مِن قُوَّةِ الشَّبَابِ وَحِكْمَةِ الشَّيُوخِ حتى تَسِيرَ سَفِينَةُ الحيَاةِ وَيَسْتَمِرَّ العَطَاءُ وَالنَّمَاءُ؛
لذا أولى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الشَّبَابَ عِنَايَةً خَاصَّةً فَأَخَذَ يُوجِّهُهُمْ وَيَأْخُذُ بِأَيدِيهِمِ وَيُعطِيهِمْ أَسْرَارَهُ في بعضِ الْمَواقِفِ وَيُؤمِّرُهُمْ عَلَى جُيُوشٍ فِيهَا أَكَابِرُ أَصْحَابِهِ! حتى نَشَأَ شَبَابٌ على العَفَافِ وَالْنَّقَاءِ وَالطَّهَارَةِ وَالْمَسؤُولِيَّةِ وَتَحَمُّلِ الْمَواقِفِ وَالصِّعَابِ.
عِبَادَ اللهِ: الْمُتَأَمِّلُ في السِّيرَةِ يجدُ الشَّبَابَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ معَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَنَصَرُوا دِينَهُ، أَمَّا بَعْضُ الشُّيُوخِ فَقَد خَالَفُوهُ, لأنَّهم تَشَرَّبُوا الكُفْرَ كَابِرًا عَن كَابِرٍ، لِذَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أُوصِيكُمْ بِالشَّبَابِ خَيرا فإنَّهُم أَرَقُّ أَفْئِدَةً، ألا وَإنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ فَحَالَفَنِي الشَّبَابُ وَخَالَفَنِي الشُّيُوخُ).
مَعَاشِرَ الشَّبابِ: هَنيئًا لكم أَنَّ اللهَ في كتابهِ الكَريمِ ذَكَر أَوصَافًا لَكُمْ على سَبيلِ الْمَدحِ وَالثَّنَاءِ فَقَدْ وَصفَ أَصحَابَ الكَهْفِ أَنَّهم: (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).
وَامْتَدَحَ الشَّابَ يُوسُفَ عَليهِ السَّلامُ بِأنَّه مِن أَهْلِ العِفَّةِ وَالخشْيَةِ مِنَ اللهِ فَلمَّا قَالَتْ له امرأةُ العزيزِ
هَيْتَ لَكَ قَالَ: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
وَالشَّابُ إسْمَاعِيلُ عَليهِ السَّلامُ لَمَّا أَبْلَغَهُ وَالِدُهُ عَليهِ السَّلامُ بِأَنَّ اللهَ أُمرَهُ بِذَبْحِهِ قَالَ: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
مَعَاشِرَ الشَّبابِ: لَقَدْ سَمَّى اللهُ مَرْحَلَتَكُمْ مَرْحَلَةَ الْقُوَّةَ !فَقَالَ تَعَالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).
وَأَوْصَى نَبيُّ اللهِ عَبدَ اللهِ بنَ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ شَابٌّ فَتِيٌ بِقَولِهِ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحتَكَ قَبْلَ مَرَضِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوتِكَ). وهذا ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما شَابُّ فتيٌّ كانَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على دَابَّةٍ فَقَالَ لَهُ: (يَا غُلامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ).
مَعَاشِرَ الشَّبابِ, وَيَا أَيُّهَا الآبَاءُ الْكِرَامُ: لَقَدْ فَاجَأتْنَا الهَيئَةُ الْعَامَّةُ للإحْصَاءِ قَبلَ أيَّامٍ أَنَّ نَسْبَةَ 74% أرْبَعَةٍ وَسَبْعِينَ بالْمَائةِ من الشَّبَابِ لَمْ يسبْقْ لَهُمْ الزِّواجُ وَنِسْبَةَ الإنَاثِ الشَّابَّاتِ غَيرِ الْمُتَزَوَّجَاتِ بَلَغْتَ 57% سَبْعَةً وَخَمْسِينَ بِالْمَائَةِ تَقْرِيبًا. فَعِنْدَهُمْ عُزُوفٌ وَهُرُوبٌ مِن الزِّواجِ وَمَسْؤولِيَّاتِهِ. وَهذِهِ نِسْبٌ مُخِيفَةٌ تَحْتَاجُ مِنَّا جَميعًا إلى وَقَفَاتٍ وَحُلُولٍ سَرِيعَةٍ. كَيفَ وَقَدْ أَوْصى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الشَّبَابَ بِقَولِهِ لهم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ). وَلَنَا مَعَ هذَا الْحَدِيثِ حَدِيثٌ قَادِمٌ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. عَبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعتَنِي بِالشَّبَابِ نُصْحًا وَتَوجِيهًا، وَتَعْلِيمًا وَتَرْبِيَةً! وَعَلى تِلْكَ الْخُطَى بِمَشِيئَةِ اللهِ يَعْمَلُ الْمُخْلِصُونَ والْنَّاصِحُونَ فِي مَمْلَكِتَنَا الْغَاليَةِ مِنْ وُلاةٍ، وَمَسْؤولِينَ، وَمُرَبِيِّنَ، وَمُصْلِحِينَ. نَسْأُلَ اللهَ لَكُمْ يَا شَبَابَنَا أَنْ يَجْعَلَكُمْ ذُخْرًا لَنَا وسَنَدًا وَأَنْ يُيَسِّرَ الْخَيرَ لَكُمْ وَبِكُمْ وَأَنْ يَحْفَظَكُمْ مِن كُلِّ شَرٍّ وَمَكْروهٍ وَتَذَكَّروا قَولَ اللهِ تَعَالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). أقول قَولي هَذَا، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولِلمُسلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فَاسْتَغْفُرُوهُ، إنَّهُ هوَ الغَفورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْنَّاصِحُ الأَمِينُ، نَصَرَهُ رَبُّهُ بِشَبَابٍ صَالِحِينَ. الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَالتَّابِعينَ لهم بِإحْسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَأَسْعَدَهُ وأَرْضَاهُ.
