الكلمة الطيبة مفتاح القلوب!
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
الكلمة الطيبة مفتاح القلوب!
خطبة جمعة.
الخطبة الأولى!
الحمد لله الطيب الذي لا يقبل إلا طيبا، والجميل الذي يحب من عباده أجمل الكلام وأطيب المقال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أيّها المسلمون: الكلمةُ عنوان المرءِ، تُتَرجِم عن مُستَودعاتِ صَدره، وتبرهِن على مكنوناتِ قَلبِه، وتدَلِّل على أصله وعقلِه، وتنبئ عن إيمانه أو نفاقه
عبادَ اللهِ: حثَّ الشارعُ الحكيمُ على الكلمةِ الطيِّبةِ؛ لما لها من الأثرِ البالغِ في حياةِ النَّاسِ، وخاصةً إذا خرجتْ من قلبٍ مفعمٍ بالإيمانِ يُحبُّ الخيرَ للآخرينَ، وقد أَمَرَ ربُّنَا -جلَّ وعلا- بالإكثارِ منهَا بجميعِ صورها، قالَ -تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[البقرة:83]، قال ابنُ سعدي -رحمه اللهُ-: "ومِنَ القولِ الحسنِ: أمْرُهم بالمعروفِ, ونهيُهم عن المنكرِ, وتعليمُهم العلمَ, وبذلُ السلامِ, والبشاشةُ، وغيرُ ذلك من كلِّ كلامٍ طيبٍ. ولما كانَ الإنسانُ لا يسعُ الناسَ بمالِه أُمِرَ بأمرٍ يقدرُ بِه على الإحسانِ إلى كلِّ مخلوقٍ, وهو الإحسانُ بالقولِ" اهـ
فكلَّ كلمةٍ طيبةٍ تَنبثقُ من صدرٍ يتلألأُ بالنورِ، ويُزهرُ بالسرورِ، تُضيءُ -بإذنِ ربِّها- القلوبَ والنفوسَ والأرواحَ، وهي بسمةُ الحياةِ، وبلسمُ الجُروحِ، وشفاءُ الجسدِ والروحِ، وهي عنوانُ المتكلِّمِ ودليلُه، ولباسُه الساترُ وجمالُه الظاهرُ، وعطرهُ الفواحُ، ومفتاحُه إلى القلوبِ والأرواحِ، وسفيرُه الذي يَصْعدُ إلى السماءِ لَيجدَ حُسْنَ الجزاءِ. قال -تعالى-: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)[فاطر: 10].
والكلمةُ الطيبةُ تَكشِفُ عن مكنونِ صاحبِها من رجاحةِ عقلِه وصفاءِ قلبِه، فهي عبارةٌ عن ألفاظٍ حسنةٍ تَخرجُ من فمِ الإنسانِ تحملُ معهَا الخيرَ والنفعَ للنَّاسِ، وتبتعدُ عن الفُحشِ والبذاءةِ، والإضرارِ والإيذاءِ، والشتمِ والاستهزاءِ، وهي كلماتٌ تنبعُ من مشكاةٍ مليئةٍ بما لذَّ وطابَ من الكلامِ الذي يَنْبتُ في القلبِ السليمِ ويَنْشرُه اللسانُ المستقيمُ
والكلمةُ الطيبةُ هي كلُّ ذكرٍ للهِ -تعالى- وتسبيحٍ، وتهليلٍ وتكبيرٍ، وتلاوةِ قرآنٍ، وحمدٍ ودعاءٍ، وشكرٍ وثناءٍ وتحفيز، وعلمٍ نافعٍ، ، وأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن منكرٍ، وإصلاحٍ، وبناءٍ، ونصيحةٍ نافعةٍ، وجوابٍ حسنٌ، وردٌّ لطيفٌ على القريبِ والبعيدِ، والكلمة الطيبة تفاؤل جميل واستبشار بقادم أجمل..
