الحج طاعة، والأمن والأمان نعمة
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَىٰ عِبَادِهِ مِنْ نِعَمٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ، عِبَادَ اللَّهِ، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ التَّقْوَىٰ: شُكْرَ النِّعْمَةِ، وَالِاعْتِرَافَ بِالْفَضْلِ، وَالثَّبَاتَ عَلَىٰ الطَّاعَةِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ .. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَىٰ عِبَادِهِ الحُجَّاجِ بِأَنْ أَتَمُّوا مَنَاسِكَهُمْ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ تَسْتَوْجِبُ الحَمْدَ وَالشُّكْرَ، قَالَ تَعَالَىٰ ]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ[ وَقَالَ فِي خِتَامِ المَنَاسِكِ ]فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ[ ثُمَّ قَالَ ]ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ[.
إِنَّ نِعْمَةَ إِتْمَامِ الحَجِّ نِعْمَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وَمَنْ وُفِّقَ لِأَدَاءِ هَذَا الرُّكْنِ العَظِيمِ فَقَدْ أُتِيحَ لَهُ مَا لَمْ يُتَحْ لِغَيْرِهِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "الْعُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ".
فَيَا مَنْ وَقَفْتَ عَلَىٰ صَعِيدِ عَرَفَاتَ، وَيَا مَنْ بَاتَ فِي مُزْدَلِفَةَ، وَرَمَى الجَمَرَاتَ، وَطَافَ وَسَعَى، احْمَدِ اللَّهَ عَلَىٰ هَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ.
احْمَدُوا اللَّهَ عَلَىٰ تَوْفِيقِهِ لَكُمْ لِأَدَاءِ هَذَا الرُّكْنِ العَظِيمِ، وَاسْأَلُوهُ القَبُولَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ أَنْ تُقَابَلَ بِطَاعَةِ المُنْعِمِ، لَا بِعِصْيَانِهِ، وَأَنْ تُثْمِرَ فِي القَلْبِ تَوَاضُعًا وَخَشْيَةً، لَا غُرُورًا وَلَا عُجْبًا، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ لِنَبِيِّهِ ﷺ ]وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ[ فَلَا تَغْتَرُّوا بِأَعْمَالِكُمْ، بَلْ قُولُوا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ[.
عِبَادَ اللَّهِ .. إِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ القَبُولِ: أَنْ يُوَاصِلَ العَبْدُ طَاعَتَهُ بَعْدَ الحَجِّ، فَالحَجُّ لَيْسَ نِهَايَةَ المَطَافِ، بَلْ هُوَ انْطِلَاقَةٌ جَدِيدَةٌ فِي طَرِيقِ الطَّاعَةِ، وَعَلَامَةٌ عَلَىٰ تَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، وَعَهْدٍ جَدِيدٍ مَعَ اللَّهِ، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثَوَابُ الحَسَنَةِ الحَسَنَةُ بَعْدَهَا، وَعُقُوبَةُ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةُ بَعْدَهَا.
فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي حَجِّكَ، فَلْيَظْهَرْ ذٰلِكَ فِي اسْتِقَامَتِكَ، فِي صَلَاتِكَ، فِي خُلُقِكَ، فِي تَعَامُلَاتِكَ.
ثَبَّتَكَ اللَّهُ عَلَىٰ الطَّاعَةِ، وَتَقَبَّلَ مِنْكَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ الذَّاكِرِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ، وَأَفْضَلِ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَصَبَرَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. نَشْكُرُ اللَّهَ أَوَّلًا عَلَى مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نَجَاحٍ كَبِيرٍ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ، فَقَدْ تَيَسَّرَتِ الْأَحْوَالُ، وَتَحَقَّقَتِ الْآمَالُ، وَسَارَ الْـحُجَّاجُ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ بِفَضْلِ اللَّهِ، ثُمَّ بِفَضْلِ الْـجُهُودِ الْـجَبَّارَةِ مِنْ وُلَاةِ الْأَمْرِ، الَّذِينَ جَعَلُوا خِدْمَةَ الْـحُجَّاجِ شَرَفًا وَوَاجِبًا.
فَالشُّكْرُ مَوْصُولٌ لِكُلِّ مَنْ سَاهَمَ فِي نَجَاحِ هٰذَا الْمَوْسِمِ، مِنْ رِجَالِ الْأَمْنِ، وَمَنْسُوبِي وَزَارَةِ الْـحَجِّ، وَالْهِـلَالِ الْأَحْمَرِ، وَالصِّحَّةِ، وَالْمُتَطَوِّعِينَ، وَكُلِّ الْعَامِلِينَ فِي الْمَيْدَانِ، قَدْ رَأَيْنَا كَيْفَ اسْتَقْبَلُوا الْـحُجَّاجَ بِالْبِشْرِ وَالتَّرْحِيبِ، وَكَيْفَ وَدَّعُوهُمْ بِالسَّلَامَةِ وَالدُّعَاءِ بِالْقَبُولِ، فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا، وَكَتَبَ أَجْرَهُمْ، وَبَارَكَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَعْمَارِهِمْ.
إِنَّ هٰذِهِ الْـجُهُودَ الْمُبَارَكَةَ تُعَدُّ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَأَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، لِأَنَّهَا فِي خِدْمَةِ وُفُودِ الرَّحْمَنِ، وَفِي تَسْهِيلِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُثِيبَ كُلَّ مَنْ بَذَلَ وَسَاهَمَ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، عَلَىٰ مَا قَدَّمَ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الْـحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَرُدَّهُمْ إِلَىٰ دِيَارِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، مَغْفُورًا لَهُمْ، مَأْجُورِينَ غَيْرَ مَأْزُورِينَ. اللَّهُمَّ احْفَظْ خَادِمَ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَوَفِّقْهُ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَبَارِكْ فِي عُمُرِهِ وَعَمَلِهِ. اللَّهُمَّ اجْزِ وَلِيَّ عَهْدِهِ الْأَمِينَ خَيْرَ الْـجَزَاءِ، وَبَارِكْ فِي جُهُودِهِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ رِجَالَ الْأَمْنِ، وَكُلَّ الْعَامِلِينَ فِي خِدْمَةِ الْـحَرَمَيْنِ، وَوَفِّقْ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالدَّاعِمِينَ وَالْمُتَطَوِّعِينَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْ هٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىٰ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَىٰ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1749716893_الحج طاعة، والأمن والأمان نعمة.pdf
1749716904_الحج طاعة، والأمن والأمان نعمة.docx