حُقُوقُ العُصَاةِ في الإسْلامِ

عبدالمحسن بن محمد العامر
1447/03/05 - 2025/08/28 07:41AM

الحمدُ للهِ كَتَبَ على نفسِهِ الرَحمَةَ، وأسْبَغَ على عبادِهِ النّعمَةِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، بالغُ الحِكْمَةِ، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه حفظَ اللهُ لدِينِه مَعَالِمَه ورَسمَه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آله وصحبِه، وعلى التّابِعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ النّعيمِ أو النِّقْمَةِ..

أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ، فالتقوى ترفعُ الوضيعَ، وتُزكّي المُطِيْعَ، وهيَ السَّدُّ المَنيعُ، والنَسَبُ الرّفيعُ؛ "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"

أَلا إِنَّما التَقوى هُوَ العِزُّ وَالكَرَمْ**وَحُبُّكَ لِلدُنيا هُوَ الذُلُّ وَالعَدَمْ

وَلَيسَ عَلى عَبدٍ تَقِيٍّ نَقيصَةٌ**إِذا صَحَّحَ التَقوى وَإِن حاكَ أَو حَجَمْ

معاشرَ المؤمنينَ: مِنْ طَبْعِ الإنسانِ؛ الخطأُ، والعصيانُ، والوقوعُ في الذّنوبِ، ومُقارَفَةُ الخطايا، ولا يَسْلمُ مِنْ ذلك أحدٌ إلا مِنْ عصمَ اللهُ، قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ" رواهُ الإمامُ أحمدُ والتّرمذيُّ وابنُ ماجه، وصحّحَه الألبانيُّ.

 وفي الحديْثِ القُدْسِيِّ فِيما رَوَى النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ" رواه مسلِمٌ.

وأقْسَمَ عليهِ الصَلاةُ والسلامُ؛ فقالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ" رواه مسلمٌ

عبادَ اللهِ: إذا كُنّا كذلكَ نَتَلَبّسُ بالذّنوبِ، وتَقَعُ مِنّا الزَّلّاتُ، والهفواتُ، والمعاصيَ، فَما مَوقِفُنَا مِنَ العُصَاةِ، والمُذنبينَ؟ وهلْ لَهم حُقُوقٌ تُحْفَظُ؟ ومَا حُدُودُ التَّعامُلِ مَعَهُم؟

إنَّ الإسلامَ دِيْنُ الكمالِ والرَّحمَةِ، وشَريْعتُه شريعةُ حِفْظِ الحقوقِ، وصِيانَةِ الأعْرَاضِ، وحِمَايةِ النَّسيجِ الاجتماعيِّ، واحترامِ الإنسانيَّةِ.

إنَّ العصاةَ؛ وإنْ تلطّخوا بالمعصيةِ، وانْغَمَسُوا بالذُّنوبِ؛ فلَهم حقوقٌ في شريعَةِ الإسلامِ تُحْفَظُ، وللتعاملِ مَعَهُم كَيفِيّةٌ، وطريقةٌ، ومَنْهَجٌ؛ يَنْبَغِي لُزُومُهُ، وسلوكُه.

فَمِنْ حقوقِ العصاةِ: رحمَتُهُمْ مِن جهةِ أنّهم سَيْطَرتْ عليهم المعصيةُ وغَلبَتهُم النّفْسُ الأمَّارةُ بالسوءِ، فَنَرْحَمَهم شفقةً عليهم مِن عقوبةِ الدنيا والآخرةِ، قِيلَ لِعَمْرٍو بنِ قيسٍ المُلائِيُّ: مَا الَّذِي نَرَى بِكَ مِنْ تَغَيُّرِ الْحَالِ؟ قَالَ: رَحْمَةً لِلنَّاسِ مِنْ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وتَتَجلّى رحمَةُ اللهِ بالعصاةِ؛ في حِلْمِهِ عليهم، وإمهالِهم زمناً للتوبةِ، وعدَمِ معاجَلتِهم بالعقُوبَةِ. وهذا بابٌ واسعٌ تتجلّى فيه عظَمَةُ وكمالُ صفاتِ اللهِ تعالى.

