خطبة إنما هذه الحياة الدنيا متاع
حسين بن حمزة حسين
1446/08/25 - 2025/02/24 15:06PM
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
إخوة الإيمان: خلق الله تعالى الكوْن العظيم وجميع ما فيه من مخلوقات من أحياء وجمادات تسبّح الله تعالى وتعبُده، قال تعالى ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )، وسخّر جميعَ هذه المخلوقاتِ لمخلوقٍ واحدٍ وهو الإنسان، وسخّر الله تعالى له هذا الكون العظيم لأمرٍ عظيم أمر ٍجسيم، وهو عبادةُ الله تعالى وحده لا شريك له، قال تعالى ( ألمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ )، قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، خلق اللهُ الإنسان من جسدٍ وروح، وجعلَ مدار الغيْب والامتحان على الرّوح، قال تعالى(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، فدارُ الدّنيا دار الامتحان والعمل، أصلُها الجسدُ والروحُ لها تبَع، فمن بلغ التكليف، ورضي بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلّم نبياً، وآمَن وصدّق وعمِل وأحْسن، فاز فوزاً عظيماً، ومن كَفَر وعَصَى ورضِيَ بالكفر ربّاً، خسِر الدنيا والآخرة، وذلك الخسران المبين، وتنتهي الحياة الدنيا لكل إنسان بموته، والموْت حقُّ كتبه الله تعالى على كلّ حيّ، قال تعالى (كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )، ومن مات بدأت قيامته، وبعد الموْت تأتي حياةُ البرزخ، والله أعلم بقدْرها، إلى يوم البعث والنشور، والأصلُ فيها الروحُ والجسدُ تبع، وقَضَى اللهُ تعالى أن لا تواصل بين الأموات والأحياء، لا تواصل بين الحياة الدنيا وحياة البرزخ، لتمام الابتلاء والاختبار، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ في حياة البرزخ تكون أرواح المؤمنين الشُّهداء في أجواف طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تعود إلى قناديل مُعلَّقة تحت العرش، وأرواحُ المؤمنين تكون طائرٌ يَعْلُق في شجر الجنة، وأما أرواحُ الكافرين والعصاة لهم نصيبُهم من النار بالغدوّ والعشيّ من الأيام، وأما مُستقرُّ أرواحِهم ومكانهُا بعد العذاب فالله أعلم بها، قال الله تعالى في حقِّ آل فرعون) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).
إخوة الإيمان: وتنتهي الحياةُ البرزخيّة كما تنتهي الحياةُ الدنيا، مرحلةٌ طويلة، وبنهايتهما تكتمل وتنتهي الغاية التي من أجلها خلق الله الكوْن، وتأتي الحياةُ الآخرة، فلا تقام إلا على شرار الخلق-نعوذ بالله-، عندما لا يوجد في الأرض من يقول الله الله، فيأذن الخالقُ بنهاية الكون، والقيام ليوم الحساب والجزاء، فيأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخ في الصور نفختين، النفخة الأولى نفخةُ الصعق نفخةُ الفزع، فيُصعق كل الأحياء ويموتون فزعاً ورُعْباً، حينها تُزلْزل الأرض وتُدك، والجبال تسيّر وتُنسف، والبحار تُفَجّر وتسجّر، والسماء تشقّق وتمور، والشمس تُكوّر وتذهب، والقمر يُخسف، والنجوم تنْكدر ويذهب ضوؤها وينْفرط عقدها، والعشار تعطّل، والوحوش تُحشر، وتنْتَثر الكواكب، ثم تأتي النفخةُ الثانية، بعد أربعين قيل أربعين يوما وقيل أربعين شهرا وقيل أربعين سنة، نفخة القيام من القبور، قال الله تعالى: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ )، وثبت في صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ثم يُنفَخ في الصُّور فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا، ثم لا يبقَى أحدٌ إلا صُعِقَ، ثم يُنزل اللهُ مطرًا كأنَّه الطلُّ أو الظل - شكَّ الراوي - فتنبت منه أجسادُ الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظُرون)، حينها تُبعثر القبور، وتمدّ الأرض، وتُلْقي ما فيها وتتخلّى عنه، ويصير النّاس كالفراش المبثوث فوقها، يتّبعون الداعي لا عوج له، (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)، في هذه الحياة الآخرة، تقترن الروحُ بالجسد أكمل ما يكون، فتقوم بإذن ربها من القبور للقاء خالقها وبارئها، لتحاسب على أعمالها، إنه اليوم الآخر، يوم القيامة، يوم الحساب، يوم الجزاء، يوم لقاء الله، حياة الخلد، الحياة الأبدية، الدّار الباقية، نعيمٌ دائمٌ سرمدي في جنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين الذين صدقوا وآمنوا وأحسنوا، وإما عذابٌ دائم سرمديٌّ أعده الله تعالى للكافرين المكذبين، في نار جهنم خالدين مخلدين فيها لا تفنى عليهم ولا تبيد، مقيمون أبد الآباد( لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا)، فيُحشر الناس إلى أرضٍ بيضاءَ عَفْرَاءَ ، كقُرْصَةِ النَّقِيِّ، ليس فيها مَعْلَمٌ لِأَحَد، وهي مكان الحشر واجتماع الناس للجزاء والحساب، قال تعالى ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) ..نفعنا الله بالقرآن والسنة وبما فيهما من الآيات والحكمة.. أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
عباد الله: لا تغرنكم الحياة الدنيا، فما هي إلا لحظةٌ واحدة يأذن الله تعالى، فتخرج الروح، فإذا العبد في عداد الأموات، وقد طُويت صحيفةُ أعماله على ما قدّم، والموت ليس النهاية، بل هو بداية رحلةٍ طويلةٍ إلى الدار الآخرة.. ومن مات قامت قيامته، والموْتُ أولُ منازل الآخرة، ولا تزالَ الأرضُ تستودعُ ما يُدفَن فيها من الأموات، حتى يشاءَ الله لقيام الساعة، فاغتنموا أعماركم بالإكثار من الطاعات والاستزادة من الحسنات، اجتنبوا الذنوب والمعاصي والآثام، فأحدنا لا يدري متى تكون ساعة موته ونهاية رزقه وأجله وقدومه على ربّه عزوجلّ.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...