خطبة : أهمية الخشوع في الصلاة وأسبابه

خطبة عن : أهمية الخشوع في الصلاة وأسبابه.   كتبها : خالد بن خضران العتيبي  الجمش- الدوادمي
 

الخطبة الأولى :

الحمد الله الذي أثنى على عباده المخبتين له المنكسرين لعظمته قال تعالى ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ  ) وقال تعالى (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ) ثم ذكر أجرهم فقال سبحانه ( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )

أما بعد :

عباد الله ما أكثرَ المصلين وما أقلَ الخاشعين أجسامٌ تركع وتسجد ولكن بلا روح ، أصبحت الصلاةُ عند كثيرٍ من الناس عادةً وليست عبادة فضعُفَ أثرها في حياتنا تجد أننا نصلي ونحافظ على الصلاة ولكن نتكلم بالحرام ونسمع الحرام ونظلم ونكذب فأين الصلاة التي قال الله عز وجل عنها (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) .

عبادَ الله إنَّ المقصودَ بهذه الصلاة هي الصلاةُ التي تؤدى بخشوع هذه هي التي تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ولذلك رتب الله سبحانه وتعالى الفلاح عليها فقال سبحانه وتعالى ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ،الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)  

وأصلُ الخشوعِ خشوعُ القلب فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كما في حديث النعمانِ بن بشير (إنَّ في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسدُ كلُه وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ولذلك جاء في حديث علي بن طالب في صحيح مسلم ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه اللهم لك ركعت وبك أمنت ولك أسلمت  خشع لك سمعى و مخي وعظمي وعصبي ) ولا تخشع الجوارح خشوعاً طبيعياً بدون تكلف إلا إذا خشع القلب .

واعلموا عبادَ الله أنَّ للخشوع في الصلاة أسباباً إذا أخذ بها المسلم حصل هذا الخشوع فمن هذه الأسباب :

أولاً : صلاح القلب فكلما كان القلب تقياً صالحاً كلما المسلم أكثر خشوعاً وصلاح هذا القلب يكون بكثرة العمل الصالح وكثرةِ الاستغفار والابتعاد عن الذنوب والمعاصي فالقلوبُ المظلمةُ بالشهوات والشبهات هي قلوبٌ قاسية فكيف ستخشع في الصلاة ؟

ثانياً : من ا الاستعداد للصلاة من بداية  الوقت وذلك يكون بأمور منها إجابةُ المؤذن ففي حديث حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثلَ ما يقول المؤذن ) متفق عليه  فتردد مع المؤذن مثل ما يقول إلا إذا قال حي على الصلاة فإنك تقول لا حول ولا قوة إلا بالله وكذلك إذا قال حي على الفلاح .

وتأتي بالأذكار التي تُقال بعد سماع الأذان ومن ذلك : ما جاء في صحيح البخاري : عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ "

وكذلك يبادرُ المسلمُ إلى الصلاة في المسجد من بداية الوقت ولا يتشاغل عن التبكير إلى المسجد وتأمل حال سلفنا الصالح في المبادرة إلى الصلاة فقد روى ابن أبي شيبة عن سعيد ابن المسيب قال : ( ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد )

وهذا إبراهيم بن ميمون المروزي أحد الدعاة وهو من علماء الحديث  كانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة  قال ابن معين ( كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها ) لم يضرب بها مع أنه لو ضرب بها لم يأخذ هذا ثواني يسيرة ولكنه يَعلم أن الضربة ستجر لضربة ثانية وهكذا حتى يتأخر عن الصلاة فهم يُربون أنفسهم على التفرغ للصلاة من حين سماع الأذان .

ثالثاً من أسبابِ الخشوع : أن يتذكر الانسان بوقوفه هذا الوقوف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة وأن هذه الصلاة قد تكون أخر صلاة يصليها العبد وذكرُ الآخرةِ عموماً يقوي الخشوع ولذلك قال الله عز وجل (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)  (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) .

