إياك نعبد وإياك نستعين
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ..
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ.. لَا نَزَالُ مَعَ هٰذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ، سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، نَقِفُ مَعَ كَلِمَاتِهَا وَنَتَدَبَّرُ مَعَانِيَهَا. وَهٰذِهِ الْيَوْمَ وَقْفَتُنَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[.
آيَةٌ جَامِعَةٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِ، جَمَعَتْ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْوَسِيلَةِ، بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ، بَيْنَ الذُّلِّ لِلَّهِ وَالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ.
الْعِبَادَةُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- لَيْسَتْ رُكُوعًا وَسُجُودًا فَحَسْبُ، بَلْ هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
تَبْدَأُ بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ، وَتَمْتَدُّ إِلَى كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَضَعُهَا فِي فَمِ زَوْجَتِكَ تُكْتَبُ لَكَ بِهَا حَسَنَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ).
]إِيَّاكَ نَعْبُدُ[ تَوْحِيدٌ وَإِخْلَاصٌ، تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ ]إِيَّاكَ[ عَلَى الْفِعْلِ ]نَعْبُدُ[ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَصْرِ، أَيْ: لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، لَا سُجُودَ إِلَّا لَكَ، وَلَا خُضُوعَ إِلَّا لِعَظَمَتِكَ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَتِكَ.
وَقَدْ جَسَّدَ الصَّحَابَةُ هٰذَا الْمَعْنَى فِي حَيَاتِهِمْ؛ فَلَمَّا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) هَكَذَا كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ لَيْسَتْ عَادَةً، بَلْ حَيَاةً وَمَعْنًى وَغَايَةً
]وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ عَوْنٌ وَتَوَكُّلٌ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ هِيَ سِرُّ الْقُوَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ، وَمِيزَانُ التَّوْفِيقِ فِي كُلِّ أَمْرٍ.
عِنْدَمَا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مُهَاجِرًا، وَالْعَدُوُّ يَتَرَبَّصُ، قَالَ لِصَاحِبِهِ ]لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[ فَكَانَتِ الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ دِرْعَهُ الْوَاقِيَةَ وَسِلَاحَهُ الْبَاطِنِيَّ.
وَيَوْمَ بَدْرٍ، لَمَّا نَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ كَتِفَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ (اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هٰذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْيَوْمِ) فَاسْتَغَاثَ بِرَبِّهِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.
فَسُبْحَانَ مَنْ جَمَعَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ دِينَهُ كُلَّهُ، فَقَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾،
فَتَدَبَّرُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- مَعَانِيَ هٰذِهِ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ، وَاجْعَلُوهَا مِيثَاقًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَحَيَاةٍ، وَجَدِّدُوا فِي قُلُوبِكُمْ عَهْدَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا نَجَاحَ وَلَا فَلَاحَ إِلَّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَالِاخْلَاصِ لَهُ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا عِبَادَتَهُ حَقَّ الْعِبَادَةِ، وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدَ الْحَسَنَ، وَالثَّنَاءَ الْجَمِيلَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.. مَنْ عَرَفَ مَعْنَى ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ عَاشَ حَيَاةَ الْقُوَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، لَا يَذِلُّ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يَطْلُبُ الْعَوْنَ إِلَّا مِنْهُ.
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t كَتَبَ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ، إِنَّمَا النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِكَثْرَةِ عَدَدٍ وَلَا عُدَّةٍ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَأَخْلِصْ لَهُ النِّيَّةَ. فَكَانَتْ كَلِمَاتُهُ دُسْتُورًا فِي التَّوَكُّلِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ.
]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ فِي الْقَلْبِ.
]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ طُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ وَسَكِينَتُهَا.
]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ.
]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ التَّوَازُنُ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْأَمَلِ، بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالأَسْبَابِ.
فَرَدِّدْهَا فِي صَلَاتِكَ بِقَلْبٍ خَاشِعٍ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُخْلِصِينَ، الَّذِينَ يَعْبُدُونَكَ حَقَّ الْعِبَادَةِ، وَيَسْتَعِينُونَ بِكَ فِي كُلِّ أَمْرٍ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1760642673_إياك نعبد وإياك نستعين.pdf
1760642691_إياك نعبد وإياك نستعين.docx