خصومة مع أبي بكر رضي الله عنه

هلال الهاجري
1447/05/22 - 2025/11/13 08:13AM

الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الكَرِيمِ، الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، أَصَابَ عِبَادَهُ بِالخَيرِ وَالسَّرَّاءِ، وَدَفَعَ عَنْهُمُ البَلَاءَ وَالضَّرَّاءَ، وَجَعَلَهُمْ فِي دَارِ امْتِحَانٍ وَابْتِلَاءٍ؛ لِيَجِدُوا مَا عَمِلُوا يَوْمَ الجَزَاءِ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْأَفُ الْأُمَّةِ بِالْأُمَّةِ، وَأَنْصَحُهُمْ لَهَا، لَا خَيرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ .. أما بعد:

أيُّها الأحبةُ .. عِندَمَا يَكُونُ الحَدِيثُ عَنِ الصَّحَابةِ الكِرَامِ، فَهُوَ حَدِيثٌ عَمَّنْ زَكَّاهُم وَرَضِيَ عَنهُم القُدُّوسُ السَّلامُ، حِينَ قَالَ سُبحَانَهُ: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، هُوَ حَدِيثٌ عَنِ البَشَريَّةِ في أَسمَى صِفَاتِها، وَأَعلَى أَخلاقِهَا، فَهُمْ بَشَرٌ يُخطِئونَ وَيَتَخَاصَمُونَ وَيَتَخَالَفُونَ وَلَيسُوا بِمَعصُومِينَ، وَلَكِنْ كَيفَ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الخَطَأِ بَعدَ وُقُوعِهِ؟، وَكَيفَ يَتَجَاوزونَ الخِلافَ بَعدَ نُشُوبِهِ؟، تَعَالُوا لِنسمَعَ خُصُومَةً كَانَ أَحدُ أَطرَافِهَا صِدِّيقَ الأُمَّةِ.

قالَ رَبِيعةُ الأسلميُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (كُنتُ أَخدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعطَاني أَرضَاً، وَأَعطَى أَبَا بَكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرضَاً، وَجَاءَتِ الدُّنيَا فاختَلَفْنَا في عِذْقِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هِيَ في حَدِّ أَرضِي، وقُلتُ أنا: هِيَ في حَدِّي، فتَنَازَعْنَا)، هَا هُوَ رَبِيعَةُ يُحَدِّدُ السَّبَبَ في النِّزاعِ الذي وَقَعَ بَينَهُ وَبَينَ الصِّديقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا بِقَولِهِ: (وَجَاءَتِ الدُّنيَا، فاختَلَفْنَا في عِذْقِ نَخْلَةٍ)، وهذا التَّشخِيصُ الدَّقيقُ في أَنَّ السَّبَبَ هُوَ (مَجِيءُ الدُّنيا) يُعِينُ كَثِيراً عَلَى تَجَاوزِ الخِلافِ، حَتَى يُصبِحَ الخِصَامُ ذِكرَى في مَاضِي الذِّكرَيَاتِ، وَدَرسٌ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الدُّروسِ وَالعِظَاتِ، فَكَم أَهلَكَتْ هَذهِ الدُّنيا مِن شَحيحٍ، وَكَم أَمرَضَ حُبُّها مِن صَحِيحٍ، كَم قُطَعتْ بِسَبَبِهَا مِن أَرحَامٍ، وَكَم أَثقَلتْ المَوَازينَ بِالآثامِ، فرَّقتْ بَينَ الرَّجلِ وَأَبيهِ، وَخَالَفَتْ بَينَ الأَخِ وَأَخيهِ، مَنْ اهتَمَّ بِهَا ضَرَّتُه في دُنيَاهُ، وَمَن تَعَلَّقَ بِهَا أَوبَقَتْ عَليهِ أُخرَاهُ، لَقد استَفَادَ الصَّحَابَةُ مِن دَرسِ النَّبيِّ العَظيمِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ قَالَ لَهُم: (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ)، فَعَرَفُوا مَتَى تَأَتي الدُّنيا، وَمَاذا تُريدُ؟، وَكَيفَ يَتَصرَّفُونَ مَعَهَا؟، وَهَذِهِ القِصَّةُ خَيرُ مِثَالٍ، عَلى ثَبَاتِ رِجَالٍ كَرُسُوخِ الجِبَالِ.

