تَفْسِيرُ سُورِ﴿الإِخْلَاصِ،الْفَلَقِ،النَّاسِ﴾

محمد البدر
1447/05/01 - 2025/10/23 04:30AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾.سُوْرَةِ الإِخْلَاصِ مكيّة يَقُولُ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ–رَحِمَهُ اللهُ: أي﴿قُلْ﴾قولًا جازمًا به،معتقدًا له،عارفًا بمعناه،﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾أي:قد انحصرت فيه الأحدية،فهو الأحد المنفرد بالكمال،الذي له الأسماء الحسنى،والصفات الكاملة العليا،والأفعال المقدسة،الذي لا نظير له ولا مثيل،﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾أي:المقصود في جميع الحوائج.فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار،يسألونه حوائجهم،ويرغبون إليه في مهماتهم،لأنه الكامل في أوصافه،العليم الذي قد كمل في علمه،الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي[كمل في رحمته الذي]وسعت رحمته كل شيء،وهكذا سائر أوصافه،ومن كماله أنه﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾لكمال غناه﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ لا في أسمائه ولا في أوصافه،ولا في أفعاله،تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.  وَمِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ:أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا مَعَ الْمُعُوِّذَتَيْنِ (الْفَلَقِ وَالنَّاسِ)فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ ثَلاثَاً انْدَفَعَ عَنْهُ السُّوءُ وَكَفَتْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَخْشَى مِنْهُ كَائِنَاً مَا كَانَ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِﷺيُصَلِّي لَنَا،فَأَدْرَكْتُهُ،فَقَالَ:«قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا،ثُمَّ قَالَ:قُلْ:فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا،قَالَ:قُلْ:فَقُلْتُ:مَا أَقُولُ قَالَ:قُلْ:قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ.وَمِنْ فَضَائِلِهَا:أَنَّ قِرَاءَتَهَا عِنْدَ النَّوَمِ مَعَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مَعَ النَّفْثِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْجِسْمِ رُقْيَةٌ وَشِفَاءٌ -بِإِذْنِ اللهِ-، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:«أَنَّ النَّبِيَّﷺكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ،ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا:قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ،وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ،ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ،يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)﴾.سُورَةِ الْفَلَقِ مكيّة يَقُولُ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ–رَحِمَهُ اللهُ:أي:﴿قُلْ﴾متعوذًا﴿أَعُوذُ﴾أي:ألجأ وألوذ، وأعتصم﴿بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾أي:فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح.﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾وهذا يشمل جميع ما خلق الله،من إنس،وجن،وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عم،فقال:﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾أي:من شر ما يكون في الليل،حين يغشى الناس،وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾أي:ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد،التي يعقدنها على السحر.﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ والحاسد،هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب،فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره،وإبطال كيده،ويدخل في الحاسد العاين،لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع،خبيث النفس،فهذه السورة،تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور،عمومًا وخصوصًا.ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ،وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ,وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. 

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾.سُورَةِ النَّاسِ سُورةٌ مَدَنِيَّةٌ يَقُولُ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ–رَحِمَهُ اللهُ:وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم،من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره،أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن[لهم]الشر،ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله،ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي:يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير،والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس،ولهذا قال:﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾.الاوَصَلُّوا عِبَادَ اللهِ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ،وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ كَمَا  أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ،وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ

الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ 

يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1761182901_تَفْسِيرُ سُورِ﴿الإِخْلَاصِ،الْفَلَقِ،النَّاسِ﴾.pdf

المشاهدات 167 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا