الفتن وأسباب السلامة منها
مبارك العشوان 1
        1439/07/18 - 2018/04/04  08:39AM 
    
    إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ ...أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، فَقُلْتُ هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، فَقُلْتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ، قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ، كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ) أخرجه أمُسْلِمٌ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ؛ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ؛ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ) أخرجه مسلم.
وأخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ).
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّـــــحُّ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّمَ هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ )  أخرجه البخاري. 
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ) أخرجه مُسْلِمٌ.
عَبَادَ اللهِ: لَقَدْ عُنِيَ العُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا بَأَحَادِيثِ الفِتَنِ، فَجَمَعُوهَا فِي كُتُبِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ أفْرَدَهَا بِالتَّألِيفِ.
وَهَكَذَا اهْتَّمُوا بِالحَدِيثِ عَنْهَا فِي دُرُوسِهِمْ وَخُطَبِهِمْ.
كُلُّ ذَلِكَ لِيَحْذَرُوهَا، وَيُحَذِّرُوا مِنْهَا، وَيُبَيِّنُوا بَيَانًا شَافِيًا؛ سُبُلَ الوَقَايَةِ لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا، وَطُرُقَ السَّلَامَةِ، لِمَنْ أَدْرَكَهَا.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ هَذِهِ الفِتَنَ؛ مَا وَقَعَ مِنْهَا وَانْتَهَى، وَمَا يَقَعُ الآنَ فِي عَصْرِنَا، سَلِمَ مِنْهُ مَنْ سَلِمَ؛ وَسَقَطَ فِيهِ مَنْ سَقَطَ؛ وَمَا سَيَقَعُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ؛ لَا يَجْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ.
وَلَا سَلَامَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَلَا عَطَبَ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا؛ حَذَّرَ عِبَادَهُ مِنَ الفِتَنِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَ الخَيْرِ لِيَسْلُكُوهُ، وَطَرِيقَ الشَّرِّ لِيَتْرُكُوهُ.
بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ أَوْضَحَ البَيَانِ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَقَيَّظَ  لَهُ مِنَ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ مَنْ يُبَيِّنُهُ.
عِبَادَ اللهِ: أَلَا وَإِنَّ أَعْظَمَ سَبِيلٍ لِلنَّجَاةِ مِنَ الفِتَنِ: التَّمَسُكُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَهُمَا سَدُّ مَنِيعٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ دُونَ الفِتَنِ؛ وَلَا زَيْغَ وَلَا ضَلَالَ لِمَنْ لَزِمَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَتَمَسَّكَ بِهِمَا، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِمَا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي ). أخرجه مُسْلِمٌ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) أخرجه أبو داود.
يَقُولُ الشَّيخُ  ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: كُلُّ أنْوَاعِ الفِتَنِ؛ لَا تَخَلُّصَ مِنْهَا وَلَا نَجَاةَ مِنْهَا إِلَّا بِالتَّفَقُّهِ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْرِفَةِ مَنْهَجِ سَلَفِ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيْلَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلَامِ وَدُعَاةِ الهُدَى.
أَخِي المُسْلِمُ: وَمِمَّا يَعْصِمُكَ مِنَ الفِتَنِ: لُجُوؤُك إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَدُعَاؤُهُ سُبْحَانَهُ؛ أَنْ يَحْفَظَ لَكَ دِيْنَكَ، وَيُصْلِحَهُ لَكَ؛
وَقَدْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُــلِّ شَرٍّ ) أخرجه مسلم.
وَهَكَذَا يَسْتَعِيذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنَ الفِتَنِ؛ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَومًا لِصَحَابَتِهِ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ). قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. فَقَالَ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ). قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
 قـَالَ: (  تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) . قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.  
قَالَ: (  تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ) . قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ) أخرجه مسلم.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ؛ يَقُولُ اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) أخرجه مسلم.