والكلمةُ الطيبةُ بَعَثَ اللهُ بهَا الأنبياءَ والمرسلينَ؛ ليُخرجوا العبادَ من ظلماتِ الكُفرِ والشِّركِ إلى نورِ التَّوحيدِ والعلمِ، ومن عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ.
والكلمةُ الطيبةُ يطيب قائلها ويطيب سامعها، وأثرها طيِّبٌ!
هنيئا لمَنْ تكلَّم بهَا عن صدقٍ وإخلاصٍ وتمنَّى الخيرَ للنَّاسِ، وعَلِمَ يقينًا أنَّ اللهَ سيجازِيه! هنيئا لمن بَذَلَ ما في وسعِه من أجلِ إسعادِ سامعِيه لتغييرِ حياتِهم إلى الأحسنِ، قالَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" رواه البخاري.
أسعد والديك بكلماتك الجميلة
أفرح زوجتك بثنائك، حفّز أبناءك على الخير بكلماتك الملهمة، غير نفسيةَ من يسمع كلماتك الحسنة، لتكون إيجابيا مؤثرا بالخير..
وإياك وسيء الكلام! إياك والكلام الذي يضيق به الصدر، ويتكدر به الفؤاد، وإياك والتشائم، وصن لسانك، وَزِن كلامك..
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه إذا لم يكن قُفْلٌ على فِيهِ مُقفَلُ
ومــن لــم يقيِّـد لفظـه متجملاً سـيُطلَقُ فيـه كـلُّ مـا ليـس يَجملُ
إذا شئت أن تحيا سعيداً مُسَلَّماً فدبّر وميّز ما تقولُ وتَفعَلُ
عباد الله!
ليس البخيل هو بخيل المال فحسب..
وإنما هناك البخيل بمشاعره الحسنة، وكلماته الطيبة..
هو يملكها ولكنه يتردد ألف مرة في صرفها ومنحها للناس،
إن البخل هذا أسوء من بخل المال، فالمال ليس الكل يملكه..
وأما الطيّب من القول فالجميع يستطيع أن يقوله والمحروم من يحرم نفسه!
واعجبي والله ممن ينتظر عزيزه أن يموت ليعبر عن حبه وتقديره ويقول عنه أجمل الكلمات ويشكره! لماذا تخفيها حتى يموت عبّر له بمشاعرك واشكره الآن قبل أن يفارقك أو تفارقه!
جمعنا الله بأحبابنا في الجنات!
أيها الأحبة: إن النفس الإنسانية فيها من الشرور والأذى شيء كثير لا يحصى، ومن ذلك: أنها قد تستثار لتنطق برديء الكلام وسيء المقال، وهنا يبرز دور تربية الإنسان لنفسه ومجاهدته لها، ومحاسبتها على ما تتفوه به اللسان، مستعيناً بالكلمة الطيبة؛ طلباً لثواب الله، قال ﷺ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ"(رواه البخاري).
نسأل الله العافية والسلامة!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية!
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيُّها الناس، اتقوا الله -تعالى- واشكروه وأطيعوه وراقبوه، واعلموا أنَّكم ملاقوه.
عباد الله: ومن آثار الكلمة الطيبة: أنها قد توحد الصفوف وتجمع الشمل، وتؤلف بين القلوب، وتقرب بين الأباعد، وتحبب بين المتباغضين، وتذهب أحقاد الصدور، وتعين على إصلاح ذات البين.
يذكر أن علي بن الحسين -رحمه الله- كان بينه وبين حسن بن حسن -رحمه الله- شيء من الجفاء، فجاء يوماً حسن وعلي بن الحسين جالس مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئاً إلا قاله له، وعليّ ساكت، فلما كان الليل، أتى علي بن الحسين حسن بن حسن في منزله، فقرع عليه بابه، فخرج إليه، فقال له: "يا أخي، إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك" فما كان من الرجل إلا تبعه، والتزمه من خلفه، وأخذ يبكي، ويقول: "لا جرم لا عدت في أمر تكرهه"، فقال له علي: "وأنت في حل مما قلت لي".
