العِنَايَةُ بِكِبَارِ السَّنِّ

سعود المغيص
1447/03/12 - 2025/09/04 09:20AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أمّا بعد فياعِبادَ اللهِ:

اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الْمَكَارِمِ الْعَظِيمَةِ ، وَالْفَضَائِلِ الْجَسِيمَةَ، وَمِنْ أَعْظَمِ أسْبَابِ التَّيْسيرِ وَالْبَرَكَةِ، وَسَبَبٌ لِلْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ الْمُتَتَالِيَاتِ : اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ ، وَتَوْقِيرِهِمْ وَإجْلَالِهِمْ ، وَإِنَّ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الـمُسْلِمِ ، مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ سُبْحَانَه وَتَعَالَى، قَالَ ﷺ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ »، فَأَكْرِمْ ذَا الشَّيْبَةِ ، وَاعْرِفْ لَهُ قَدْرَه ، فَقَد سَبَقَكَ إِلى الإِسْلَام ، وعَانَى مُرَّ الأَيَّام ، وَوَهَنَتْ مِنْهُ العِظَام ، وَأَحْسِنْ مُعَامَلَتَهُ ، بِحُسْنِ الْخِطَابِ ، وَجَمِيلِ الإكْرَامِ ، وَطِيبِ الكَلَاَمُ ، وَالتَّوَدُّدِ إِلَيْهِ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَسْتَطِيلَ عَلَيْهِ أَوْ تَتَرَفَّعَ ، وَتَذَكَّرِ الْوَعِيدَ لِمَنْ لَا يُجِلُّ الْكَبِيرَ ، فَقَدْ قَالَ ﷺ : « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرِنَا ، وَيَرْحَمْ صَغِيرنَا »

وَمِنْ حُقوقِ كَبِيرَ السِّنِّ إِذَا لَقِينَاهُ أَنَّ نَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ ؛ اِحْتِرَامًا لَهُ وَتَقْديرًا ، وإِجْلَالًا وَتَوْقِيْرًا ، قَالَ ﷺ : ( يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي ).

ومِنْ حُقوقِ كَبِيرِ السِّنِّ تَقْدِيْمُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي الْكَلَاَمِ وَفِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالشَّرَابِ والطَّعَامِ ، قَالَ ﷺ : ( أَرَانِي أَتَسُوكُ بِسِوَاكَ، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ ، أَحَدَّهُمَا أكْبَرُ مِنَ الْآخِرِ، فَنَاوَلَتِ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا ، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ ، فَدَفَعَتْهُ إِلَى الْأكْبَرِ مِنْهُمَا) .

وَمِنْ حَقِّ الْمُسِنِّ الدُّعَاءُ لَهُ بِطُوْلِ الْعُمُرِ عَلَى طَاعَةِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ ، وَالتَّمَتُّعِ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ عَلَى الدَّوَامِ ، وتَوْعِيَتُهُ بِمَا يَحْفَظُ صِحَّتَهُ الْجَسَدِيَّةَ، وَتَعْرِيفُهُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيهَا فِي عِبَادَتِهِ وَأَحْوالِه.

ومِنْ حُقوقِ كَبِيرَ السِّنِّ أَنَّ نُنَادِيهِ بألْطف خِطَابٌ ، وَأَجْمَلِ كِلَاَمٍ ، وَأَلِيَنِ بَيَانَ، نُرَاعِي فِيهِ اِحْتِرَامَهُ وَتَوْقِيرَهُ ، وَقَدْرَهُ وَمَكَانَتَهُ ، كَأَنْ نُخَاطِبَهُ بـ"الْعَمَّ" ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْخِطَابَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التقْدِيرِ وَالتَّوْقِير، فَعَنْ أَبِي أُمَامَة بْن سَهْلٍ قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالعَزِيزِ الظُّهْرَ ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ ، فَقُلْتُ: يَا عَمٍّ ، مَا هَذِهِ الصَّلَاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْر، وَهَذِهِ صَلَاَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّتِي كَنَّا نَصْلِيُّ مَعَهُ [ فكانوا يُؤَخِّرونَ الظُّهْرَ جِدًّا ، وأَنَسٌ رضيَ

اللهُ عنه صلى العَصْرَ أوَّلَ وقْتِها عَلى السُّنَّة ] .

