إن هذه أمتكم 27 ــ 3 ــ 1447هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أيها المسلمون: أُمَةٌ مُسْلِمَةٌ أَقَامَتْ وَجَهَها لَلدِّيْن، كِتَابُ اللهِ لَها دُسْتُورٌ، وَرَسُوْلُ اللهِ لَهُ إِمَام. أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْم. لَهَا صَرْحٌ شَامِخٌ وأَسَاسٌ رَاسِخٌ. عُنْوانُها فِيْ كِتَابِ اللهِ مَسْطُورُ {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالْبُنْيَانِ قَدْ شُدَّ أَصْلُهُ، وَرُصَّ بِإِحْكَامٍ فَقامَ لهُ شأنُ. أُمَّةٌ واحِدَةٌ عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَدِيْنٍ قَوِيْم، لا تَتَفرَّقُ في مَتَاهَاتِ الضَّلالِ، ولا تَتَشَعَّبُ في مَسَالِكِ الهوَى. اعْتِصَامٌ بِالعُرْوةِ الوُثْقَى لانْفِصَامَ لها. وَاسْتِمْسَاكٌ بِـحَبْلِ اللهِ المَتِيْنِ لا تَخَلِيَ عَنْه. تَتَوَحَّدُ كَلِمَتُها عَلى كَلِمَةِ التوْحِيْدِ، فَلا تَـخْتَلِفُ ولا تَتَفَرَّقُ، ولا تَنْحَرِفُ ولا تَحِيْد. تَرْتَقِي الأُمَّةُ إِلى أَرْقَى مَرَاقِي السُّؤْدَدِ، وَتَعْتَلِيْ إِلى أَعْلَى قِمَمِ المَجْدِ إِنْ هِيَ عَلَى التَّوْحِيْدِ اتَّحَدَت، وإِنْ هِيَ عَلَى الشَّرِيْعَةِ ثَبَتتْ.
أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالبُنْياَنِ قَدْ شُدَّ أَصْلُهُ، وَرُصَّ بِإِحْكَامٍ فَقامَ لهُ شأنُ. وَلاؤُهَا للهِ وَعَدَاؤُها فِيْه، وَعُبُوِدِيَّتُها للهِ وَتَحَاكُمَها إِلَيْه، لا تَتَقَاتَلُ ولا تَتَنَاحَر، ولا تتقاطَعُ ولا تَتَدَابَر. تَنْثَنِيْ لِشَرْعِ اللهِ راضِيَةً إِنْ اخْتَلَفَت، وتَسْتَجِيبُ لُحْكْمِهِ مُذْعِنَةً إِنْ احْتَكَمَت، غَايَةُ المُؤْمِنِ أَنْ يَصْلُحَ بِذاتِهِ وأَنْ يَكُونَ مُصْلِحاً، وأَنْ يأَمَنَ وأَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَن، وأَنْ يَعِزَّ ويَسْعَى في عِزِّ أُمَّتِه. تُحِيْطُ بالأُمَةِ المَخاطِرُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وتَتَلاطَمُ حَوْلَها الفِتَنُ مِنْ كُلِّ اتِّجاهٍ. لَها أَعْدَاءٌ يُجاهِرُونَهَا بالعَداءِ وآخَرُونَ بالخَفاءِ يَتآمَرُون، ولَها أَعداءٌ يُصَرِّحُونَ بالمَكْرِ، وآخَرُونَ بالنِّفَاقِ يَسْتَتِرُون {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}
يَسْعَى الأَعداءُ لَتَمْزِيْقِ أُمَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ويَسْعَونَ لإِحْداثِ الفُرْقَةِ فِيْها. يَسْعَونَ لِإِشْعالِ نارِ الفِتَنِ في الأُمَةِ وَيَسْعَونَ لِإِضْعافِ الولاءِ فِيْها. وإِذا جَهِلَ الـمُسْلِمُ أَنَّ ولاءَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ للهِ ولِرَسُولِهِ وللمؤْمِنِيْن، صَرَفَ ولاءَهُ إِلى عَصَبِيَّةٍ، وانْجَرَفَ نَحْوَ حَمِيَّةٍ جَاهِلِيَّة. وإِذا جَهِلُ المُسْلِمُ طَرِيْقَهُ تَخَبَّطَتْ في المَسِيْرِ خُطاه. وكُلَّما ضَعُفَ الوَلاءُ في الأُمَةِ ضَعُفَتْ قُوَّتُها. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
يَشْتَدُّ عِمادُ الأُمَةِ ويَقْوَى أَساسُها، ويُهابُ مُلْكُها ويَطِيْبُ غِراسُها، إِنْ هِيَ أَخذَتْ بأَسْبابِ النَّصْرِ وعَمِلَتْ بأَسْبابِ التَّمْكِيْن، تَسْتَمِدُّ مَنْهَجَها في ذَلِكَ مِنْ كِتابٍ مِنَ اللهِ مُحْكَمٍ، ومِنْ هَدِيٍ للرَّسُولِ قَوِيْم. فَما أَدْرَكَت الأُمَةُ نَصْراً إِنْ لَمْ يَكْنُ لَها فيهِ مِنَ اللهِ فيهِ مَدد {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} لَنْ تُؤْتَى الأُمَّةُ مِنْ عَدُوٍ عَنِيْدٍ وَلا مِنْ مَاكِرٍ بَعِيْدٍ، وَإِنَّما تُؤْتَى الأُمَّةُ مِنْ عُمْقِ دَارِها إِنْ تَخَلَّلها خَلَل، وَمِنْ سُوْءِ حَالِها إِنْ حَلَّ بِها زَلل. تَهُونُ الأمةُ إِنْ وَهَنَتْ عَنْ الشَّرِيْعَةِ عَزِيْمَتُها، أَو َتَرَاخَتْ عَنِ القُرْآنِ قَبْضَتُها، أَوَ قَلَبَتْ عَنِ السُّنةِ قِبلَتَها. وما تَمَكَّنَ عُدُوٌّ مِنْ الأُمَةِ في بُقْعَةٍ مِنْ بِقاعِها، إِلا لِخَلَلٍ أَحْدَثَتْهُ الأُمَةُ فِي مَنْهَجِها. والأُمَةُ جَسَدٌ كَامِلٌ لا يَتَجَزَّأَ {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
