خطبة أعظم النمية بين الوالد وولده وبين الحاكم والمحكومين

حسين بن حمزة حسين
1447/01/19 - 2025/07/14 14:20PM

أيها المسلمون: من أشرّ وأخْبث الخلقِ على الخلْق، النمّام، الذي ينقلُ الكلام بين الناس بقصْد الإفساد، وزرْع الأحقاد، فالنميمةُ رأسُ الغدْر، وأساسُ الشر، تهدم البيوت، تفرّق بين الأحبّة، توقد نار الفتنة، وتجرّ صاحبها إلى عذاب النار، قال تعالى محذّراً (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ)، داءٌ وَبيل وشرٌّ خطير، كَمْ أَبكى من عيون، وأحْرَق من أفئدة، وقُطِّعت به من أرحام، وطُلِّقَت به من نساء، وهُدِّمت بيوت، ولم يدَع مُقترِفُها هذا الداء للصلح موضعًا، ولا للوُدِّ مكانًا، لا يحمل هذا الداء إلا إنسانٌ خبيثٌ خسيس، حقودٌ حسودٌ ظالم، وقد قيل: يُفسِد النمَّام في ساعة ما لا يُفسِده الساحر في سنة، قال صلى الله عليه وسلم (تَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذا الوَجْهَيْنِ الذي يَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْهٍ، ويَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْه) رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنةَ نمَّام) متفق عليه، مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قبرينِ فقال: ( إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ ثمَّ قال: بلى أمَّا أحدُهما فكان يسعى بالنَّميمةِ وأمَّا الآخَرُ فكان لا يستنزِهُ مِن بولِه) متفق عليه، أجمعت الأمة على تحريم النميمة؛ فهي من أعظم الذنوب والكبائر، وقال صلى الله عليه وسلم (شرُّ عباد الله المشَّاؤون بالنميمة، المُفرِّقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العَنَت) أخرجه أحمد. وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة) متفق عليه، والنمّام لا يستر، بل يكشف ويفضح.

معاشر الإخوة: أشدّ النميمةِ وأعظمُها ما يقعُ بين الأقارب والأرحام وخصوصاً ما بين الوالدين والأبناء، والإخوة والأخوات وذويهم، فأحدهم يريد أن يحظى بحبّ والديه، فيُفْسد النمّامُ بنذالته وغدْره بين أخيه ووالديه، فينقل كلاماً أو يقولَ زوراً ليظهر في ثوب الابن البار، ولو نافس النمّام أخاه ببرّ والديه لفاز بالمحبّة ِوالخيرِ الجميع، فكم من عائلةٍ كانت قلوبُهم مجتمعةً ففرّق بينهم نمّام، كم من بيت انهدم، وقلوب تفرّقت، بسبب أخٍ أو أخت، أو خادمة أو خادم َنقَلَ كلاما فشحن قلب والدٍ بكُرْه ابنه أو بنته، أو شحَن قلْبَ أمٍّ بكرْهِ ابنها أو بنتها أو بكُرْه زوجة ابنها، أو زوج بنتها، شاهدوا معظم الفرقة بين الإخوان سببها النميمة، معظم الطلاق ومشاكل الطلاق النميمة، وما أكثر النميمة بين الزوجة وأخوات الزوج، بل أكثر نسبة طلاق إن لم أُبالغ بسبب النميمة، قال صلى الله عليه وسلم: (ليسَ منَّا من خبَّبَ -أي أفسد- امرأةً علَى زوجِها أو عبدًا علَى سيِّدِه) صححه الألباني، وهكذا النمام لا يرتاح حتى يفسد حياة الناس وينغّص معيشتهم كفانا الله شرهم وخبثهم.

إخوة الإيمان: من حُمِلت إليه النميمة، أو بلَغته الوِشاية، أو حضَر مجلس نمَّام، أو سمِعه فينبغي أن لا يُصدِّقه، فإنما هو فاسق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، فاحذروا -رحمكم الله وعافاكم-، وتحقَّقوا، ولا تتعجَّلوا، واعفوا واصفَحوا واغفروا واسمعوا وأطيعوا، فأخوك من إذا فارقتَه حفِظك، وإذا غِبتَ عنه لم يَعيبَك، ومُبلِّغك الشر كباغيه لك، ومن نمَّ لك نمَّ عليك، ومن بلَّغك السبَّ فقد سبَّك، ولو صحَّ ما نقلَه النمَّامُ إليك لكان هو من شتمك، فاللومُ على من أعلَمك لا من كلَّمك.

واعلموا أنه ليس من النميمة نقْل الكلام وفيه مصلحةُ شرعيةٌ راجحة، وخصوصاً إن دعت إليه الحاجة، فلا مانع من ذلك كما إذا أُخبر بأنَّ إنسانًا يريد الفَتْكَ به، أو بأهْلِه، أو بمالِه، أو أخبر بأنَّ إنسانًا يسعى بما فيه مَفسدةٌ لمجتمعه وناسه، كالتبليغ عن الإرهابيين والمفسدين فهذا لا حرج فيه بل من الواجبات..

الخطبة الثانية:

إخوة الإيمان: النميمة كلُّها حرام، وإنّ من أخطر صور النميمة وأشدّها ضررا، النميمة بين الحاكم والمحكومين، بين الراعي والرعية، لأنها لا تُفسد بين فردين أو أسرة فقط، بل تفتح أبواب الفتنة في المجتمع أكمل، وتُهدّد الأمن، وتُشِيع الفوضى، وتُحرّض العوام على ولاة أمرهم، وتنشر الكره والبغض بين الحاكم والمحكوم، تشوّه صورة ولاة الأمور، وتدفع الجاهلين إلى التمرّد والعصيان، فما الإشاعات المغرضة ونقل الأخبار الكاذبة إلا باب فتنة عظيم قد تخرج بسببه الأمة من الطاعة إلى الفوضى، ومن الجماعة إلى الفُرقة، في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، كانت البداية نمّامين من خارج المدينة، يُحرّضون الناس على خليفة المسلمين، حتى أغْرُوا العوام، فصاروا يسبّون الصحابة، ثم كانت الفتنة التي سُفِكَت بسببها الدماء وهَدَمت وحدة المسلمين!، وقتل فيها ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

إخوة الإيمان: إحذروا منْ بعض الناس، من يلبس لباس الغيرة والنصيحة والالتزام، لكنه في باطنه نمّام مخرّب، لا يريد الإصلاح، وإنما إثارةَ الناس، وكشفَ العورات، والطعنَ في النيات، فواجبنا الحذر من النمامين والمحرّضين، وأن نُصلح من أنفسنا وأهلينا، وأن نحارب هؤلاء ونُطفئ نار الفتنة بالكلمة الطيبة لا بالتحريش والتهييج، وأن نلتزم الأدب مع ولاة أمورنا، وأن ندعو لهم بالصلاح والهداية، أن نُذكّر الناس بوجوب الطاعة في غير معصية، فبهم تحفظ البلاد وتستقر وتأمن حياة العباد.

اللهم طهّر ألسنتنا من الغيبة والنميمة، وقلوبنا من الكره والحقد والحسد، واجعلنا من المصلحين لا من المفسدين، اللهم أصلح ولاة أمورنا، واجعلنا عونًا لهم على الحق، واحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدِم علينا نعمة الأمن والإيمان، يا رب العالمين، اللهم وفّق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وأعنهم على ما فيه صلاح البلاد والعباد، وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والاستقرار في الأوطان

المشاهدات 31 | التعليقات 0