حديث عن المشهور 16 ـ 5 ـ 1447هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: مُتَقَدِّمٌ رَكْبَ الكِرامِ يَرُومُ إِلى المَعالِيْ مُرْتَقَى، لَهُ نَفْسٌ أَبِيَّةٌ تَهْوَى المَحامِدَ والمَقاماتِ العَلِيَّة. لَمْ يَكُنْ في دَربِ العُلا مُتَوانِياً، لَمْ يَكُ قاعِداً في الخَامِلِيْن.
لكنَّهُ عَرَفَ الطَرِيْقَ وأَبْصَرَا، هَجَرَ المَعايِبَ السُّلُوكَ الأَغْبَرَا. كَرِهَ التَطاوُلَ والتَطَلُّعَ للظُهُورَ، كَرِهَ التَّصَنُّعَ كَيْ يُرَى بَيْنَ الحَضُور.
يَرْجُو أَنْ يَنالَ كَرامَةَ الإِمامَةِ في الدِّيْن، يَرْجُو أَنْ يَكُونَ إِماماً للمُّتَّقِيْن وقُدْوَةً للمُهْتَدِيْن. لكِنَّهُ يَكْرَهُ الشُّهْرَةَ ويَنْفِرُ مِنْها، ويُحاذِرُ شِراكَها ويَتَوَقَّى حِبالَها. يَسْعَى جاهِداً في عَمَلِ الخَيْرِ، وبَذْلِ المَعْرُوفِ، وصُنْعِ الإِحْسان. ولَكِن لا يَتَطَلَّعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ بَيْنَ النَّاسِ مَرْفُوعٌ، ولا أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبَرٌ فيهم ذائِعٌ ومَسْمُوع. فِرارٌ مِنْ الشُّهْرَةِ، نُفُورٌ مِنْ الشُّهْرَةِ، فَرَقٌ مِنَ الشُّهْرَةِ. ومَن ْوُقِيَ الشُّهْرَةَ أُعِيْنَ على امْتِلاكِ زِمامِ نَفْسِهِ، وأَعِيْنَ على التَخَلُّصِ مِنْ كَثِيْرٍ مِنْ حُظُوظِها.
وفي هَذا المقَصِدِ النَّبِيْلِ قَالَ الإِمامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ كَلَمَتَهُ المَشْهُورَةُ: (وَدِدتُ أَنَّ الخَلْقَ تَعَلَّمُوا هَذَا العِلْمَ ــ يَعْنِيْ الذِيْ في كُتُبِه ــ وَأَنْ لا يُنْسَبَ إِليَّ حَرْفٌ مِنْه). يُرِيْدُها رايَةً في طَرِيْقِ الحَقِّ يَحْمِلُها ويَتْبَعُه عليها النَّاسُ، فَيَدْرِكُ بِها أَجْرَ دَلالَتِهِم على الخَيْرِ.
لكِنَّهُ لا يُرِيْدُها شُهْرَةً تَسْتَنْزِفُ النَّفْسُ مِنْها حَظَوظَها، وتُعانِيْ مِنْها النَّفْسُ كُلَّ عَناءٍ في طَلَبِ الصَفاءِ والإِخْلاص. لَمْ يَزَلِ الأَتْقِياءُ مِنْ عِبادِ اللهِ يَتَوَقَّونَ الشُّهْرَةَ، ويَتَحاشَونَ طُرُقَها. تَقُومُ لَهُم أَسْبابُها، وتَتحققُ لَهُم مُوجِبُاتُها. لكِنَّهُم يُدافِعونَها كَما يُدافِعُ صاحِبُ الثَراءِ قَاطِعَ الطَّرِيْقِ، وكما يُكافِحُ صاحِبُ الدارِ بَوادِرَ الحَرِيْق.
