الرسول صلى الله عليه وسلم والأطفال

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/03/05 - 2025/08/28 05:35AM

1
الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأطفال ( راشد البداح – الزلفي ) 6 ربيع الأول1447 هـ
الحمدُ للهِ كما يُحِبُ ربُنا ويرضاهُ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ولا معبودَ حقٌ سواهُ. وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أفضلُ نبيٍ وأزكاهُ. فصلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ وأعطاهُ فأرضاهُ، أما بعدُ: فاتَّقُوا {الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ(132)أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ(133)وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الشعراء132-134]

هذا سؤالٌ مهمٌ يتكررُ كثيراً: كيفَ أتعاملُ مع الأطفالِ؟!

والجوابُ خُذهُ من سيرةِ خيرِ مُرَبٍ ومعلِّمٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

لقدْ كانَ رسولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحتفِي بالأطفالِ منْ أولِحياتِهِمْ رُضَّعاً، فيُؤْنِسُ أهلَهم، ثم يتلقاهُم بحُبٍّ. وخذْ مثالاً يَقطُرُ رقةًوعذوبةً:

جاءَ أنسُ بنُ مالكٍ بأخيهِ عبدِ اللهِ وليداً للتوِّ، قد أرسلتْهُ أمُّهُ ومعهُتمراتٌ؛ يقولُ أَنَسٌ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ يكوِي بهِ إبلَ الصدقةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟». قُلْتُ: نَعَمْ، فَوَضَعَ المِيسَمَ، فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ.

ونُلاحظُ أن أنساً أتى النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو منشغلٌ، لكن لم يقُلْ لهُ: ائتنِي بهِ في وقتٍ آخرَ، بل تركَ العملَ، وأخذَ المولودَ، وتفاعَلَمع أَنَسٍ بأُنْسٍ وقالَ: «أمَعَهُ شَيْءٌ؟». قلتُ: نعمْ، تمراتٌ. فأَخَذَهَا، ‌فَلَاكَهَا‌فِي ‌فِيهِ ‌حَتَّى ‌ذَابَتْ، ‌ثُمَّ ‌قَذَفَهَا فِي فِيِّ الصَّبِيِّ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ». فَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ().

ولكَ أن تتخيلَ أمَّ سليمٍ كيفَ سيكونُ شعورُها وسرورُها بتلكَ الحفاوةِبمولودِها الذي عمرُهُ سويعاتٌ؟

ثم أتدرِي ما أروعُ شيءٍ يَعلَقُ بذهنِ الطفلِ؟ إنه النزولُ لمستواهُ،لمشاركتهِ التفاصيلَ الصغيرةَ لهمومِهِ واهتماماتِهِ! وخذْ هذا المثالَالعجيبَ:

قالَ أنسٌ: كانَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلُ علينا فيُضاحِكُأخاً لي فَطِيماً -أي في الثالثةِ من عمرهِ- فدخلَ يوماً فرأى الصبيَّ واجماً حزيناً، لأن طائرَهُ الذي يَلعَبُ بهِ قد ماتَ. فأقبلَ على الطفلِ ليُسَلِّيَهُ، ويقولُ: «يَا ‌أَبَا ‌عُمَيْرٍ، مَا ‌فَعَلَ ‌النُّغَيْرُ؟»(). أي: أخبرنيْ كيفَ ماتَطائرُكَ، فيتفاعَلُ الصبيُّ ويرويْ قصةَ موتهِ بتأثرٍ.

وخذْ مثالاً آخرَ لطيفاً في ملاعبةِ الأطفالِ: فهذا الطفلُ الصحابيُّمحمودُ بنُ الربيعِ أبقَى في ذاكرتهِ مشهدًا خالداً، حيثُ قالَ: عَقَلْتُ ‌مَجَّةًمَجَّهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وَجْهِي، ‌وَأَنَا ‌ابْنُ ‌خَمْسِ ‌سِنِينَ. أي: قَذَفَ الماءَ من فمِهِ على وجهِ الطفلِ().

وهذا الموقفُ عجيبٌ؛ فإن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يُمكنُ أن يفجأَ طفلاً غافلاً بمَجَّةٍ في وجههِ يَفجعُهُ بها؛ ولكنَّ صورةَ الموقفِ لم تكتمل، فإنها تدلُّ على أنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يُضاحِكُهُويُؤانِسُهُ، فتطورَ هذا المزاحُ إلى أن مجَّ في وجههِ الماءَ.

