العلامة الأولى المسيح الدجال

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ ابْتِلَاءٍ، وَالْآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ..

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُوقِظُ الْقُلُوبَ، وَيُزِلْزِلُ الْغَافِلِينَ، وَيَكْشِفُ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا: ذِكْرَ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى، تِلْكَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي إِذَا ظَهَرَتْ تَغَيَّرَ وَجْهُ الْحَيَاةِ، وَاقْتَرَبَ اللِّقَاءُ مَعَ اللَّهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.. نَبْدَأُ الْيَوْمَ بِأَعْظَمِ فِتْنَةٍ عَرَفَتْهَا الْبَشَرِيَّةُ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، كَمَا قَالَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ﷺ (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ).

هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، يُخْرِجُهُ اللَّهُ ابْتِلَاءً لِلنَّاسِ، سُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، وَسُمِّيَ الدَّجَّالَ لِكَثْرَةِ كَذِبِهِ وَتَلْبِيسِهِ وَخِدَاعِهِ. أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ «كَافِر»، يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ قَارِئٍ وَغَيْرِ قَارِئٍ. شَابٌّ، جَعْدُ الشَّعْرِ، عَرِيضُ الْجَبْهَةِ.

يَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، مِنْ أَرْضِ خُرَاسَانَ، وَيَطُوفُ الْأَرْضَ كُلَّهَا، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَإِنَّ عَلَيْهِمَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهُمَا. يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَأُسْبُوعٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِنَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. فِتْنَتُهُ عَظِيمَةٌ، لَيْسَتْ بِقُوَّةِ جَسَدٍ، وَلَا بِحُجَّةِ حَقٍّ، وَلَكِنْ بِخِدَاعِ الْعُقُولِ، وَزَلْزَلَةِ الْقُلُوبِ؛ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةِ ثُمَّ يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، كُلُّ ذَلِكَ ابْتِلَاءً مِنَ اللَّهِ. مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَجَنَّتُهُ نَارٌ، وَنَارُهُ جَنَّةٌ. يَقْتُلُ شَابًّا مُؤْمِنًا ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: وَاللَّهِ مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً.

وَمَعَ شِدَّةِ فِتْنَتِهِ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَعْوَرُ، مَحْدُودٌ، مَهْمَا طَغَى فَإِنَّ لَهُ نِهَايَةً.

عِبَادَ اللَّهِ.. يَشْتَدُّ بَلَاءُ الدَّجَّالِ، وَتَضِيقُ الْأَرْضُ بِالْمُؤْمِنِينَ، فَيَنْزِلُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، وَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَيَتْبَعُهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى يُدْرِكَهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، فَتَنْتَهِي أَعْظَمُ فِتْنَةٍ عَرَفَتْهَا الْأَرْضُ، وَيَنْكَسِرُ شَرُّهُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.

فَطُوبَى لِمَنْ ثَبَتَ، وَطُوبَى لِمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ لَمْ يَنْخَدِعْ بِالدَّجَّالِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ ذِكْرَ الدَّجَّالِ لَيْسَ لِتَخْوِيفِ الْقُلُوبِ، وَلَكِنْ لِتَثْبِيتِهَا، وَلَيْسَ لِنَشْرِ الرُّعْبِ، وَلَكِنْ لِزَرْعِ الْيَقِينِ. فَمَنْ ثَبَتَ فِي فِتَنِ زَمَانِهِ، ثَبَّتَهُ اللَّهُ عِنْدَ الْفِتَنِ الْعِظَامِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللَّهُمَّ اخْتِمْ لَنَا بِخَيْرٍ، وَاجْعَلْنَا مِنَ النَّاجِينَ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.