لَنْ تُؤْتَى الأُمَّةُ مِنْ عَدُوٍ عَنِيْدٍ، وَلا مِنْ مَاكِرٍ بَعِيْدٍ. مَا حَفِظَتِ الأُمَةُ أَمْرَ اللهِ فيها، فَإِنْ هِيَ أَضَاعَتْ أَمْرَ اللهِ ضَاعَت، وإِنْ هِيَ أَخَلَّتْ بِمَنْهَجِ الشَّرِيْعَةِ هَلَكَت، عَنْ ثَوبانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «..وإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أنْ لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ. وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنِّي إذا قَضَيْتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ، وإنِّي أعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أنْ لا أُهْلِكَهُمْ بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، ولَوِ اجْتَمَع عليهم مَن بأَقْطارِها ـــ أَيْ ولَو اجْتَمَعَ عَلِى حَرْبِهِم مَنْ بأَقِْطارِ الأَرْضِ مِنَ الأُمَمِ الكَافِرَةِ وتَآمَرُوا عليهم ــ حتَّى يَكونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، ويَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ــ أَيْ حَتى تَكُونُ الفُرْقَةُ بَيْنَهُم والتَناحُرُ والتَدَابُرُ والعَداءُ ــ فَتَضْعُفُ قُوَّتُهُم، ويُرْفَعُ ضَمانُ اللهِ عَنْهُم ــ» متفق عليه تَفَرُّقُ الأُمَةِ للأَعْدَاءِ قُوَّة، وتَناحُرُها بِيَدِ الأَعداءِ سِلاحٌ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
وأَخْطَرُ طَرِيْقٍ تَنْجَرِفُ بِهِ الأُمَةُ إِلى هَذَا الخَطَرْ، طَرِيْقُ النَّمِيْمَةِ والوِشَايَةِ والتَّحْرِيْش. قومٌ يَمْتَهِنُونَ النَّمِيْمَةَ وَيَسْعَوْنَ في التَّفَرِيِقِ بَيْنَ المؤُمِنِيْن، لَيْسَ لَهُمْ في طَلَبِ الإِصْلاحِ سَعْيٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِلى تَأْلِيفِ القُلُوْبِ سَبِيْل. فَلا تَقُوْمُ في الأُمَةِ قَائِمَةُ صَفاءٍ إِلا شَوَّشوها، ولا تَسْطَعُ فِيْها لُوحَةُ نَقَاءٍ إِلا خَدَشُوها. أَعْداءٌ لِكُلِّ باذِلٍ، خُصُومٌ لِكُلِّ ناصِح، يَتَرَصَّدُونَ أَهْلَ الفَضْلِ لِيَنْتَقِصُوهُم، ويَتَتَبَّعُونَ خُطُواتِهِم لَنْتَقِدُوهُم. فَلا هُمْ على ثُغُورِ الأُمَةِ أَقامُوا، ولا هُمْ كَفُّوا عَنْ المُرابِطِيْنَ عليها، ولا هُمْ على السَّبِيْلِ اسْتَقَامُوا. غُمِسُوا في الفِتْنَةِ فَكَانَ عَمَلُهُم سَعْيٌ في تَفْرِيْقِ الأُمَةِ، يَلْتَمِسُوْنَ المعاذِيْرَ لِكُلِّ مُنْحَرِفٍ وَغَوِيّ، ويَخْتَلِقُونَ الْمَثَالِبَ لكُلٍ مُؤمِنٍ وتَقِي. رَفَعُوْا رَايةَ الشَّيْطَانِ فَهُمْ لَه دُعاةٌ، وسارُوا في رِكابِهِ فَهُم لَهُ أَعْوان. تَحْرِيْشٌ بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ، وتَصْدِيْعٌ لِصُفُوفِ الأُمَةِ، أَلا ساءَ ما يَزِرُون. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الشَّيْطانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ» رواه مسلم
أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلى إِيَاسِ بنِ مُعَاوِيَةَ رحمه الله فَقَالَ لَهُ: يَا إِيَاس، إِنَّ فُلاناً قَدْ ذَكَرَكَ بِسُوءٍ! فَنَظَرَ إِلَيْهِ إِيَاسٌ وَقَال: أَغَزَوْتَ فَارِسَ؟ قَالَ الرَّجُلُ: لا، قَالَ أَغَزَوْتَ: الرومَ والسِّنْدَ والهِنْدَ؟ قَالَ الرَّجُلُ: لا، قَالَ: أَفَتَسْلَمُ مِنْكَ فَارسُ والرُّوْمُ والسِّنْدُ والهندُ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْكَ أخوكَ المسلمُ؟!. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ إِيَاس. {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} بارك الله لي ولكم..