عِبَادَ اللهِ : إِنَّ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ مَعَ الْأكَابِرِ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ : « أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ » قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولِ اللهِ، قَالَ: « خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعَمَارًا إِذَا سُدِّدُوا » وقَالَ ﷺ: « خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعَمَارًا، وَأَحْسَنَكُمْ أعمالًا » وقَالَ ﷺ:  « الْخَيْرُ مَعَ أكَابِرِكُمْ » وَفِي رِوَايَةٍ: « الْبَرَكَةُ مَعَ أكَابِرِكُمْ » .

فالْبَرَكَةُ عِبَادَ اللهِ ، مَعَ أكَابِرِكُمِ الْمُجَرِّبِينَ لِلْأُمُورِ ، وَالْمُحَافِظِينَ عَلَى تَكْثِيرِ الْأُجُورِ ، فَجَالِسُوهُمْ لِتَقْتَدُوا بِرَأْيِهِمْ ، وَتَهْتَدُوا بِهَدْيِهِمْ.

الْلَّهُمَّ احْفَظْ كِبَارَنَا ، وَوَفِّقْ لِلْخَيْرِ صِغَارَنَا ، وبَارَكَ لَنَا فِي أَعْمَارِنا وأعْمَالِنا .

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

أمّا بعد فياعِبادَ اللهِ :

إنَّ حَقَّ الْكَبِيرِ يَعَظُمُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ ، فَإِذَا كَانَ ذَا رَحِمٍ فَلَهُ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ حَقُّ الْرَّحِمِ ، وَإِذَا كَانَ جَارًا فَلَهُ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ حَقُّ الْجِوَارِ ، وَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَهُ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ حَقُّ الْإِسْلامِ،

وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ مِنَ الْوَالِدَينِ فَالْحَقُّ أَعْظَمُ ، قَالَ تَعَالَى : ‏﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ❍ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾

وإِنَّ مِنْ حُقُوقِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ أَنْ تَكُونَ أُسَرُهُمْ مَكَانَ عَيْشِهِم،

ففي قُربِهَم بَرَكَة، ومُؤَانَسَتِهِم مَسَرَّة ، والقِيَامُ بِشُؤُونِهم قُرْبَة،

فَتَقَرَّ عُيُونُهُم، وتَسْلُوَ نُفُوسُهُم ، ويَبُرُّهُمْ أَوْلاَدُهُمْ وَأَحْفادُهُمْ.

اللهُمَّ ارْحَمْ وَالِدِيْنَا كَمَا ربَّوْنَا صِغَارًا، واغْفر لهم أَحْيَاءً وأمْوَاتًا، واعْفُ عن تَقْصِيْرَنا واغِفِر، وأَعِنَّا على البِرّ، وأَصْلِحْ لَنَا فِيْ ذُرِّيَّاتِنَا إنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ وإنَّا مِنَ الـمُسْلِمِيْن.

اللهم اجْعَلْنَا وَإِيَّاهُم مِمَّن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. وارْزُقْهُمَ عَيْشًا قارًّا، ورِزْقًا دَارًّا، وَعَمَلاً بارًّا.

 اللهم ابْسُطْ عَلَيْنا ووَالِدَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، وارْحَمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا.

اللهم صلي  وسلم ..

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام،

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, وَاجْزِهِ خَيراً على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ, وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وهيئ لهما البطانة الناصحة التي تدلهما على الخير وتعينهما عليه، يا رب العالمين.

(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)

عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( 

المشاهدات 392 | التعليقات 0