إنه مشهدٌ عظيمٌ، يَندرجُ تحتَ قولِ ربِّنا العظيمِ، عن نبيهِ العظيمِ:﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى ‌خُلُقٍ ‌عَظِيمٍ﴾.

الحمدُ للهِ اللطيفِ الخبيرِ، وصلى اللهُ وسلمَ على البشيرِ النذيرِ. أما بعدُ:

وثَمّ مشهدٌ نبويٌّ أبويٌّ، يجمَعُ فنونَ التعاملِ مع الأنوثةِ في طفولتِها، ومع الطفولةِ في أنوثتِها:

فقد كانَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقسِمُ ثياباً على أصحابهِ، فبقيَ بين يديهِ كساءٌ صغيرٌ مُخطَّطٌ جميلٌ، وإذا هوَ يقولُ لأصحابهِ: «مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟». فسكتُوا، لا يَدْرونَ مَن المخصوصُ بهذا الكساءِ؟! فقالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ». أتدرونَ كمْ عُمُرُ أمِّ خالدٍ هذهِ؟ إنها طفلةٌ لا يتجاوزُ عمرُها الأربعُ سنواتٍ، فتراهُ يُكنِّيها مزيداً في إكرامِها، وإسعادِ والدَيها، والطفلُ يحبُ ويَفخرُ أن تُعامِلَهُ كالكبارِ، ويَرسَخُ في ذهنهِ كلُّ موقفٍ إيجابيٍ نحوَه حتى يَشِيخَ.

فجاءَ بها أبُوها يَحملُها، ولا تَحملُه الأرضُ من الفرحةِ، فأقبلَ عليها النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلبِسُها الخميصةَ بيديهِ الكريمتينِ، حتى إذا التمعَتْ في عينيها فرحةُ الطفولةِ بالجديدِ، جعلَ يشاركُها فرحتَها، ثم يُكنِّيها قائلاً: «يَا أُمَّ خَالِدٍ سَنَا»(). أي: هذا جميلٌ؛ بلغةِ الحبشةِ التي تعلمَتْها حيثُ وُلدَتْ!

لقد كانَ يُمكنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتفيَ بإرسالِ الخميصةِللطفلةِ؛ ولكنهُ باشَرَ هذا بنفسهِ، واهتمَّ بكلِّ تفاصيلهِ، ثم عقَّبَهُ بدعاءٍيكرِّرُهُ: «‌أَبْلِي ‌وَأَخْلِقِي، ثُمَّ ‌أَبْلِي ‌وَأَخْلِقِي، ثُمَّ ‌أَبْلِي ‌وَأَخْلِقِي».يعني البسيهِ حتى يتخرَّقَ ثم استبدِليهِ بآخرَ.

وببراءةِ الطفولةِ، وعلامةً على ارتياحِ الطفلِةِ جعلَتْ تتحسَّسُ بيدِها الصغيرةِ خاتمَ النبوةِ بين كتفيهِ، فنهَرَها أبُوها على لَعِبِها هذا، وإذا العطفُ النبويُّ يغلبُ العطفَ الأبويَ، فيُدافِعُ عنها عندَ أبيها قائلاً: «دَعْهَا»! فلتلعبْ ما شاءتْ أن تلعبَ، فثَمَّ اللِّينُ والأبوةُ، وثمتَ عظمةُالأخلاقِ وجمالُ النبوةِ.

- فاللهم إنا آمنَّا بنبيِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحببناهُ واتبعناهُ وما رأيناهُ اللهم فلا تحرمْنا رؤيتَهُ يومَ القيامةِ.

- اللهم اجعلْنا من إخوانِهِ الذينَ تمنَّى رؤيتَهُمْ يومَ قالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.

- اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ بِنُوْرِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ الذِي أشْرَقَتْ لَهُ السَّمَواتُ والأرْضُ؛أنْ تَقْبَلَنَا برحمتِكَ في هَذِهِ السَّاعَةِ، وتَرْضَى عَنَّا رِضىً لا سَخَطَ بَعْدَهُ أبَدًا.

- اللهم بفضلِكَ أعطيتَنا الإسلامَ ونحنُ ما سألْناكَ، فأدخِلْنا الجنةَ برحمتِكَ ونحنُ نسألُكَ.

- اللهم احفظْ لنا دينَنَا وبلادَنا وجنودَنا وأدِمْ أمنَنا.

- اللهم وفِّقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهُما في رضاكَ.

- اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ

المرفقات

1756348492_‎⁨الرسول ﷺ والأطفال⁩.docx

1756348492_‎⁨الرسول ﷺ والأطفال⁩.pdf

المشاهدات 131 | التعليقات 0