لَمَّا قَدِمَ أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ مَعَ أَمدادِ أَهْلِ اليَمَنِ إِلى المَدِيْنَةِ، واسْتَقْبَلَهُ أَمِيْرُ عُمَرُ رَضى الله عنه وأَخْبَرَهُ بِما سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ في شَأَنِهِ: (يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لَأَبَرَّهُ). كَانْتِ تِلْكَ الكَلِمَاتُ أَعْظَمُ بِشارةٍ لأُوَيس، وكَانَتْ تِلْكَ التَزْكِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَكْرَمُ مَنْقَبَةٍ يَفْخَرُ بِها أُوَيْسٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ أُوَيْسٌ: أُرِيْدُ الكُوفَةَ، قالَ: أَلَا أَكْتُبُ لكَ إلى عَامِلِهَا؟ ــ أَيْ أَلا تُحِبُّ أَنْ أَكْتُبَ لَكَ إِلى أَمِيْرِ الكُوفَةِ، لِيَجْعَلَكَ مُقَرَّباً مِنْهُ ويُولِيْكَ عِنايَةً ومَكانَة؟ ــ قَال أُوَيْسٌ: لا، بَلْ أَكُونُ في غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ ــ أَيْ أَكُون مَغْمُوراً بَيْنَ النَّاسِ، لا أُعْرَفَ بَيْنَهُم بِمَزِيَّةٍ، ولا أَكُونُ فِيْهِم مُشْتَهِراً بِفَضْلٍ فذاكَ أَحَبُّ إِلَيّ ــ. ثُمَّ مَضَى أُوَيْسٌ إِلى الكُوفَِة، وظَلَّ فيها مُرابِطاً في سَبِيْلِ اللهِ. فَلَمَّا كانَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِن أَشْرَافِ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَوَافَقَ عُمَرَ في الحَجِّ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عن أُوَيْسٍ، فَقالَ الرَّجُلُ: تَرَكْتُهُ رَثَّ البَيْتِ، قَلِيلَ المَتَاعِ! فأَخْبَرَهُ عُمُرُ بِما سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في شأنِ أُوَيْسٍ. ثُمَّ قالَ للرَّجُلِ: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ أُوَيْسٌ فَافْعَلْ. فَلَمَّا انْتَهَى الحَجُّ، رَجَعَ الرَّجُلُ إِلى الكُوفَةِ، ثُمَّ أتَى أُوَيْسًا، فَقالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقالَ أُوَيْسٌ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ــ أَنْتَ ــ، قالَ الرَّجُلُ: اسْتَغْفِرْ لِي، قالَ أُوَيْسٌ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي. ثُمَّ قالَ أُوَيْسٌ للرَّجُلِ: هَلْ لَقِيتَ عُمَرَ؟ قالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ له أُوَيْسٌ. ثُمَّ فَطِنَ النَّاسُ لأُوَيْسٍ ــ أَيْ شَاعَ خَبَرُهُ وقَامَتْ شُهْرَتُهُ ــ فَلَما شَعُرَ أُوَيْسٌ بِذَلِكَ، خَشِيَ على نَفْسِهِ أَنْ يُفْتتََنَ بِما اشْتَهَرَ بِه، وخَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ عليهِ قَلْبُهُ، فانْطَلَقَ علَى وَجْهِهِ، خَرَجَ مِن الكُوفَةِ إِلى جِهَةٍ مَجْهُولَةٍ، فَغابَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ). فِرارٌ مِنْ الشُّهْرَةِ، فِرارٌ مِنَ الشُّهْرَةِ. وقَدْ كانَ يَمْلِكُ أَصْدَقَ أَسْبابَها.
لَقَدْ قَالَ عُمَرُ لأُوَيْسٍ: (أَلَا أَكْتُبُ لكَ إلى عَامِلِ الكُوفَةِ) فَأَبَى أُوَيْسٌ. وقَدْ كانَ ذاكَ العَرْضُ مُغْرِياً لِمَنْ كَانَتْ لَهُ نَزْوَةٌ إِلى الشُّهْرَةِ والمَكانَةِ وامْتِلاكِ الشَّارات.
ولَقَدْ أَخْبَرَ الرَّجُلُ عُمَرَ حِيْنَ سأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ: (تَرَكْتُهُ رَثَّ البَيْتِ، قَلِيلَ المَتَاعِ) وقَدْ كانَ أُوَيْسٌ قادِراً أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الثَراءِ لَو اشْتَهَرَ بِما مَعَهُ مِنْ كَرامات. ولكِنَّهُم أَهْلُ النَقاءِ، صَلاحُ دِيْنِهِم أَعَزُّ عَلِيْهِم مِنْ رفاهِيَةُ دُنْياهُم. الشُّهْرَةُ داءٌ خَطِيْرٌ مَن ابْتُلِيَ بِها لاقَى العَناءَ وكابَدَ المَشَقَّةَ.
