التَّحذِيرُ مِنَ الجَشَعِ وَالمُبَالَغَةِ فِي المَكَاسِبِ (خطبة قصيرة )
فهد فالح الشاكر
🕌
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ التَّحذِيرُ مِنَ الجَشَعِ وَالمُبَالَغَةِ فِي المَكَاسِبِ
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وَنَهَى عَنِ البَغْيِ وَالعُدْوَانِ، وَجَعَلَ القَنَاعَةَ غِنًى، وَالرِّضَا رَاحَةً وَأَمَانًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنْ اتَّقَى رَبَّهُ فَازَ وَانْتَصَرَ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ خَسِرَ وَانْكَسَرَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَبْتَلِي اللهُ بِهِ عِبَادَهُ فِي دُنْيَاهُمْ: اخْتِبَارَهُمْ بِالمَالِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَشْكُرُ فَيُبَارَكُ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْغَى فَيُعَاقَبُ. وَقَدْ دَعَا دِينُنَا الحَنِيفُ إِلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ، وَنَهَى عَنْ اسْتِغْلَالِ حَاجَاتِهِمْ وَظُرُوفِهِمْ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾.
وَالْمُطَفِّفُ فِي زَمَانِنَا لَيْسَ مَنْ يُنقِصُ الكَيْلَ وَالمِيزَانَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ كُلُّ مَنْ يَبْخَسُ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ أَوْ يُبَالِغُ فِي المَكَاسِبِ دُونَ رَحْمَةٍ وَلَا ضَمِيرٍ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ:
إِنَّ وَلَاةَ أَمْرِنَا ـ حَفِظَهُمُ اللهُ ـ يَدْعُونَ دَوْمًا إِلَى التَّرَاحُمِ وَالتَّكَافُلِ، وَقَدْ وَجَّهَتِ الوِزَارَةُ بِتَخْصِيصِ هَذِهِ الخُطْبَةِ تَذْكِيرًا لِلمُسْلِمِينَ بِوَاجِبِ الرَّحْمَةِ، وَتَحْذِيرًا مِنَ الجَشَعِ وَالمُبَالَغَةِ فِي الأَسْعَارِ وَالعَقَارَاتِ.
إِنَّ رَفْعَ الإِيجَارَاتِ وَالمُبَالَغَةَ فِي الأَثْمَانِ دُونَ حَاجَةٍ أَوْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ عَدْلٍ هُوَ مِنَ الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، فَقَالَ:
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ يَا مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكُمْ بِالعَقَارِ وَالمَالِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ البَرَكَةَ لَا تَكُونُ فِي الكَثْرَةِ، بَلْ فِي العَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ.
وَكَمْ مِنْ مَالٍ جَمَعَهُ صَاحِبُهُ بِالجَشَعِ فَأَذْهَبَهُ اللهُ، وَكَمْ مِنْ رِبْحٍ يَسِيرٍ بُورِكَ فِيهِ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّهُ اتَّقَى اللهَ فِي عِبَادِهِ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللهِ، كُونُوا رُحَمَاءَ فِي تَعَامُلِكُمْ، سَمْحَاءَ فِي بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ، مُرَاعِينَ لِظُرُوفِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ.
فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
وَفِي زَمَانٍ اشْتَدَّتْ فِيهِ حَاجَاتُ النَّاسِ، وَارْتَفَعَتْ فِيهِ الأَسْعَارُ، فَإِنَّ التَّيْسِيرَ عَلَى المُسْتَأْجِرِينَ، وَالتَّخْفِيفَ عَنِ المُحْتَاجِينَ، مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ الَّتِي يُثِيبُ اللهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ سَبَبٌ لِدَوَامِ النِّعْمَةِ وَبَرَكَةِ المَالِ.
وَقَدْ قَالَ ﷺ:
«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعْلَمُوا أَنَّ المَالَ أَمَانَةٌ، وَالعَقَارَ نِعْمَةٌ، وَالمَكَاسِبَ مَسْؤُولِيَّةٌ، وَأَعْظَمُ التِّجَارَةِ هِيَ تِجَارَةُ الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُتَرَاحِمِينَ المُتَعَاطِفِينَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَرْزَاقِنَا، وَأَبْعِدْ عَنَّا الجَشَعَ وَالطَّمَعَ، وَاغْنِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَدِمْ عَلَى بِلَادِنَا الأَمْنَ وَالإِيمَانَ، وَالرَّخَاءَ وَالِاسْتِقْرَارَ، وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المرفقات
1759932456_خطبة عن الجشع والمبالغة في المكاسب.pdf