الحـــج يـسـر وطمـأنينة_ موافقة للتعميم.

الحـــج يـسـر وطمـأنينة

موافقة للتعميم.

الخطـبـة الأولى

 

الحمدُ للهِ الَّذي هدى عبادَه إلى صراطِه المستقيم، وشرعَ لهم مناسكَ الدين القويم ، نحمدُه سبحانه ونشكرُه على نِعَمِه الجليلة، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أمّا بعد، فيا أيُّها المسلمون:

أُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، فهي وصيّةُ اللهِ لعبادِه المؤمنين، قال جلَّ شأنه:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: ٧٠].

عبادَ الله: من أعظم نِعَم اللهِ تعالى على عباده، أن شرع لهم فريضةَ الحجِّ، فهي عبادةٌ عظيمة، وركنٌ ركينٌ من أركانِ الإسلام، من قامَ بها كما أمرَ اللهُ ورسولُه، كانت له نورًا وأجرًا وغفرانًا.

وقد وجَّه النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحُجَّاجَ في حجَّة الوداعِ توجيهًا نبويًّا خالدًا، فقال:

«يا أيُّها النَّاسُ، خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» [رواه مسلم]،

وفي هذا توجيهٌ كريمٌ للأمّةِ أن يكونَ هديُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلَّمَ هو المرجعُ والقدوةُ في أداءِ هذه الشعيرةِ العظيمة.

فنقول لمن تيسر له الحج هذا العام

أيّها الحاجُّ المبارك:

إذا أردتَ حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، فعليك بالسكينةِ والوقار، فقد كان رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم يُنادِي في النَّاسِ ويقول:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيكُم بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ البِرَّ لَيسَ بِالإيضَاعِ» متفق عليه.

والإيضاع السرعة بالمشي ونستفيد من الحديث أن البر ليس بالعجلة وإنما هو بالخضوع والخشوع والاستكانة لمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

والهدوء والسكينة أعون على حضور القلب.

والحكمة في النهي عن الإسراع في قصد العبادة ما يفضي إليه الإسراع من التزاحم والتدافع وأذية المسلمين.

فما أحوجَ الحاجَّ إلى الترفّقِ في أدائِه، والصّبرِ في حركتِه، والرّحمةِ في تعامُله، فإنّ اللهَ لا يحبُّ العُنفَ، وإنّما يُعطي على الرّفقِ ما لا يُعطي على سِواه.

معاشرَ المسلمين:

من رحمةِ اللهِ بهذه الأمّة، أن شرع لهم الرُّخَصَ الشّرعيةَ في الحجِّ، تخفيفًا وتيسيرًا، قال تعالى:

﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥]،

وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُؤْتَى رُخَصُهُ، كما يُحبُّ أن تُؤْتَى عزائمُه» [رواه أحمد].

فلا يُضيّق الإنسانُ على نفسِه، ولا يُشدِّد، بل يأخذُ بما يُيسّره اللهُ له في حدودِ الشّرع.

وهناك تطبيقات كثيرة نعرف من خلالها عظيم فضل الله على هذه الأمة وما وسع عليها في أمر دينها.. ونذكر بعضها :

أولا: الأصل في الإحرام أن يكون عند المواقيت المكانية المحددة ، لكن يجوز لقاصد الحج أن يحرم قبل الميقات إن خشي فواته لجهل به أو نوم ، أو نحو ذلك .

ثانيا: جواز لبس المخيط إن كانت ثمة ضرورة تستدعي ذلك ، كبرد ، وجرح وما أشبه ذلك ، مع وجوب الفدية على الصحيح .

ثالثا: لا حرج على المحرم أن يغتسل للتبرد ويغسل رأسه ويحكه برفق وسهولة إذا احتاج إلى ذلك.

رابعا : للمحرم أن يغسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ ونحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لبسه .

خامسا: لا حرج في عقد الإزار وشد ما يحفظ المال على الوسط.

سادسا: يباح للمرأة من المخيط ما شاءت من الثياب من غير تبرج ولا زينة ، إلا أنها لا تلبس النقاب والبرقع ولا القفازين ، وإذا احتاجت إلى أن تضع الخمار على وجهها فلا حرج عليها ، بل ينبغي لها أن تسدل خمارها إذا قابلت الرجال الأجانب .

سابعا: الأصل في وقوف عرفة أن يكون نهارا حتى تغيب الشمس ولكن لو تأخر الحاج ولم يقف إلا وقتا يسير من الليل ليلة النحر بعد غروب يوم عرفه فإن ذلك يجزئه على وهو مما اتفق أهل العلم عليه وهذا من التيسير ولله الحمد لكن من وقف نهارا ثم انصرف قبل غروب الشمس؛ فعليه دم عند أكثر أهل العلم.