رابعاً من أسباب الخشوع في الصلاة :  أن يستشعر الإنسانُ أنه في مناجاةِ مع الله عز وجل وأن الله عز وجل يجيبه يقول صلى الله عليه وسلم " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ "

ومن أسباب الخشوع في الصلاة وهو السبب الخامس : تدبر الآياتِ  المقروءة وكذلك تدبر الاذكار  قال ابن جرير إني لأعجب ممن يقرأ القران ولا يعرف تأويله أي تفسيره كيف يخشع في صلاته .

فمهم جداً تتعلم معاني ما تقوله في صلاتك هذا يساعد على الخشوع في الصلاة .

سادساً من أسبابِ الخشوعِ في الصلاة : الطمأنينةُ في الصلاة فيحرص المسلمُ على أن يؤديَ أركان الصلاة بطمأنينة وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رد رجلاً لم يطمئن في صلاته وقال له صل فإنك لم تصل ثم علمَّه الطمأنينة في الصلاة .

وكذلك يبتعد الإنسان عن كثرة الحركة في الصلاة فالحركة إذا كانت يسيرة بدون حاجة فهي مكروهة وأما إذا كانت الحركة كثيرة متوالية فكلُ من رأه يظنه أنه ليس في الصلاة من كثرةِ حركته هذا لا تصح صلاته .

أسأل الله سبحانه وتعالى يجعلنا ممن يتلذذون بالصلاة وأن تكون هذه الصلاة راحة لنا وقرة لأعيننا إنه سميع مجيب .

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن محمد عبده ورسوله

أما بعد :

من أسبابِ الخشوعِ في الصلاة وهو السبب السابع : معرفةُ صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيأتي المسلم بالسنن القولية والفعلية في الصلاة  والنبي صلى الله عليه وسلم حرص على تعليم أمته صفة الصلاة بفعله وقوله فقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر والصحابة رضي الله عنهم ينظرون إليه فلما فرغ من صلاته قال إنما صنعت لتأتموا بي ولتعلَّموا صلاتي )  

وقال عليه الصلاة والسلام ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فيحرص المسلم على تعلم صفة صلاته عليه الصلاة والسلام كيف كان يقرأ وكيف كان يركع ويسجد والله سبحانه وتعالى يقول( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) لا يستوي العالم والجاهل لا يستوون في كل شيء ومن ذلك الخشوع في الصلاة .

ومن أسبابِ الخشوع في الصلاة وهو السبب الثامن :  استشعارُ المصلي اللذة الحاصلة في الصلاة وذلك إذا وجد الخشوع ففي حديث أنس رضي الله عنه عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال ( وجعلت قرة عيني في الصلاة  )  

وفي سنن أبي داود يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها ) وأما الذي لا يجد الخشوع في الصلاة فلسان حاله يقول ( أرحنا منها )  .

ومن أسباب الخشوع في الصلاة وهو السبب التاسع : استشعار المصلي أنه ليس له من الأجر من صلاته إلا ما عقل منها ففي سنن أبي داود  من حديث  عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشرُ صلاته تُسُعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها " .  

فعلينا عبادَ الله أن نهتم بالخشوع في الصلاة فثمراتُ ذلك عظيمة جداً في الدنيا والآخرة أسأل الله أن يجعلنا من عباده الخاشعين الذين يرثون جناتِ النعيم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} ثم قال سبحانه { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}  .

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم إنَّا نسألك لإخواننا المسلمين في كل مكان فرجاً قريباً اللهم علينا بأعداء هذا الدين إنك أنت القوي العزيز عباد الله صلوا على من أمرك الله بالصلاة عليه فقال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على محمد اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين .

عبادَ الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فأذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

 

 

 

 

 

المرفقات

1760619542_الخشوع في الصلاة وأسبابه.doc

المشاهدات 157 | التعليقات 0