وَمِمَّا يَعْصِمُكَ أَخِي المُسْلِمُ مِنَ الفِتَنِ: بُعْدُكَ عَنْهَا، وَعَنْ مَوَاطِنِهَا، وَفَرِارُكَ مِنْهَا وَمِنْ أهْلِهَا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ؛ فَوَ اللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
اعْتَزِلِ الفِتَنَ، وَاحْذَرْ المُشَارَكَةَ وَالخَوضَ فِيْهَا؛ بِفِعْلٍ، أو قَولٍ، أوْ كِتَابَةٍ، أوْ رِسَالَةٍ، أوْ مَقْطَعٍ تَنْشُرُهُ.
تَنَبَّهْ ـ وَفَّقَكَ اللهُ ـ  وَلَا تُشَارِكْ فِي الفِتَنِ، وَلَا حَتَّى بِشَطْرِ كَلِمَةٍ.  
وَمِمَّا يَعْصِمُكَ أَخِي المُسْلِمُ مِنَ الفِتَنِ: الِاشْتِغَالُ بِالعِبَادَةِ؛ فَلَهَا فِي زَمَنِ الفِتَنِ مَزِيَّةٌ خَاصَّةٌ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) أخرجه مسلم. 
يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا: الْفِتْنَةُ، وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ. أهـ
أَلَا فَالْزَمُوا ـ  رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عِبَادَةَ اللهِ؛ حَافِظُوا عَلَى الفَرَائِضَ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوَافِلِ؛ وَأَحْسِنُوهَا.   
بَارَكَ اللهُ... وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...
 الخطبة الثانية: 
الحَمْدُ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَ بِإِذْنِ اللهِ وِقَايَةٌ مِنَ الفِتَنِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَمَخْرَجٌ وَسَلَامَةٌ مِنْهَا إِذَا وَقَعَتْ.
وَقَدْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ رَحِمهُ اللهُ: أنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَتَمَثَّلُونَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ:
الْحَـــــــرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً * تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَــهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا * وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَـــــرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ * مَكْـــــــرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
حِينَمَا تُقْبِلُ الفِتَنُ يَغْتَرُّ بِهَا الكَثِيرُ، وَيَخُوضُونَ فِيْهَا، وَيُتَابِعُونَ كُلَّ مَا تَقْذِفُهُ القَنَوَاتُ مِنْ سُمُومِهَا.
أمَّا أَهْلُ العِلْمِ وَالتُّقَى؛ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ مِنَ البَصِيرَةِ وَالتَّوفِيقِ وَالسَّدَادِ مَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُم؛ وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ العُلَمَاءِ، وَالحَذَرِ مِنَ الإِسَاءَةِ إِلَيهِمْ، وَالطَّعْنِ فَيهِمْ، وَانْتِقَاصِهِمْ، وَإِسْقَاطِ هَيْبَتِهِم، لَا بُدَّ مِنْ تَرْبِيَةِ النَّاشِئَةِ عَلَى تَوقِيرِ العُلَمَاءِ، وَالالْتِفَافِ حَوْلَهُمْ، وَالصُّدُورِ عَنْ فَتَاوِيهِم.
وَمِمَّا يَعْصِمُ مِنَ الفِتَنِ: لُزُومُ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، وَإِمَامِهِمْ فَفِي صَحِيحِ مُسْلَمٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً؛ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ؛ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ )
وَمِمَّا يَعْصِمُ مِنَ الفِتَنِ الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالتَّوبَةُ الصَّادِقَةُ النَّصُوحُ إِلَيهِ، وَالسَّعْيُ فِي الإِصْلَاحِ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ  } هود 117 وَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ،  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ  }الأنعام 43، 44
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أنَّ مِنْ أَعْظِمِ الخُسْرَانِ وَالخُذْلَانِ: تَزَايُدُ المَعَاصِي عِنْدَ وُقُوعِ البَلَاء، تُوبُوا أيُّهَا النَّاسُ إِلَى اللهِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَسَلُوا اللهَ القَبُولَ وَالعِصْمَةَ مِنَ الفِتَنِ.
اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا... اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ عَذَابِ ...اللهُمَّ أعِزَّ الإِسْلَامَ ... اللهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِالإِسْلَام وَالمُسْلِمِينَ فِتْنَةً وَشَرًّا وَكَيْدًا...  اللهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا...
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ.... عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ...
     
                             
                             
             
             
             
             
                                 
                 
                     
                     
                         
                         
                     
                