المراهقون بين هدي النبوة وتحديات العصر
د مراد باخريصة
المراهقون بين هدي النبوة وتحديات العصر
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد، عباد الله:
أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
أيها الأحبة في الله: حديثنا اليوم عن موضوع بالغ الأهمية، يمس حياتنا الاجتماعية والأسرية في وقتٍ كثرت فيه الشكوى من الأبناء، وتعددت المشكلات السلوكية، وانتشرت الفتن الفكرية والسلوكية على الشاشات ووسائل التواصل. حديثنا عن المنهج النبوي في التعامل مع المراهقين.
أيها الإخوة: إن فهم مرحلة المراهقة أمرٌ لا غنى عنه لكل أبٍ وأمٍ ومربٍّ، لأنها مرحلة حرجة تجمع بين طفولة تمضي وشباب يقترب، وفيها تتشكل الهوية، وتظهر الاستقلالية، وتتصاعد الأسئلة والشكوك، وتتأجج العواطف.
وفي زماننا هذا، بات المراهق محاصرًا بإغراءات لا تنام، وشبهات لا تنتهي، وشخصيات افتراضية تقتحم فكره وتربيه في غياب المربين، ولهذا نحتاج إلى أن نستضيء بهدي النبي ﷺ في تعامله مع الشباب.
لقد كان صلى الله عليه وسلم على وعيٍ تامٍ بطبيعة هذه المرحلة وتعقيداتها، فلم يكن يعاملهم بالتسلط ولا بالتهميش، بل بالاحتواء والاحترام والتشجيع.
ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم مع المراهقين: الاحتواء والتشجيع، فقد أعطى النبي ﷺ الشباب الثقة، ومكّنهم من المسؤولية، فأسامة بن زيد – رضي الله عنه – قاد جيشًا يضم كبار الصحابة، وهو لم يبلغ العشرين.
فهل نثق نحن بأبنائنا ونمنحهم الفرصة ليكونوا رجالاً؟ أم نكتفي بتوبيخهم والتقليل من شأنهم؟
ومن منهجه صلى الله عليه وسلم أيضًا: الحوار والموعظة الحسنة، فقد كان النبي ﷺ يجلس مع الشباب، ويخاطبهم بلغة تناسب عقولهم. فقال لابن عباس وهو غلام: "يا غلام، إني أعلمك كلمات..." [رواه الترمذي] وهذا درس للأهل والمربين في زمن قل فيه الحوار، وكثرت فيه الأوامر والنواهي، دون استماع أو تفهّم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أخطاء المراهقين بالرحمة لا بالغضب، فقد جاءه شاب يستأذنه في الزنا، فلم يزجره، بل أقنعه بالحجة والرفق، ثم دعا له، فخرج الشاب وقد تغيّر قلبه، وفي زمننا هذا نحتاج أن نستبدل التوبيخ بالحوار، وأن نعامل الخطأ كفرصة للتربية لا للانتقام.
ومن أعظم الوسائل للتعامل مع المراهقين: القدوة الحسنة فقد كان النبي ﷺ قدوة في كل شيء، ينفذ ما يدعو إليه بنفسه قبل غيره.
وفي زمنٍ يرى فيه المراهقون التناقض بين أقوال المربين وأفعالهم، تصبح القدوة الصالحة أعظم وسيلة للتأثير.
أيها الإخوة: التربية النبوية للمراهقين توازن بين الحزم واللين، بين المحبة والانضباط، فلا إفراط في التدليل، ولا تفريط في التجاهل، فاقتدوا بخير قدوة في التعامل مع المراهقين فإن لكم فيه صلى الله عليه وسلم أعظم الأسوة والقدوة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب : 21].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله:
لقد قدّم النبي ﷺ أنموذجًا فريدًا في تفجير طاقات الشباب واستثمارها في النافع المفيد.
فقد أرسل مصعب بن عمير – شابًا صغيرًا – إلى المدينة سفيرًا للإسلام، وأمر أسامة بن زيد بقيادة جيش لمحاربة الروم وهو في السابعة عشرة من عمره.
فهل نمنح أبناءنا اليوم المهام والمسؤوليات؟ أم نحرمهم من الثقة، ثم نلومهم إذا فشلوا؟
وكان ﷺ حريصًا على التعليم وغرس القيم في نفوس الشباب، يعاملهم كرجال، يغرس فيهم المسؤولية، ويحضهم على الصلاة والالتزام، ويأمر الآباء بذلك: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع..." [رواه أبو داود].
كما وجّه النبي ﷺ المراهقين إلى الصحبة الصالحة، فقال: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أبو داود].
وفي زمن "الأصدقاء الرقميين" و"المؤثرين الافتراضيين"، باتت الصحبة الصالحة درعًا وقائيًا لا يُستغنى عنه.
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالشباب: أنه حثّهم على الزواج المبكر إذا استطاعوا، ليحفظوا دينهم وأخلاقهم، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج..." [رواه البخاري].
وكان صلى الله عليه وسلم يراعي الفروق الفردية، ويوجه كل شاب بما يناسبه. فقال لواحد: "لا تغضب"،
ولآخر: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس..."، فكل شاب له مفاتيحه، وليسوا قالبًا واحدًا.
وأعطاهم عليه الصلاة والسلام مساحة للإبداع والتطوير، كما فعل مع زيد بن ثابت، الذي جعله مترجمًا للنبي ﷺ وهو غلام صغير، وفي زمننا هذا علينا أن نبحث عن مواهب أبنائنا، وننميها، لا أن نقارنهم بغيرهم أو نحبطهم بكلمة أو عبارة.
عباد الله،
إن أبناءنا أمانة في أعناقنا، ولن يُسأل الأب فقط: كم أنفق؟ بل أيضًا: كيف ربّى؟ فمن ضيّع أبناءه، ضيّع مستقبل أمته.
اللهم وفّقنا لتربية أبنائنا تربية نبوية، وارزقنا الصبر والرحمة والحكمة، اللهم احفظ أبناء المسلمين وبناتهم من الفتن والشبهات والشهوات، اللهم اجعلهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر،
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1752406832_المراهقون بين هدي النبوة وتحديات العصر.doc