حقُّ المرأةِ -خديجة- أنموذجا (تعميم)
يوسف العوض
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ عَظِيمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى هٰذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ شَرَعَ لَهَا دِينًا يُكْرِمُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَيَرْفَعُ قَدْرَهُمَا، وَيَجْعَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُقُوقًا مُصَانَةً، لَا تُظْلَمُ فِيهَا الْمَرْأَةُ، وَلَا يُتَجَاوَزُ فِيهَا عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ هُوَ دِينُ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ.
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ – سُبْحَانَهُ – أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي تَكْرِيمِ الْمَرْأَةِ فِي سِيرَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، تِلْكَ الطَّاهِرَةِ الْعَاقِلَةِ، الَّتِي أَثْبَتَتْ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْإِسْلَامِ شَرِيكَةٌ فِي الْخَيْرِ، رَافِعَةٌ لِبِنَاءِ الْأُمَّةِ، وَعَامِلَةٌ فِي نَصْرِ الدِّينِ.
يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ: مِنْ أَوَّلِ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ:
حَقُّ التَّكْرِيمِ وَالْاحْتِرَامِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾
فَالْمَرْأَةُ مُكَرَّمَةٌ بِلَا امْتِنَانٍ مِنَ الْخَلْقِ.
وَقَدْ بَلَغَ مِنْ تَكْرِيمِ النَّبِيِّ ﷺ لِخَدِيجَةَ أَنْ كَانَ يَقُولُ:
«إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا».
مَا أَعْظَمَ هٰذَا الْإِقْرَارَ! رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُدُّ مَحَبَّةَ زَوْجَتِهِ رِزْقًا وَنِعْمَةً.
وَمِنْ حُقُوقِهَا: حَقُّ الْأَمَانِ النَّفْسِيِّ وَالدِّعْمِ الْوَجْدَانِيِّ.
يَوْمَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَرَجَعَ مُرْتَجِفًا يَقُولُ: «زَمِّلُونِي»، كَانَتْ خَدِيجَةُ هِيَ السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، فَقَالَتْ لَهُ كَلِمَاتٍ خَالِدَةً:
«كَلَّا، وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا»،
فَهٰذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ شَرِيكَةٌ فِي الْعُسْرِ كَمَا هِيَ فِي الْيُسْرِ.
وَمِنْ حُقُوقِهَا الَّتِي أَثْبَتَهَا الْإِسْلَامُ: حَقُّ الْمِلْكِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِ؛ فَخَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَتِّجِرُ، وَلَهَا مَالٌ تُدِيرُهُ بِحِكْمَةٍ وَنُبْلٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذٰلِكَ، بَلْ كَانَ يَعْمَلُ فِي تِجَارَتِهَا قَبْلَ زَوَاجِهِ مِنْهَا، فَدَلَّ ذٰلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَحْجُبِ الْمَرْأَةَ عَنْ مَجَالِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ.
وَلَهَا حَقُّ الِاخْتِيَارِ فِي الزَّوَاجِ، فَخَدِيجَةُ هِيَ الَّتِي خَطَبَتِ النَّبِيَّ ﷺ لِنَفْسِهَا، لَمْ تُكْرَهْ، وَلَمْ تُجْبَرْ، فَأَقَرَّ الْإِسْلَامُ ذٰلِكَ وَجَعَلَهُ مِنْ أُصُولِ الْعَقْدِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَمْ تَكُنْ خَدِيجَةُ نَمُوذَجًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ فَقَطْ، بَلْ نَمُوذَجًا لِامْرَأَةٍ تُعَاوِنُ زَوْجَهَا عَلَى الْخَيْرِ، وَتَحْمِلُ هَمَّ الدَّعْوَةِ.
قَالَ ﷺ لَهَا يَوْمًا: «بَشِّرِ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» أَيُّ كَرَامَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُبَشِّرَهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ!
ذٰلِكَ لِأَنَّهَا اسْتَخْدَمَتْ عَقْلَهَا، وَمَالَهَا، وَوَقْتَهَا، وَحَياتَهَا فِي نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَتْ شَرِيكَةً فِي الْأَجْرِ، وَفِي الْبِنَاءِ، وَفِي الثَّبَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ: لَيْسَتِ الْحُقُوقُ دُعَاءً يُرْفَعُ، وَلَا شِعَارًا يُرَدَّدُ، بَلْ هِيَ مَسْؤُولِيَّةٌ تُطَبَّقُ، وَوَاجِبٌ يُؤَدَّى.
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرَى الْمَرْأَةَ مُكْرَمَةً، فَلْيَنْظُرْ إِلَى خَدِيجَةَ، فَقَدْ أَكْرَمَهَا الْإِسْلَامُ، وَأَكْرَمَهَا رَسُولُ الْإِسْلَامِ ﷺ، وَأَكْرَمَهَا رَبُّ الْإِسْلَامِ.
اَللَّهُمَّ اجْعَلْ بُيُوتَنَا كَبَيْتِ خَدِيجَةَ؛ بِسَكِينَتِهَا، وَطُهْرِهَا، وَإِيمَانِهَا.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَة
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ سِيرَةَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُعَلِّمُنَا أَنْ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ حَرْفًا عَلَى وَرَقٍ، بَلْ هِيَ مَنْهَجٌ عَمَلِيٌّ تُرْسِيهِ الْأُسَرُ وَيُجَدِّدُهُ الْمُجْتَمَعُ.
فَلَهَا فِي الْإِسْلَامِ: حَقُّ التَّقْدِيرِ وَالِاحْتِفَاءِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ خَدِيجَةَ وَيُثْنِي عَلَيْهَا وَيُحْسِنُ إِلَى صَدِيقَاتِهَا، وَيَقُولُ:
«مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا».
فَمَنْ أَكْرَمَ زَوْجَتَهُ فَقَدِ اقْتَدَى بِالنَّبِيِّ ﷺ.
وَلَهَا حَقُّ الْمُشَاوَرَةِ، فَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ ﷺ زَوْجَاتِهِ، وَاسْتَمَعَ إلَى آرَائِهِمْ، وَفِي ذٰلِكَ تَثْبِيتٌ لِقِيمَةِ الْمَرْأَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَدَوْرِهَا فِي اتِّخَاذِ الْقَرَارِ.
وَلَهَا حَقُّ الْحَيَاةِ الْكَرِيمَةِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾،
فَالْمَعْرُوفُ أَسَاسٌ لِكُلِّ زَوَاجٍ مُسْلِمٍ، وَمَنْ فَقَدَ الْمَعْرُوفَ فَقَدَ الرَّحْمَةَ.
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: لَيْسَ الْكَلَامُ الْيَوْمَ عَنْ دِفَاعٍ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَلَا مُجَرَّدِ دَعْوَى لِحُقُوقِهَا، بَلْ هُوَ اسْتِعَادَةٌ لِسِيرَةِ عَظِيمَةٍ، نَرَى فِيهَا الْمَرْأَةَ الْعَاقِلَةَ، الْمُؤْمِنَةَ، الشَّرِيكَةَ فِي الدِّينِ وَالْحَيَاةِ.
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ نِسَاءَنَا، وَبَارِكْ فِي بَنَاتِنَا، وَاجْعَلْهُنَّ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِلْمُتَّقِينَ.
اَللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْ سِيرَةِ خَدِيجَةَ الطُّهْرَ، وَالصِّدْقَ، وَالْحِكْمَةَ، وَثَبِّتْنَا عَلَى نَهْجِ نَبِيِّكَ الْكَرِيمِ.
المرفقات
1765279662_المراة.docx