القرآن وحفاظه
صالح عبد الرحمن
خطبة عن القرآن وحفاظه 1447/4/25هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله يخلق الخلق وما شاء حكم *** مرتَجى العفو ومألوهُ الأمم
كـل شـيء شـاءه رب الورى *** نافذ الأمر بذا جف القلم
الحمد له, له الحمد ربي..
من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت *** طوارق الخير تبدي صنع خافيه
إلاك يـا رب كـل الكون خاشعة *** ترجـو نـوالك فيضًا من يدانيه
وأشهد ألا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك, أتتك السماوات والأرض طوعًا, وأسلم من فيهن لك طوعًا وكَرْهًا وإليك يرجعون.
وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك..
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
هو المعجزة الكبرى, هو الامتياز الخالد, هو الهدية السماوية، هو الهبّة الإلهية، يُتحدى به الثقلين جميعًا أن يجيئوا بمثله أو ببعضه!! (لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
بورك خلوده، وبوركت حروفه وحدوده، هو الشافع المشفع، والماحِلُ المصدق، بالاختصار الطويل: هو كلام الله، وكلام الإله يغني عن الفخر به أنه كلام الإله.
أتعرفون ناسجي الحلل!! هم حفاظ كتاب الله.
عن رجال صحبوا كلام الله، فأصحبهم شفاعته، عن رجال تدثروا نور الله بكلامه، فكانوا أنوارًا تمشي في حالك الظلم، عن رجال رضُوا من الدنيا به فأحرف القرآن أنفاسهم، وهي مستقرهم ومقامهم.
طلاب القرآن العظيم، طلاب حلق القرآن، هذه الأطياف المضيئة التي تتغذى كل يوم على موائد الله.
وماذا عسى أن نقول عن أهل الله وخاصته؟! ماذا عسى عن قوم نالوا خيرية الله تعالى بتعلم القرآن أو تعليمه!!
من أجلِّ المناظر البشرية سعادة ومتعة وجلالاً وكمالاً وجمالاً لدى أبصار المؤمنين: أن نرى هذه الحلقاتِ القرآنية معقودةً في كل يوم، لم تُعقد إلا للقرآن وبالقرآن وحده!! أن نرى أبنائنا وهم يغدون كل نهار إلى مساجد أحيائهم، ولا حاديَ إلا القرآن!
"يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبّ: حَلِّه، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَة، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبّ: زِدْه، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَة، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبّ: ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْه، فَيُقَالُ لَه: اقْرَأ، وَارْق، وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَة". رواه الترمذي وصححه بعضهم.
هي منة هي نعمة هي غبطة *** فخذوا الكرائم يا أولي القرآن
يا ناسجي حلل الكرامة يا حفظة القرآن: والله ما على وجه الأرض شيء أعزّ على الله من هذا الذي تقضون أوقاتكم به، تقضونه بالقرآن؟! نعمى وكرامة.
ما على أمنيات الأرض شيء أكرم في تحقيقها من تعلم كتاب الله!!
يا حاملي هذا الكتابَ وآيه *** ما أنتمُ وسواكمُ بسواء
أتكونون سواءً؟! كلا والله، فأنتم المضحون بأعماركم في سبيل القرآن، ضحيتم بأوقات الدنيا في سبيله، إن تجاراتكم مع الله لن تضيع!
يا حاملي القرآن: قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمةٌ للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
)وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، رحمة للمؤمنين فحسب، ويقول -عز وجل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ(
حفاظ كتاب الله، لا يُعرفون بأنسابهم، ولا بأحسابهم، ولا ببلدانهم، ولا بأموالهم، يُعرفون بالقرآن لا غير القرآن.، رفعهم الله, ولا ضير فإن هذا الكتاب يرفع الله به أقوامًا ويضع به آخرين، فَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَة أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ -رضي الله عنه- وكان يستعمل نافعًا على مكة أي أميراً على مكة، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ مكة يا نافع؟! فَقَالَ نَافِعٌ -رضي الله عنه-: استعملت عليهم ابْنَ أَبْزَى. قَالَ عمر -رضي الله عنه-: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟! قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَى مكة مَوْلًى من الموالي؟! قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ -عز وجل-، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِض. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"
حافظ القرآن: لا يتبع المتشابه، ولا يتبع الرخيص من الأقوال والأفعال, طالب القرآن ساعاته في الخلوات هي ساعاته في الإعلان، لا ينتهك محارم الله، ولا يخون أوامر الله.
طالبُ القرآن: ساعاته في مسامرة القرآن في لياليه، أكثر من ساعاته مع الجوال وتضييع الأوقات فيه.
أخلص نواياك يا طالب القرآن، أخلصها يا معلِّم القرآن، أنت بالقرآن تحكي أوامر الله ونواهيه، فلتكن أخلاقُك القرآن، فنبي القرآن -عليه السلام- كان خلقه القرآن.
ليغدو لسانُك طيبًا، وسمتُك طيبًا، وفعلُك طيبًا!! أنت تحمل تنزيلاً من حكيم حميد.
وإذا جاء الآباء والأمهات رَبَّهُم يوم القيامة، وكان ابنَهم ممن عَلَّمُوه الكتاب العظيم، فاستمعوا إلى هذه البشارة العظيمة يقول -عليه الصلاة والسلام-"وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة -حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُه- كَالرَّجُلِ الشَّاحِب، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟! فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟! فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك. فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآن، الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِر، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَك. وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِه، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَة. فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِه، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِه، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَار، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا هَذِه؟! فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآن. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأ، وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأ، هَذًّاً كَان، أَوْ تَرْتِيلاً".
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وذهاب غمومنا وهمومنا، وقائدنا ودليلنا إلى جناتك جنات النعيم.