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: أَنَّتُم عِمَادُ الأُمَّةِ ا وعِزُّها وَفَخْرُهَا، أَنْتُمْ فَخْرُ الآبَاءِ والأُمَّهاتُ، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا). وَبِصَلاحِكُمْ يَمْتَدُّ البِرُّ وَالإحْسَانُ، فَفِي الْصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.( نَحْنُ نَتَطَلَّعُ لِصَلاحِكُمْ فَكُونُوا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّنَا بِكُمْ. وَإنَّنَا وَاللهِ يَا أَبْنَائَنا لَنَأْسَى لِشَبَابٍ ضَلُّوا السَّبِيلَ! وَتَخَبَّطُوا في الظُّلَمِ! لأَنَّهُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ, وَلَهَا مُضَيِّعُونَ! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
وَاللهِ يَا شَبَابَنَا لَنَأْسَى لِشَبَابٍ قَلَّدُوا الكفَّارَ وَحَذَو حَذْوَهُمْ شِبرًا بشرٍ وَذِرَاعًا بِذَراعٍ! تَرَاهُمْ في تَرَفٍ وَمُيُوعَةٍ, وَغَرَامٍ وَأَغَانٍ مَاجِنَاتٍ! ولا عَجَبٌ أَنَّ النِّسَاءَ تَرَجَّلَتْ * وَلَكنَّ تَأْنِيثَ الرِّجَالِ عُجَابُ
كَيفَ وَقَدْ لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ!
عِبَادَ اللهِ: تَجِدُ مِن شَبَابِنَا مَنْ انْسَاقَ خَلْفَ وَسَائِلِ الاتِّصَالاتِ بِأَنْوَاعِهَا وَنَسِيَ الوَاجِبَاتِ وَتَعَدَّى على الْمُحَرَّمَاتِ وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).
رِسَالَتُنَا لَكُمْ يَا شَبَابَنَا وَيَا قُرَّةَ الأَعْيُنِ أَنْ تَدْرِكُوا أَنَّكُم أَمَلُ الوالِدَينِ، وقُرَّتُ العَينينِ ,فلا تَبِيعُوا دِينَكُمْ وَكَرَامَتَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَهْوَةٍ عَابِرَةٍ، وَلَذَّةٍ آثِمَةٍ! فَتَحَلَّوا بِالحَيَاءِ, فَالحيَاءُ كُلُّهُ خَيرٌ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ تَحفَظُوا الرَّأَسَ وَمَا وَعَى وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى وَأَنْ تَذْكُرُوا الْمَوتَ وَالبِلَى !
يَعيشُ الْمَرءُ مَا اسْتَحيى بِخَيرٍ وَيَبْقَى العُودُ مَا بِقَيَ اللِّحَاءُ
فَمَرْحَلَتُكُمْ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ فَاغْتَنِمُوهَا بما يَنفَعُ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
فَاللهم أصلح شَبَابَنَا وَنَوِّر قُلُوبَهم بالإيمَانِ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ. رَبَّنَا اجْعَلْنَا مُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَاتِنَا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دَعَاء. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. وأذلَّ الشرك والْمشركين ودمِّر أعداء الدين اللهم آمنا في أوطاننا ووفِّقْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمورِنَا وَاجْزِهِمْ خيرا على خدمَةِ الإسلامِ والمسلمين. وَانصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنَا. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا والمسلمين أجمعين. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
 
المشاهدات 181 | التعليقات 0