ثُمَّ قَالَ رَبِيعَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (وَكَانَ بَينِي وَبَينَ أَبي بَكرٍ كَلامٌ، فَقَالَ لي أَبُو بَكرٍ كَلِمَةً كَرِهْتُهَا، ونَدِمَ)، سُبحَانَ اللهِ، هَلْ تَعجَبُونَ مِن تِلكَ الكَلِمَةِ التي كَتَمَهَا رَبِيعًةُ وَلم يَذكرْها، لِيُثبِتَ أَنَّها نُسيَتْ وَلَم يَبَقَ لَهَا أَثَرٌ؟، أَمْ تَعجَبُونَ مِن سُرعَةِ نَدَمِ أبي بَكرٍ الصِّديقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى كَلِمَةٍ كَرِهَهَا صَاحِبُهُ؟، إنَّهَا الأَخلاقُ الرَّفيعةُ وَالنَّفُوسُ الكِبَارُ، إنَّهُ الخَطَأُ الذي لا يَسلَمُ مِنهُ بَشَرٌ وَلَكِنْ بَعدَهُ نَدَمٌ سَرِيعٌ فَاعتِذَارٌ، إنَّهَا الأُخوَّةُ التي لا تُؤَثِرُ فِيهَا كَلِمَةُ غَضَبٍ، ولا تُزَحزِحُهَا سَاعَةُ عَتَبٍ، كَلِمَةٌ طَوَاها رَبِيعَةُ، وَنَدِمَ عَليهَا أَبُو بَكرٍ، ثُمَّ قَالَ: (يَا رَبِيعَةُ، رُدَّ عَلَيَّ مِثلَها حَتَّى يَكُون قِصَاصًا)، اللهُ أكبرُ .. إنَّهُ الخَوفُ مِنَ الآخِرَةِ وَطَلَبُ القِصَاصُ في الدُّنيَا، وَاستِحضَارٌ لِقَولِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ).

 فَمَا كَانَ مِن رَبِيعَةَ إلا أَن قَالَ: (لا أَفعَلُ)، وَأَحسَنْتَ وَاللهِ يَا رَبِيعَةُ، فَمَن ذَا الذي يَستَطِيعُ أَن يَتَعَدَّى عَلى أَبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَلُو كَانَ قِصَاصَاً، مَن يَتَجرَأُ عَلى قَولِ كَلِمَةٍ لَهُ وَهُوَ يَعرِفُ فَضلَهُ وَسَابِقَتَهُ وَحُبَّ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الذي قَالَ عَنهُ: (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي).

فَقَالَ أَبو بَكرٍ لِرَبيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (لتَقُولَنَّ، أَو لأَسْتَعْدِيَنَّ عَلَيكَ رسولَ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ ربيعةُ: (ما أَنَا بفَاعِلٍ)، قَالَ رَبِيعَةُ: (ورَفَضَ الأَرضَ -أيْ: ضَرَبَهَا برِجلِهِ-، فَانطَلَقَ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى النَّبيِّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، عَجَبَاً لِهَذَا الرَّجُلِ الذي يَغضَبُ وَيَضرِبُ الأَرضَ بِرجلِهِ لأَنَّ صَاحِبَهُ لم يَردَّ عِليهِ الكَلِمَةَ التي قَالَها، بَلْ وَيَذهَبُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشتَكيَ نَفسَهُ أَنَّهُ أَخطَأَ، وَيَشتَكيَ صَاحِبَهُ أَنَّهُ لَم يَقتَصَّ مِنهُ حِينَ طَلَبَ مِنهُ ذَلِكَ، فَهلْ رَأيتُم شَكوَى لِغَرِضِ الصُّلحِ؟، قُلُوبٌ بَيضَاءُ اعتَادَتْ عَلى تَصفِيَّةِ النُّفُوسِ، وَتَسويةِ الخِلافِ قَبلَ أَن يَتَفَاقَمَ وَيَجِدَّ الشَّيطَانُ فِيهِ مَدخَلاً.