ثامنا من تيسير الله على الحجاج:

أن الأصل في وقت الرمي أيام التشريق أن يكون بعد الزوال إلى الغروب ، لكن أجاز بعض أهل العلم الرمي ليلا ، إن كان ثمة حاجة تدعو لذلك ، كخوف زحام وتدافع ، وعدم تمكن من الوصول إلى المرمى.

هذه بعض التيسيرات والرخص التي أكرمنا الله بها فله الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.

اللهم يسر للحجاج حجهم وتقبل منهم ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرّحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الَّذي شرعَ لنا من الدينِ ما فيه صلاحُ القلوبِ والأبدان، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد، أيُّها المؤمنون: من تمامِ الحجِّ وأداءِ النسكِ كما يحبُّه الله، أن يتحلّى الحاجُّ بآدابِ الحجِّ، ومن ذلك:

الصّبرُ والرفقُ واللين.

تجنُّب التدافعِ والأذى.

كفُّ اللسانِ عن الجِدالِ والرفثِ والفسوق.

قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: ١٩٧].

وإذا كان الحجُّ تربيةً للنفسِ وتزكيةً لها، فليحذر الحاجُّ من كلِّ ما يُفسِدُ حجَّه أو يُنقِصُ أجرَه، ولْيتذكَّر أنَّه في ضيافةِ اللهِ وفي حِماه.

عباد الله: من الواجبِ كذلك الالتزامُ بالأنظمةِ والتعليماتِ الصادرةِ من الجهاتِ الرسميّة، فقد أمرَنا ربُّنا بقوله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: ٥٩].

وما تضعُه الجهاتُ المختصّةُ من تعليماتٍ وخططٍ إنّما هو لحفظِ الأرواحِ وتنظيمِ الشعيرة، فلا يجوزُ التهاونُ بها، ولا التسلُّلُ للحجِّ دونَ تصريحٍ، فإنّ في ذلك إثمًا ومخالفةً، وربّما تسبّب في إرباكِ الحجِّ وضررِ الآخرين.

أيّها المسلمون: من تمامِ الأسبابِ المشروعةِ لحفظِ النفسِ:

البُعد عن التعرّض المباشر للشّمس،

الحرص على شربِ الماءِ الكافي،

تجنّب أماكنِ الزّحام،

الالتزام بالمواعيد والإرشادات الصحيّة.

هذا واعلموا أنكم في أيام عظيمة

بل هي أحب الأيام إلى الله تبارك وتعالى فاجتهدوا وأروا الله من أنفسكم خيرا..

اجتهدوا تلاوةً، وصلاةً، وبراً، وإحسانا..

اعملوا وبادروا صياما وقياما وتطوعا وعلما وصدقةً، وصلةً وتزودوا فإن خير الزاد التقوى..

واعلموا أن التعب يذهب ويبقى أجره وتدوم لذته..

وأذكر من نوى الأضحية بأن يبقى على نيته ولا يتساهل في تفويت إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمنعه ارتفاع الأسعار أو غيره أن يضحي إن كان مستطيعا ‏﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ وعليه - أي من نوى الأضحية - أن يمسك عن شعره وأظفاره امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم أهله ومن يضحى عنهم ذلك فيجوز لهم التقصير والحلق إنما الذي يمسك المضحي بنفسه ولا يلزم أهله ولا من يضحي عنه ذلك كما تقدم على الصحيح.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم لك أن بلغتنا أعظم أيام الدنيا اللهم كما بلغتنا أولها بلغنا آخرها وبارك لنا فيها ووفقنا فيها لعمل تحبه وترضاه...اللهمّ تقبّل من الحُجّاج حجَّهم واحفظهم ، واغفر ذنوبَهم، وبلّغهم تمامَ مناسكِهم، واجعل حجّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، ودعواتهم مستجابة وعمنا معهم بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين اللهم وفق من يقومون على الحج وسددهم ووفق خادم الحرمين وولي عهده وأعنهم وسددهم

اللهمّ احفَظ ضيوفَك يا ربَّ العالمين، ويسّر لهم أداءَ مناسكهم في أمنٍ وأمانٍ وصحةٍ وسلامة، ووفّق القائمين على خدمتهم لكلّ خير. واكفنا شر من أراد بنا وبالحج شرا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، وصلِّ اللهمّ على محمّدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

المرفقات

1748389767_الحج يسر وطمأنينة.pdf

المشاهدات 776 | التعليقات 0