قَالَ العُلَماءُ: (والاشْتِهَارُ مَذْمُوْمٌ، إِلا مَنْ شَهَرَهُ اللهُ تَعَالى بِعِلْمٍ أَو جُودٍ أَو نَفْعٍ أَو إِحْسانٍ قَامَ بِهِ قاصِداً وَجْهَ اللهِ، فَاشْتَهَرَ بِه بَيْنَ عِبادِ اللهِ، فَكانَ لَهُم في عَمَلِ الخَيْرِ قُدْوَةٌ، وَكانَتْ الشُّهْرَةُ لَهُ بالفَضْلِ، شَهادَةً لَهُ بالخَيْرِ. والنَّاسُ شُهداءُ اللهِ في الأَرْضِ. ومِنْ دُعاءِ إبراهِيمَ الخَلِيْل عليه السلام {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} اجْعَلْ لِيْ في النَّاسِ مِنْ بَعْدِيْ ذِكْراً حَسَناً، أَكُونُ فيه للناسِ قُدوةً وإِماماً، فَأَنالُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ أُجُورِهِم. ومَنْ اشْتَهَرَ بِفَضِيْلَةٍ مِنْ علْمٍ أَو نَفْعٍ أَو إِحْسانٍ، فإِنَّهُ مُأَمُورٌ بِمجاهَدَةِ النَّفْسِ، ومُقاومَةَ الهَوى، لئَلا تَمِيْلُ بِهِ الشُّهرَةُ عَنْ دَرْبِ الإِخْلاصِ إِلى دَرْبِ التَطَلُّعِ للمَكانَةِ والثَناءَ).
والشُّهْرَةُ وإِنْ كانَتْ مِنْ مشْتَهَياتِ النُفُوسِ ورَغَباتِها، فإِنَّها مِنْ قُيُودِ النُفُوسِ مُكَبِّلاتِها. الشُّهْرَةُ تَحْرِمُ صاحِبَها حُرَّيَتَهُ، فَهُو في تَصَرُّفاتِهِ رَهِيْنٌ لأَعْيُنِ الآخَرِيْن، لا يَتَمَتَّعُ بِخُصُوصِيَّةٍ أَيْنمَا حَلَّ وأَيْنَما ارْتَحل. يَتَصَنَّعُ في حَياتِهِ، يَنْفَصِلُ عَنْ سَجِيَّتِهِ. يُعانِيْ مَعَ أُسْرَتِه. إِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ شاعَتْ في الأَقْرَبِيْنَ والأَبْعدين، وإِنْ أَصابَتْهُ نكبةٌ صَارَ حَدِيْثاً للمُتَنَدَّرِيْن. غُرْمُ الشُّهْرَةِ أَكْبَرُ مِنْ غُنْمِها، وضَرَرُها أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِها. تُصَيِّرُ الشُّهْرَةُ صاحِبَها مُسْتَسْلِماً لِرُكُوبِ كُلِّ تَيَّارٍ وإِنْ كَرِهَ رَكُوبَهُ، وتُصَيِّرَهُ مُتَمَايِلاً مَعَ كُلِّ رِيْحٍ وإِنْ أَبْغَضَ هَبُوبَها. كَمْ مِنْ مَشْهُورٍ جَنَحَ إِلى طَرِيْقٍ كَانَ يَكْرَهُ قَبْلَ الشُّهْرَةِ سُلُوكَهُ، وكَمْ مِنْ مَشْهُورٍ تَنازَلَ عَنْ مبادِئَ أَرْخَصَ أَمامَ المُغْرِيات ضَياعَها. وحَسْبُ المرءِ عافِيْةً أَنْ يَبْقَى خَفِياً لا يَتَتَبَّعُ النَّاسُ حَياتَهُ، وحَسْبُ المرءِ عافِيَةً أَنْ يَبْقَى مَجْهُولاً، لا يَكْشِفُونَ سَوْءاتَه. وفي حَدِيْثِ سَعْدِ بنِ أَبِيْ وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخفيَّ) رواه مسلم. {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} بارك الله لي ولكم..
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ ولِيُّ الصَالحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمداً رَسُولُ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وصلى اللهُ وسلَمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِيْن، وعلى مَنْ تَبِعَهُم بإِحْسانٍ إِلى يَومِ الدِّيْنِ. أَما بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا عِبادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.
أيها المسلمون: مَا شَاعَ مُصْطَلَحُ (الشُّهْرَةِ) في زَمَنٍ أَكْثَرُ مِنْهُ زَمانِنا، وما كَثُرَ أَعْدادُ المشَاهِيْرِ في زَمَنٍ أَكْثَرُ مِنْهُم في زَماننا، وما تَغْلغَلَ أَثَرُهُم في النَّاسِ في زَمَنٍ أَكْثَرُ مِنْهُ زَمَاننا. في زَمانِنا أَضْحَى طَلَبُ الشُّهْرَةِ مِنْ المَقاصِدِ التِيْ يَتَطَلَّعُ إِلى نَيْلِها كَثِيْرٌ مِنَ الشَبابِ والفَتَياتِ. أُرْخِصَتْ في طَلَبِ الشُّهْرَةِ كَرامَاتٌ، وأَزْهِقَت على عَتَبَاتِها فَضائِلُ، وأُهْدِرَتْ في سَبِيْلِها قِيَم.