قَالَ رَبِيعَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (فَانطَلَقتُ أَتْلُوهُ -أيْ: أتبعُهُ-، فَجَاءَ أُنَاسٌ مِن أَسْلَم -أيْ: قَبيلةُ أَسلمَ، وهُم قَومُ رَبِيعَةَ-، فَقَالُوا: رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكرٍ، في أَيِّ شَيءٍ يَسْتَعْدِي عَلِيكَ رَسُولَ اللهِ، وهُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ مَا قَالَ؟، فقُلتُ: أَتَدْرُونَ مَن هَذَا؟، هَذَا أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، وَهُو ثَانِي اثنينِ، وَهُو ذُو شَيْبَةِ المُسلِمِينَ، فإِيَّاكُم يَلتَفِتُ فيَرَاكُم تَنصُرُونِي عَلَيهِ، فيَغضَبُ، فيَأتِي رَسُولَ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيُخْبِرُهُ، فيَغضَبُ لغَضَبِهِ، فيَغضَبُ اللهُ لغَضَبِهِمَا؛ فيَهلَكُ رَبِيعَةُ، قَالُوا: فَمَا تَأمُرُنا؟، قال: ارجِعُوا).

كَثِيرٌ هُم الذينَ يُسعِّرونَ نَارَ الخِلافِ بَينَ الأَحبَابِ، وَيُلقُونَ فِيهَا حَطبَ التَّحرِيشِ والخَرَابِ، وَيَنفُخُونَ فِيهَا لَيَكثُرَ دُخَانُها، بَل بَعضُهُم يَأتي في طَابعِ النَّصِيحَةِ، كَمَا قَالَ هَؤلاءِ لِرَبِيعَةَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكرٍ، في أَيِّ شَيءٍ يَسْتَعْدِي عَلِيكَ رَسُولَ اللهِ، وهُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ مَا قَالَ؟، وَلَكِنَّهُم لم يَجِدُوا الأُذنَ الصَّاغِيةَ، وَلم يَجِدُوا النَّفسَ الحَاقِدَةَ، بَل وَجَدُوا المُسلمَ الذي يَغفِرُ لأخِيهِ المُسلمِ، وَوَجَدُوا مَن يَعرِفُ لأَهلِ القَدرِ قَدرَهُم، وَلا تُنسِيهِ كَلِمَةٌ عَظِيمَ فَضلِهِم، وَوَجَدُوا المُؤمِنَ الذي يُحِبُّ مَن يَحبُّهُ اللهُ تَعَالى وَرَسُولُهُ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَخَافُ مِن غَضِبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)، وَمَن مِنَ الأَولِيَاءِ خَيرٌ مِن أَبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟.

وَهَكَذَا يَا عِبَادَ اللهِ يَتَعَامَلُ أَهلُ الصَّلاحِ مَعَ زَلَةِ أَهلِ الفَضلِ وَالعِلمِ، الذينَ لَهُم سِيرةٌ طَيِّبةٌ، وَتَارِيخٌ مُشَرِّفٌ.

وَإذَا الحَبِيبُ أَتَى بِذَنبٍ وَاحِدٍ *** جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلفِ شَفِيعِ

بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُم في القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَني وَإياكُم بِالآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَولي هَذَا وَأَستَغفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكم، وَلِسَائرِ المُسلِمِينَ مِن كُلِّ ذَنبٍ فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَرِيكَ له، وَأَشهدُ أن نبيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذيرُ والسِّراجُ المُنيرُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ، وَعَلى آلهِ وَأَزوَاجِهِ وَأصحَابِه والتَّابعينَ، ومن تبِعَهم بِإحسَانٍ وَعَلى طَريقِ الحَقِّ يَسِيرُ، وَسِلَّمَ التَّسلِيمَ الكَثِيرَ .. أَمَّا بَعدُ:

قَالَ رَبِيعَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (فَانطَلَقَ أَبو بَكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتَبعتُهُ وَحدِي، وجَعلتُ أَتلُوهُ؛ حَتَّى أَتَى النَّبيَّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحَدَّثَهُ الحَدِيثَ كَمَا كَانَ)، اللهُ أَكبَرُ، هَا هُوَ رَبِيعَةُ وَهُوَ الخَصمُ يَشهَدُ أَنَّ أَبَا بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُحدِّثُ النَّبيَّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَدِيثِ كَمَا كَانَ، حَتَى ذَكَرَ لَهُ الكَلِمَةَ التي قَالَها وكَرِهَها رَبِيعَةُ، وإذَا كَانَ اللهُ تَعَالى يَقُولُ: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ)، فَهَا هُوَ أَبُو بَكرٍ يَعدِلُ حَتَى عَلَى نَفسِهِ.

قَالَ رَبِيعَةُ: فرَفعَ إليَّ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأسَهُ، فَقَالَ: (يَا رَبيعَةُ، مَا لَكَ وللصِّدِّيقِ؟)، اللهُ أَكبَرُ، أَلم أَقُلْ لَكُم إنَّ لِلصِّدِّيقِ مَكَانَةً عِندَ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ كَذَا، وَكَانَ كَذَا، فَقَالَ لي كَلِمَةً كَرِهتُهَا، فَقَالَ لي: قُل كَمَا قُلتُ لَكَ حتَّى يَكُونَ قِصَاصًا، فَأَبَيتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: (أَجَل، فَلا تَرُدَّ عَلَيهِ، لاَ تَقُلْ لَهُ كَمَا قَالَ، ولَكِنْ قُل: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكرٍ)، فقُلتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكرٍ، قالَ: فوَلَّى أبُو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهُو يَبكِي.

لا إلهَ الا اللهُ، نِعْمَ الحَكَمُ ونِعْمَ الخَصمَانِ، قَضِيةُ خِصَامِ استَمَرتْ دَقَائقَ مَعدُودَةً، فَذَهَبُ العِتَابُ، وَتَصَالحَ الأَحبَابُ، التَزمَا فِيهَا بِمَكَارمِ الآدابِ، وتَجَاوزا أَسبَابَ الفُرقَةِ والشَّقاقِ، فَبدَأَتْ بِكَلِمَةٍ وَانتهَتْ بِدُعَاءٍ وَوِفَاقٍ.

وَأَمَّا بُكَاءُ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثُمَّ ذَهَابُهُ، فَلا أَعلَمُ هَل هُوَ بُكَاءُ النَّدَمِ، وَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ سَبَبَتْ كُلَّ ذَلِكَ الأَلَمِ، أَمْ هُوَ بُكَاءُ الحَيَاءِ، أَن يَراهُ الحَبِيبُ في مَوقِفِ الاعتِدَاءِ، أَمْ هُوَ بُكَاءُ الفَرحةِ والسُّرورِ، أَن سَامَحَهُ صَاحِبُهُ وَدَعَا أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنهُ الغَفُورُ، هُنَا تَعلَمُ سِرَّ قَولِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ)، فَرَضِيَ اللهُ عَنهُ وأَرضَاهُ.

اللهمَّ لَكَ أَسلَمنَا، وَبِكَ آمنَّا، وَعَليكَ تَوكلنَا، وَإليكَ أنَبْنَا، وَبِكَ خَاصَمْنَا، اللهمَّ إنَّا نَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إلهَ إلا أَنتَ أَنْ تُضِلَّنا، أَنتَ الحَيُّ الذي لا يَموتُ، والجِنُّ والأنسُ يَموتُونَ، اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعداء، اللهم إنا نعوذُ بك من العَجْزِ والكسلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، والهَمَّ وَعَذَابِ القَبرِ، اللهمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوها، وزَكَّها أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاها، أَنتَ وَليُّهَا ومَوْلاهَا، اللهمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عِلْمٍ لا يَنفَعُ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ، وِمِنْ نَفسٍ لا تَشبَعُ، وَمِن دَعوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لها.

المرفقات

1763010805_خصومة مع أبي بكر رضي الله عنه.docx

1763010812_خصومة مع أبي بكر رضي الله عنه.pdf

المشاهدات 998 | التعليقات 0