ومن الآثار الحسنة للكلمة الطيبة: أنها تجعل لصاحبها محبة بين الناس واحتراماً ومكانة مرموقة.
أخي في الله!
لا تبخل بالكلمة الطيبة، ولا تعلم بمدى وقعها على القلوب، ربّ كلمة تقولها لأحدهم تبتغي بها وجه الله؛ ترفع ميزانك، ويُحيي بها أملًا بإنسان كان منطفئ، كم سمعنا من قصص لأُناس تغيّرت حياتهم بأكملها بسبب كلمة قيلت لهم فصنعت أثرهم.. "ومن أحياها فكأنما أحيا النّاس جميعا".
ذكر الحافظ الذهبي في السير عن البخاري صاحب الصحيح
قال :كنتُ في مجلس إسحاق ابن راهويه وقال أحدهم لو أن أحدكم جمع كتابا مختصرا في سنن النبي صلى الله عليه وسلم .. قال البخاري: فوقع ذلك في نفسي .. فقرر من تلك اللحظة تأليف صحيح البخاري ..
ف سبحان الله كلمة قالها رجل في مجلس علم كانت سبباً لتصنيف كتاب هو أصح كتاب بعد كتاب الله!
هل ذلك الرجل كان يتوقع أن كلمته العابرة في مجلس انها ستكون سبباً لتأليف هذا الكتاب العظيم ؟!!! إنها الكلمة الطيبة!
وذُكر في ترجمة الحافظ الذهبي أنه رآه البرزني في صغره غلاما صغيرا ورأى خطه وقال له:
"خطك هذا يشبه خط المحدثين"
قال الذهبي فحبب إلي من تلك اللحظة حب علم الحديث حتى تخصص في الحديث وأصبح من كبار المحدثين والحفاظ..
*فرُب كلمة طيبة تشجيعية يقولها الإنسان سبباً في خيرا عظيم ..*
ومن آثارها: أنها نجاة لصاحبها يوم القيامة؛ فقد جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أخبرني بشيء يوجب لي الجنة قال: "عليك بحسن الكلام وبذل السلام"(السلسلة الصحيحة)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقوا النارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"(متفقٌ عليه)
فاتقوا الله-عباد الله- وانتبهوا للكلمة؛ فإنها جنة أو نار، وربح أو خسارة، وسعادة أو شقاء، فسارعوا إلى الكلمة الطيبة ولا تحقروها مهما قلَّت؛ فإنه كالحبة تنبت ولو بعد حين، ولو في أرض لم يردها صاحبها؛ فإن الزمان يذهب والأعمار تذهب ولكن الكلمات تبقى.
فعَلَى المسلمِ أَنْ يُشْغِلَ لسانَهُ بِمَا فيهِ الخيرُ والنفعُ والفائدةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ"(البخاري).
ألا وصلُّوا وسلِّموا على من أمرَكم اللهُ -تعالى- بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليه في قوله -عزَّ من قائلٍ-: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رواه مسلم.
فاللهمّ صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الدين، وارضَ اللهُّم عن أصحاب نبيّك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم ارزقنا أحسن الكلام وأطيب القول اللهم ارزقنا الكلمة الطيبة واجعلنا سببا في سعادة غيرنا اللهم أسعدنا وأسعد بنا اللهم احفظ ألسنتنا وارزقنا سداد القول والعمل برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين واحقن دماءهم وعافي مبتلاهم واشفي اللهم مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير اللهم وسددهم واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر وسوء يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نعوذ بك من شر سمعنا وبصرنا، ونعوذ بك من شر ألسنتنا، اللهم قوم ألسنتنا، وسدد ألفاظنا، اللهم احفظنا واغفر لنا وعافنا واعفُ عنا.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ...
المرفقات
1737029220_الكلمة الطيب مفتاح القلوب.doc