اغتنام الأيام الفاضلة ووصايا للحجاج *تعميم الوزارة* 3-12-1446
محمد آل مداوي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد عباد الله: فأوصي نفسي وإيَّاكُم بتقوَى اللهِ عزَّ وجل، اتَّقُوا اللهَ عِبادَ الله، واسْتَعِدُّوا لِلِقَائه، وتَزَوَّدُوا مِن دُنيَاكُمْ لِأُخْرَاكُم، اليَومَ عَمَلٌ ولَا حِسَاب، وغَدًا حِسَابٌ ولا عَمَل، واعْلَمُوا أنَّ الأيَّامَ والليالي خَزَائنُ أعمالِكم، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
عبادَ الله: أحبُّ الأعمَالِ الصَّالحةِ إلى الله؛ الأعمالُ الصَّالحةُ في هذهِ الأيَّام؛ متى ما كانتْ خالصةً لله، موافقةً لسنِّةِ رسول الله r، جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ r أنهُ قال: (مَا العَمَلُ في أَيَّامِ العَشْرِ أَفضَلَ مِنَ العَمَلِ في هَذِه)، قَالُوا: ولَا الجِهَاد؟ قالَ: (ولَا الجِهَاد؛ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْء) رواهُ البخاري. وفي رِوَايَةٍ: (مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِندَ اللَّه، ولَا أَعظَمَ أَجْرًا، مِنْ خَيرٍ يَعْمَلُهُ في عَشْرِ الأَضحَى).
وقالَ r: (مَا مِنْ أيَّامٍ أَعظَمُ عِندَ اللَّهِ، ولَا أَحَبُّ إلَيهِ؛ مِنَ العَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهلِيلِ، والتَّكبِيرِ، والتَّحمِيد)
أيامٌ عظيمةٌ مِنْ أيَّامِ الله، مَوسِمٌ عظيم: تُغفَرُ فيهِ الذُّنوبُ، وتُكَفَّرُ فيهِ السَّيِّئات، وتُقَالُ فيه العثَرَات، وتُقبَلُ فيه الدَّعَوَات، وتُرْفَعُ فيهِ الدَّرَجات، وتتنزَّلُ فيهِ الرَّحَـمَات.. أيَّامٌ جَمَعَتْ خَصائصَ الفَضْل، الطَّاعَاتُ فيها أعظَمُ أجرًا، وسَاعَاتُها أرفَعُ قَدْرًا..
يُشرَعُ فيها ويُستحَب: الإكثَارُ مِنْ ذِكْرِ الله عز وجل: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، فيَجْهَرُ العَبْدُ في كُلِّ أيَّامِ العَشرِ بالتَّكبيرِ والتَّحمِيد، والتَّسبيحِ والتَّهليل؛ تَكبِيرًا مُطلَقًا غيرَ مُقَيَّدٍ بالصَّلوات، يُكَبِّرُ في البَيتِ والطريق، والمسْجِدِ والسُّوق، ويُسْمِعُ أهلَهُ وأولادَهُ حتى يَفْعَلوا مِثلَه. فإذا دَخَلَ فَجْرُ اليَومِ التَّاسِع، وهو يومُ عَرَفة؛ أُضِيفَ إليهِ التَّكبيرُ المُقيَّدُ بالصَّلوات، ويَستَمِرُّ إلى عَصرِ آخِرِ أيَّامِ التَّشرِيق، وهو الثَّالث عَشَرَ مِنْ ذي الحِجَّة.
فأكثرُوا رحمكم الله: في هذه الأيام المباركة؛ من ذكرِ الله جلَّ وعلا: فإِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ.. أعظمُ الصَّائمينَ أجرًا، وأعظمُ الحجَّاجِ أجرًا، وأعظمُ المتصدِّقينَ أجرًا، وأعظَمُ الـمُصَلِّينَ أجرًا: أكثرُهُمْ ذِكْرًا للهِ عزَّ وجل.. فأديموا ذكرَ الله في قلوبِكم، واجعلُوا ألسنتكم رطبةً من ذكرِهِ جلَّ في عُلاه، واتخذوا من الأسبابِ المشروعةِ ما يُعِينُكُمْ على ذلك.
وفي هَذهِ العَشْرِ عبادَ الله: يَومُ عَرَفَة؛ يَومٌ شَرِيف، يَبْسُطَ اللهُ فيهِ الخَيرات، وتتَنزَّلُ فيهِ البركَات، ويَفِيضُ فيهِ إحسَانُ اللهِ وَجُودُه، وفَضْلُهُ وكَرَمُه.. وصَومُهُ لغيرِ الحَاج؛ يُكَفِّرُ سَنتين؛ سُئِلَ النبيُّ r عن صَومِ يَومِ عَرَفةَ، فقال: (يُكفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيةَ والباقِيَة)، وسيكون يَومُ عَرَفَةَ, هَذَا العَامَ يَوم الخَمِيسِ فعَظِّمُوهُ وصُومُوه، وحُثُّوا أبناءَكُمْ وأَهلِيكُمْ على الصِّيامِ والدُّعاء، قالr: "خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة
وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّونَ من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"
قال ابنُ عبد البر رحمه الله: "وفي الحديث دليلٌ على أنَّ دعاءَ يومِ عرفة مُجَابٌ في الأغلب، وأنَّ أفضلَ الذِّكر: لا إله إلا الله".