ومِنْ حقوقِ العصاةِ: السَّترُ عليهم؛ لقولِ الرَّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" رواهُ مسلمٌ، وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا في الدُّنْيا، إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ" رواهُ مسلمٌ، قالَ بَعضُ الوزرَاءِ الصَّالِحِينَ لِبَعْضِ مَنْ يَأمُرُ بِالمِعْرُوفِ: (اجْتَهِدْ أَنْ تَسْتُرَ العُصَاةَ، فِإنَّ ظُهُورَ مَعَاصِيْهِم عَيْبٌ في أَهْلِ الإسلامِ، وَأوْلى الأُمُورِ؛ سَتْرُ العُيُوبِ) أمّا مَنْ كَانَ مُشْتَهِراً بِالمَعَاصِي، مُعلناً بها لا يُبالي بِما ارْتَكَبَ منها، ولا بِما قِيْلَ له، فَهذا هوَ الفَاجِرُ المُعلِنُ، وَلَيْسَ لهُ غِيْبَةٌ، كَمَا نَصَّ على ذَلكَ الْحَسَنُ البَصريُّ وغيرُه، وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ رحمَهُ اللهُ: (فالسَّتْرُ يُنْظَرُ فِيهِ إلى المَصلَحَةِ، فالإنسانُ المَعْرُوفُ بالشرِّ والفَسَادِ لا يَنبَغي سَتْرُهُ، والإنسانُ المُستقيمُ في ظَاهِرِهِ، ولكِنْ جَرَى مِنهُ مَا جَرى؛ هذا هوَ الذي يُسَنُّ سِتْرُهُ)

ومِن حقوقِ العصاةِ: الدّعاءُ لهم؛ لا عَلَيْهِم، فهذا منهجُ النّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ، فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: " كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ" رواهُ البخاريُّ، وعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: "قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إلى الإسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا اليومَ فأسْمعتْنِي فِيكَ ما أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ" رواهُ مسلمٌ. ونهى النّبيُّ صلى الله عليهِ وسلّم عنِ الدّعاءِ على العاصِيَ "فقد أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ -قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بثَوْبِهِ- فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: لا تَقُولوا هَكَذَا؛ لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ" رواهُ البخاريُّ

ومِنْ حقوقِ العصاةِ: حَمْدُ اللهِ على العافيةِ مِنْ بلواهُم، فقد قالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ: "من رأى مبتلًى فقال: "الحمدُ للهِ الذي عافاني مِمَّا ابتلاكَ به، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا؛ لمْ يُصِبْهُ ذلك البَلاءُ" رواهُ ابنُ ماجه وغيرُه وصحّحَه الألبانيُّ، ولا شكَّ أنَّ المعاصيَ مِنْ أشدِّ البلاءِ الذي يقعُ به المُسلِمُ.

ومِنْ حقوقِ العُصاةِ: عَدَمُ تعييرِهم بذنوبِهم، فقد رويَ عنِ النّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ أنّه قالَ: "لا تُؤذُوا عِبادَ اللهِ ولا تُعيِّروهم ولا تَطلُبوا عوراتِهم فإنَّه مَن تَطَلَّبَ عورةَ أخيه المُسلمِ طلَبَ اللهُ عورتَه حتَّى يفضَحَه في بيتِه" رواهُ الإمامُ أحمدُ، وقالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ في وصيّتِهِ لجابِرِ بنِ سُليْمٍ أبو جُريٍّ التّمِيميِّ الهُجِيْمِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ: "وإنِ امرؤٌ شتمَكَ وعيَّرَكَ بما يَعلَمُ فيكَ، فلا تعيِّرهُ بما تعلَمُ فيهِ، فإنَّما وبالُ ذلِكَ علَيهِ" رواهُ أبوداودَ وصححهُ الألبانيُّ.

ومِنْ حقوقِ العُصَاةِ: عدَمُ التّألي على اللهِ بعدَمِ مغفرتِهِ لهُمْ، قالَ اللهُ تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" وعن جُنْدُبِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهُ: " أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ" رواهُ مسلِمٌ. والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ، ومِنْ أعجبها حديثُ أبي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنه قالَ:"  أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه ثَوْبٌ أبْيَضُ، وهو نَائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقالَ: ما مِن عَبْدٍ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ وكانَ أبو ذَرٍّ إذَا حَدَّثَ بهذا قالَ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبِي ذَرٍّ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

باركَ اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسّنَّةِ، ونفعنا بما صرّفَ فيهما مِنَ العِبَرِ والحِكمةِ.

أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم إنّه كانَ غفّاراً.

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ "غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ" وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العليمُ الخبيرُ، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسُولُه البشيرُ النّذيرُ؛ صلى اللهُ وسلّمَ عليهِ وعلى آله وصحابتهِ أهلِ البرِّ الوَفِيْرِ، والخيرِ الكثيرِ، وعلى مَنِ اتبعهم بإحسانٍ إلى اليومِ العبوسِ القمْطَريرِ.

أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ، "وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: ومِن حقوقِ العصاةِ: بَقاءُ الأخوّةِ الإسلاميّةِ لهم، فاللهُ سمّى الطائفتينِ المُتَقَاتِلَتَيْنِ مِنَ المؤمنينَ إخوةً، معَ أنَّ القِتالَ مِنْ أشدِّ المعاصي؛ خاصَّةً إذا اجتمعَ معهُ البغيُ؛ قالَ تعالى: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "

ومِنْ حقوقِ العصاةِ: تَركُ التّجسسِ والتَّحسُّسِ عليهم، وعدَمُ إساءةِ الظَّنِّ بهم، فَوقوعُهم في المعاصي؛ لا يعني استباحَةَ ذلكَ عليهم، قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إيَّاكُمْ والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَباغَضُوا، وكُونُوا إخْوانًا" رواهُ البخاريُّ.

ومِنْ حقوقِ العصاةِ: الفرَحُ بِتوبَتِهم وتصديقُهم فيها، فالتّائبُ حبيبُ اللهِ "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ" واللهُ يَفْرَحُ بهِم؛ قالَ عليه الصّلاةُ والسلامُ: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ، لِنوسِّعَ لهؤلاءِ التائبينَ المُقْبِلِيْنَ رَحْمَةَ اللهِ، ولِنُذَكِّرَهُمْ بِكريمِ عَفْوِهِ سُبْحَانَه، وقد قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ماعزِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ: "لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ" رواه مسلمٌ، وقالَ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ عنِ الغامِديّةِ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له" رواهُ مسلمٌ.  فالعاصي متى تابَ وأعلنَ التوبَةَ وأظْهَرَها فإنها تُقْبَلُ مِنهُ، ويُصدَّق بها، وأمْرُهُ إلى اللهِ، وقَدْ يكونُ باطِنُه أزْكى مِنْ ظاهرِه.

ومِنْ حقوقِ العصاةِ: إقالةُ ذوي الهيئاتِ منهم عَثَراتِهم؛ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: " أقيلوا ذَوي الهيئاتِ عثَراتِهم إلا الحدودَ" رواهُ الإمامُ أحمدُ والنسائيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ.

فالعَفْوُ عنِ الزَّلَّاتِ التي تَصدُرُ مِنَ الناسِ من مَحاسِنِ الشَّريعَةِ الإسْلاميَّةِ، لا سيَّما إذا كان مَنْ صَدَرَتْ منه مَعْروفًا بين الناسِ بالفَضْلِ والخَيْرِ، فمِثْلُ هذا يكونُ السَّتْرُ في حَقِّهِ أوْلى؛ حتى لا يذْهَبَ خيْرُهُم في الناسِ، وحتى لا تَنْعدِمَ قُدْوتُهُم بين الناسِ.

وبعدُ عبادَ اللهِ: هذه جُملةٌ مِنْ حقوقِ العصاةِ في شريعةِ الإسلامِ، وهناكَ غيرُها؛ حيثُ يجتمعونَ مع عمومِ المسلمينَ في الحقوقِ العامَّةِ التي جاءت بها الشريعةُ الإسلاميَّةُ.

فحريٌ بكلِّ مسلمٍ أنْ يحفظَ لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، لينالَ بذلكَ الأجرَ والمثوبةَ مِنَ اللهِ تعالى، ولِيَسْلَمَ مِنَ الوزْرِ والإثمِ، فالحقوقُ إما إعطاءٌ وبذلٌ، وتعاملٌ إيجابيٌّ، أو كفُّ، وإعْرَاضٌ، وإمساكٌ عنِ الأذى، وتوَقُّفٌ عندَ حدودِ الله.

هذا وصلّوا وسلّموا ..

المرفقات

1756356093_حقوقُ العُصَاةِ.docx

المشاهدات 72 | التعليقات 0