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ النَّبِيُّ الأَمِيْنُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً.
أَما بعد: فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْن.
أيها المسلمون: آمِنَ في دَارِهِ، مُطْمَئِنٌ في قَرارِهِ، يَرُوحُ ويَغدُو في عَافِيَةٍ، يَتَقَلَّب في البِلادِ يَتَنَقَّلُ بَيْنَ أَرْجائِها لا يَخْافُ إِلا اللهَ. في رِزْقٍ رَغِيْدٍ، وعَيْشٍ مَدِيْدٍ، وخَيْراتٍ تَتَوالَى، في زِحامٍ مِنَ النِعَمِ لا يُحْصِيْ لَها عَدٌّ. ولا يُدْرَكُ لَها حَدٌّ.
زِحامٌ مِنَ النِعَمِ أَمَدَّنا اللهُ بِها، يُطْرِقُ العَبْدُ أَمامَها حَياءً مِنْ رَبِهِ، حِيْنَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَسْلُك بِها طَرِيْقَ الشَّاكِرين {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
نِعَمٌ مِنَ اللهِ لا تُحْصَى، فَمَنْ أَسْندَ الفَضْلَ فيها لِغَيْرِ اللهِ أَشْرَك، ومَنْ شَكَرَ فِيْها غَيْرَ اللهِ هَلَك. أَمانُ النِّعَمِ وضَمانُها، وقَيْدُها وَوِثَاقُ بَقائِها. بَلْ ومَدَدُها وطَرِيْقُ مَزِيْدِها. لا يَكُونُ إِلا بِدَرْبِ الشَّاكِرِيْن {فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} ومُقَابَلُةُ اللهِ بِها بالعِصْيانِ، مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ زَوالِها. كَذا قَالَ رَبُنا سُبْحانَه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
مُرْتَكَزُ الأَمَنِ الإِيْمانُ، وضَمانُ الحِفْظِ العَدْلُ، وقِوامُ الأَمْرِ اسْتِقَامَةُ المِيْزان {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} ومِيْزانُ العَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ وفِيْهِم، لا يَسْتَقِيْمُ بِغَيْرِ كِتابِ اللهِ وسُنُةُ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم مُرْتَكَزُ الأَمَنِ الإِيْمانُ، فَمَنْ أَضاعَ الإِيْمانَ أَضاعَ الأَمَان {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
مُرْتَكَزُ الأَمَنِ، أَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ مُلازِماً لِحُدودِهِ، مُراعِياً لِواجِباتِه، فَمَنْ لَزِمَ الحُدودَ وأَدَّى الوَاجِباتِ فَذاكَ الآمِنُ المُؤْتَمَن. ومَنْ نَصَحَ للهِ وَلِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ، فَذاكَ الصَّالحُ المُصْلِح. رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرْضاه. مُرْتَكَزُ الأَمَنِ، أَنْ يَلْزَم المُسْلِمُ جَماعَةَ المُسْلِمِيْنَ وأَنْ لا يَتَخَبَّطَ عَنْها، فَمَنْ انْحَرَفَ عَنْ جَماعَةِ المُسْلِمِيْنَ المُعْتَصِمَةِ بالكِتابِ والسُّنَةِ، فَلَنْ تَسْلَمَ لَهُ دُنْياً، ولَنْ يَسْلَمَ لَهُ دِيْن {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} اللهم احفظ إيماننا وأمننا..
المرفقات
1758183914_أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ 27ــ 3ــ 1447.docx