ألَا فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، الْزَمُوا السُّنَّة، واغْتَنِمُوا الأيّامَ الفَاضِلَة، فمَا أَسْرَعَ تَقَضِّيها، وبَادِروا الأعمَارَ بالأعمَالِ، فالمَوتُ عَمَّا قَليلٍ سيُلاقِيها: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفِروه إنَّه كان غفَّارا.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ مَوَاسِمَ الخيراتِ مَربَحًا ومَغْنَما، وأيَّامَ البَركَاتِ إلى جَنَّاتِهِ طَرِيقًا وسُلَّما، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورَسُولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعد: يقولُ النبيُّ r: (الحجُّ المَبرورُ ليسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجنة)
فمَنْ كانَ منكم عبادَ الله: مُقبِلاً على الحَج؛ فَلْيَسْتَعِنْ بالله، ولْيَحْتَسِبْ في إِتمَامِ حَجِّهِ كمَا أمَرَ الله، آخِذًا نُسُكَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ r..في حَجِّكَ وَعُمْرَتِكَ فَهُو القَائِلُ:( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ). وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُريدُ بِنَا اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِنَا العُسْر فلا تَشُقَّ على نَفْسِكَ وَلا عَلى مَنْ مَعَكَ فَخُذُوا بِمَا يَتَيَسَّرُ مِنَ الرُّخَصِ. فقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللهَ يُحبُّ أَنْ تُؤتَى رُخصُه ُكَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤتَى مَعْصِيَتُهُ).
أَيُّهَا الْحَاجُ الكَرِيمُ: عليكَ بِالسَّكِينَةِ في كُلِّ خَطَوَاتِكَ فَهِيَ وَصِيَّةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلحُجَّاجِ حِيَن قَالَ: (السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ). فَالْتَزِمُوا الرِّفْقَ وَالِّلينَ، وَاحْذَرُوا التَّدَافُعَ وَإيذَاءَ الآخَرِينَ.(فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الْحَجِّ). وَالْتَزِمُوا بِالأَنْظِمَةِ وَلِينُوا بِأَيْدِي الْمَسؤُولِينَ وَنَفِّذُوا تَوجِيهَاتِهِمْ وَابْتَعِدُوا عَن مَوَاطِنِ الخَطَرِ والزِّحامِ، وَلا تَتَعَرَّضُوا لِلشَّمْسِ. حَفِظَكُمُ اللهُ في حِلِّكُمْ وَتِرْحَالِكُمْ. وَزَوَّدَكُمُ اللهُ التَّقْوى وَغَفَر ذُنُوبَكُمْ وَيَسَّرَ لَكُمُ الْخَيرَ حَيثُ ما كُنْتُمْ.
ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ الله.. عَرَفْتُمْ فَضْلَ عَشْرِكُم، فاعْمُروها بِطَاعَةِ ربِّكم؛ فَإنَّهَا مَوْسِمٌ عَظِيم، والرِّبْحُ فيها كَبِير.. أكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وتسبيحِهِ وحمدِه، كَبِّروا في الأرجَاءِ والأنحاء، كَبِّروا في العُمرانِ والفَضاء، كَبِّروا في الصَّباحِ والمسَاء، كَبِّروا حتى يُرْفَعُ تَكبِيرُكم في السَّمَاءِ: الله أكبرُ الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبرُ الله أكبرُ ولله الحمد.
ثم الصلواتُ الزاكيات، والتسليماتُ الدائِمات، على أشرفِ خلقِ الله محمدٍ رسول الله.. اللهم صلِّ وسلِّم وبَارِك عليه، وعلى آلِ بيتِه الطيبينَ، وعلى أزواجِه أُمَّهاتِ المؤمنين، وارضَ اللهمَّ عن الخُلفاءِ الراشدين، وعن الصحابةِ أجمعين، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشركَ والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لِمَا تحب وترضى، اللهمَّ وَفِّقْه ووليَّ عهده لِمَا فيه صلاحُ العبادِ والبلاد..
اللهم سلِّم الحجاج والمعتمرين، وأعِدْهُم إلى بلادهم سالمين غانمين، واجعل أعمالنا وأعمالهم صالحةً خالصةً، مقبولةً مشكورةً يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّجْ همَّ المهمومين، ونفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1748518009_اغتنام الايام الفاضلة ووصايا للحجاج 3-12-1446.docx