شُهْرَةٌ يَتَطَلَّعُ إِلى نَيْلِها كَثِيْرٌ مِمن لَمْ تَحْمِلْهُم الأَقْدامُ إِلى السَّبْقِ في فَضْلٍ، ولَمْ تُسْعِفْهُمُ الأَقْلامُ إِلى التَفَوُّقِ في عِلْمٍ، ولَمْ تَنْهَضْ بِهِمُ الهِمَمُ إِلى التَمَيُّزِ في صَنْعَةٍ أَو مِهْنَةٍ أَو تِجارَة. يَعْتَلُونَ مَنصَّاتٍ للتَواصُلِ، فَلا يَزالُونَ (يُسَنِّبُونَ / أَو يُغَرِّدُونَ/ أَو يَبُثُّونَ) فَيَتَهافَتُ على مُتابَعَتِهِم كُلُّ فارِغٍ ليْسَ لَهُ مَناعَةٌ تَنْأَى بِهِ عَنْ مُشاهَدَةِ ما يُبَثُّ مِنْ غَثٍّ وغُثاءٍ وغَثِيْث. ثُمَّ يُصَيَّرُ أُولئِكُ المهَرِّجُونَ مَشاهِيْرَ تُسْتَقْبَلُ عَبْرَ المَنَصَّاتِ تَفاهَتَهُم. وأَخْطَرُ ما يُواجِهُهُ النَّشْءُ في زَماننا، إِعلاماً في مُتَناوَلِ كُلِّ أَحَدٍ لا ضَوابِطَ ولا حُدُودَ له. فَاسْتَحْكَمَ في عُقُولِ أَكْثَرِهِم فَصَاغَ لَهُم ثَقَافَتَهُم، واهْتِمامَاتَهُم وهِمَمَهُم. وصارَ أَقُوَى مَصْدَرٍ مِنْ مَصادِرِ التَثْقِيْفِ والتَلَقِّي.
* ومِنابِرُ المَشاهِيْرِ مِنْ أَكْثَرِ المَنابِرِ الإعلاميةِ تَأَثِيْراً، ولَئِنْ كانَ مِنَ المَشاهِيْرِ مَنْ هُم مِنْ مَصادِرِ الفَشَلِ والتَفاهَةِ والدَناءَةِ. فَإِنَّ مِنَ المَشاهِيْرِ مَنْ تَفَوَّقَ في نَشْرِ الفَضِيْلَةِ، وحِفْظِ الأَدَبِ، وبَثِّ الخَيْرِ، والتَحْذِيْرِ مِنْ كُلِّ سُلُوكٍ خاطِئٍ، ومَسْلَكٍ ومَشِيْن.
* مِنابِرُ المَشاهِيْرِ مِنْ أَكْثَرِ المَنابِرِ الإعلاميةِ تَأَثِيْراً. يُرْسِلُها المَشْهُورُ كَلِمَةً أَو صُورَةً أَو مَشْهداً. فَإِنْ كانَتْ تَحْمِلُ دَعْوَةً للِخَيْرِ والفَضِيْلَةِ والمَعْرُوفٍ، أَو نَهْياً عَنْ الفُحْشِ والبذاءَةِ والمُنْكَر. فإِنَّها عَمَلٌ مِنْ أَجَلِّ الأَعْمالِ، وقُرْبَةٌ مِنْ أَكْرَمِ القُرُبات. يُسَرُّ بِها صَاحِبُها بَيْنَ يَدِيْ رَبِّ العَالَمِيْن.
وإِنْ كانَتْ تَحْمِلُ دَعْوَةً لِفُحْشٍ أَو فِيْها تَرْوِيْجاً لِمعصيةٍ، أَو نَشْراً لِمُنْكَر. فَإِنَّهُ الوِزْرُ يَسْرِي لِصاحِبِهِ، ويَتَجددُ في صَحِيْفَتِهِ، ويَنالُهُ مِن الآثامِ بِقَدْرِ ما بَلَغَ وشاع.
اللهم احفظ علينا ديننا..
المرفقات
1762428022_حديث عن المشهور 16 ـ 5 ـ 1447هـ.docx