بِرُ الوالدينِ بعدَ الـمَوتِ
محمد محمد
بِرُ الوالدينِ بعدَ الـمَوتِ-27-10-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الـمـيمان
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
إنَّ مِنْ أَوْجَبِ الواجِبَاتِ، وأَعْظَمِ القُرُبَاتِ، وأَجَلِّ الطاعاتِ بِرَّ الوالِدَينِ، ولهذا جمعَ اللهُ بينَ حَقِّهِ وحَقَّهِمَا، فقالَ-سبحانَهُ وتَعالى-: (واعْبُدُوا اللهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وجمعَ اللهُ بينَ شُكْرِهِ وشُكْرِ الوَالِدَيْنِ، فقال-عز وجلَّ-: (أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ).
ومِنْ رَحْمَةِ اللهِ بالأَولادِأوأ: أَنَّهُ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابًا لِبِرِّ الوَالِدَيْنِ، لا تُغْلَقُ بَعْدَ مَوْتـِهِمَا!
ومِنْ أَعْظَمِ تِلْكَ الأَبْوَابِ: الدُّعَاءُ لَهُمَا، قالَ-سبحانَهُ-: (وقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، قالَ العلماءُ: ادْعُ لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ: أَحْيَاءً وأَمْوَاتًا.
وقال-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ، انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، قال ابنُ عُثَيْمِينَ-رحمه اللهُ-: "الوَلَدُ الصالِحُ: هُوَ الذي يَدْعُو لِوَالِدَيهِ بعدَ مَوْتـِهِمَا، ولهذا يتأكَّدُ علينا أَنْ نَـحْرِصَ على صَلَاحِ أَولَادِنَا".
ومِنْ أَهَمِّ الأَدعِيَةِ لِلوَالِدَينِ: الدعاءُ لهما بالـمَغفرةِ، قال-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ في الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى-كيفَ-هَذَا؟! فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ!".
ومِنْ أَبْوابِ البِرِّ بعدَ مَوتِ الوَالِدَين: قَضَاءُ الدَّيْنِ عنهما، قال ابنُ عُثَيْمِينَ-رحمه اللهُ-: بعضُ الظَّالـمينَ مِنَ الوَرَثَةِ، يُؤَخِّرُونَ وفَاءَ الدَّيْنِ عَنِ الـمَيِّتِ، لِمَصَالِحِهِمُ الخاصةِ! فَتَجِدُ الـمَيِّتَ عليه ديونٌ، وعندَه عَقَاراتٌ، فيقولونَ: لا نَبِيْعُهَا، بل نُوفِيهِ مِنَ أُجْرَتـِهَا ولَوْ بعدَ سِنِينَ، أو يقولونَ: ننتظرُ حتى ترتفعَ قيمةُ الأراضي، وهذا ظلمٌ وعقوقٌ، لأنَّ الـمَيِّتَ يَتَأَثَّرُ بالدَّيْنِ الذي عليهِ"، قالَ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ، حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ".
ومِنْ بِرِّ الوالِدَيْنِ بعدَ مَوْتـِهِمَا: قَضَاءُ الديونِ الواجبةِ للهِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-: "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلى النَّبِيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فقالت: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قال: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قالت: نَعَمْ، فقال: اُقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ".
ومِنْ بِرِّ الوالِدَيْنِ بعدَ مَوتـِهِمَا: تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِمَا، قالَ-تعالى-: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بـِهَا أَوْ دَيْنٍ)، قالَ السِّعْدِي-رحمه اللهُ-: "قَدَّمَ الوصيةَ-معَ أَنـَّهَا مُؤَخَّرَةٌ عنِ الدَّيْنِ-، لِلْاِهْتِمَامِ بِشَأْنـِهَا، لِكَونِ إِخْرَاجِهَا شَاقًّا على الوَرَثَةِ".
ومِنْ أَنْوَاعِ البِرِّ بعدَ الـموتِ: قَضَاءُ الصيامِ، فَقَدْ: "سُئِلَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ-وفي روايةٍ: صومُ نذرٍ-، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فقال-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: لَوْ كَانَ على أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قال: نَعَمْ، فقال: فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"، وقالَ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "مَنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ".
قال العُلُماء: مَنْ ماتَ وعليهِ صيامٌ مِنْ رمضانَ، لم يَخلُ مِن حالَيْنِ:
أَوَّلًا: أنْ يـَموتَ قَبْلَ إمكانِ الصيام:
فهذا لا شيءَ عليه: فلا يُصَامُ عنهُ، ولا يُطْعَمُ.
ثانيًا: أنْ يـَموتَ بعدَ إمكانِ القضاءِ:
فَإِمَّا أنْ يَتَطَوَّعَ لهُ واحِدٌ مِن الورثةِ ويصومَها عنهُ، وإِمَّا أنْ يُطْعِمُوا عن كلِّ يومٍ مسكينًا.
ومِنْ أَبْوَابِ البِرِّ بعدَ وفَاةِ الوالِدَينِ: الصَّدَقَةُ عنهُما، فَفِي الحديثِ: "أَنَّ رَجُلًا قال لِلنَّبِيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا-ماتتْ-وأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال: نَعَمْ".
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ ولَكُمْ وللمسلمينَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ أنواعِ البِرِّ الذي يَصِلُ إلى الوالِدَيْنِ بعدَ وَدَاعِهِمَا لِهَذِهِ الدُّنيا: صِلَةَ الرَّحِمِ والأَصْدِقَاءِ، فقدْ "جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقال: يا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ، أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتـِهِمَا؟ قال: نَعَمْ: الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا-الدعاءُ-، والاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إِلَّا بـِهِمَا، وإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"، "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ، فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ"، يَصِل أصدقاءَهُ بعدَ مَوتِه.
لقيَ ابْنُ عُمَرَ-رضي اللهُ عنهما-رَجُلًا بِالطَّرِيقِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وحَمَلَهُ على حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ على رَأْسِهِ، فَتَعَجَّبَ الناسُ مِنْ ذلكَ! فقالَ ابنُ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هذا، كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ-صديقًا محبوبًا-، وإِنِّي سَـمِعْتُ رَسُولَ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يقولُ: "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ: صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ""، قالَ النوويُ-رحمهُ اللهُ-: وفي هذا فَضْلُ صِلَةِ أصدقاءِ الأَبِ، والإحسانِ إليهم بِإِكْرَامِهِم، وتَلْتَحِقُ بِهِ صديقاتُ الأمِ.
اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا الـمُرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالـمِسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والـمُسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.
اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.
المرفقات
1745574365_بِرُ الوالدينِ بعدَ الـمَوتِ-27-10-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الـمـيمان.docx
1745574365_بِرُ الوالدينِ بعدَ الـمَوتِ-27-10-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ تركي الـمـيمان.pdf