(خطبة) الاستعداد للرحيل من الدنيا

خالد الشايع
1447/01/22 - 2025/07/17 16:42PM

                1
الخطبة الأولى  ( الاستعداد للرحيل من الدنيا )    23/1/1447
إن الحمد لله ...(خطبة الحاجة)

أما بعد معاشر المؤمنين :  أخرج مسلم في صحيحه من طريق  خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا و والله لتملأن أفعجبتم ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام .

معاشر المسلمين :

لقد حذر المولى جل وعلى من الاغترار بالدنيا وزخارفها :  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(فاطر:5)    

  

ولقد تكاثر النصوص في ذلك تحذيرا من الاغترار بالدنيا والغفلة عن الغاية التي من أجلها خلق الخلق .

وإن مما يؤسف له انقلاب المفاهيم

وانتكاس الفطر عن هذه الحقيقة بل إن الناظر إلى حالنا في مجتمعنا يرى أن الناس يعملون أعمال الخالدين بل متى ما مر على طيف أفكارهم خيال الموت فر هاربا من الاستغراق في التفكير فيه بل لو سمع الواعظ والداعي إلى الله مخوفا من الغفلة فر بجسده قبل فكره ولو كان يعرف المتحدث لأسكته بقوله لا تنغص علينا حياتنا .

وهذا هو التعامي عن الحق ودس الرأس في التراب ، فالموت خلق ليبين للناس حقيقة الدنيا ، وليوقظ النفوس الغافلة من سكرة شهواتها وليتسابق الناس إلى فعل الخيرات)الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)

وأخرج ابن حبان من حديث أبي هريرة والبزار من حديث أنس t   قال r : (  أكثروا ذكر هاذم اللذات  :  الموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه و لا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه   )

  عباد الله : إذا كانت الدنيا بهذه المكانة فمن الجهل والغرور الركون إليها وقد أفصحت عن نفسها ولم تبق لذي لب حجة ومقالا.

 

 

                        6

ولكي يحذر المسلم منها يجب عليه معرفة الذي غره فيها ولا أعظم فتنة للخلق في هذه الدنيا من شهواتها ولهذا أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

إذا فالدنيا والنساء هما فتنة كل مفتون ، أما فتنة النساء فلا حاجة للكلام فيها لوضوحها وإجماع الناس على ذلك ولكن فتنة الدنيا التي تعصف بالناس وهم عنها غافلون ، ولبيان صحة ذلك انظر إلى أحوال الناس فيها تجد أن الهرم الكبير أحرص على الدنيا من الشاب الصغير ، أخرج الترمذي في جامعه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهرم ابن آدم ويشب منه اثنتان الحرص على العمر والحرص على المال  .

ولتعرف حرص ابن آدم على المال اسمع لهذا الحديث وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمرو بن عوف الأنصاري   وكان شهد بدرا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم وقال أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فابشروا وأملوا ما يسركم فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم .

إذا فالخشية إنما هي من الدنيا وزخارفها وشهواتها لا من الفقر وهفواته ولكن كما قال جل وعلا  ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا )

خطب  شداد بن أوس فقال أيها الناس إن الدنيا   أجل حاضر  يأكل منها البر والفاجر وإن الآخرة أجل مستأخر يحكم فيها ملك قادر ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة وإن الشر كله بحذافيره في النار.

 

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك واجعل ما رزقتنا عوننا لنا على طاعتك.

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ......

أما بعد أيها المسلمون :

إن من أعظم الملهيات لابن آدم في هذه الحياة عن دينه هو هم الرزق وكيف يجمعه وهل نقص أم زاد وما هو رزقي اليوم وكذلك الغد بل بعد أيام وأعوام .

فيا سبحان الله كيف يهتم الخلق بأرزاقهم وقد قسمت لهم قبل خلقهم ، فيا ابن آدم أجمل في الطلب فلن يأتيك إلا ما قسم لك ، واعلم أن ما كتب لك فسيأتيك وهو أسرع إليك من أجلك .

أخرج أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة t قال r ( إن روح القدس

نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعب رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته )

  معاشر المؤمنين زوروا المقابر لتعرفوا حال الدنيا وليتضح  لنا جميعا أننا نعيش في غرورا .

أخرج الحاكم عن أنس t قال r (  كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب و تدمع العين و تذكر الآخرة و لا تقولوا هجرا)  . ‌

عباد الله : بنى هارون الرشيد قصرا أبدع في بنائه  ثم دعا إليه الناس من

الوجهاء والشعراء والكل يمدح إلا أبا العتاهية كان ساكتا مطرقا فقال له هارون ما عندك يا أبا العتاهية فرفع رأسه ثم قال :

عش ما بدا لك سالما

                   في ظل شاهقة القصور

يغدا عليك بما اشتهيت                            مع الغدو مع البكور                                           

ثم أطرق فقال له هارون هيه :

فرفع أبو العتاهية رأسه وهو يبكي ويقول : 

فإذا النفوس تغرغرت                              بزفير حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقنا                                    ما كنت إلا في غرور

 

فبكى هارون الرشيد رحمه الله فلام الناس أبا العتاهية على ذلك فقال هارون الرشيد: دعوه فما صدقني غيره .

عباد الله / حذاري من الغفلة التي كان المصطفى r يتعوذ منها أخرج الحكم في مستدركه من حديث أنس بن مالك كان النبي r يدعوا بهذا الدعاء : ( اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل و الجبن و البخل و الهرم و القسوة و الغفلة  ).

اللهم أيقظنا من الرقدات وأعذنا من الغفلات واغفر لنا الذنوب والسيئات

اللهم أعنا على تدارك مافات من الأوقات والأعمار يا رب العالمين

اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .......

اللهم أنج المستضعفين من ......

ربنا ظلمنا أنفسنا ......

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين ......

سبحان ربك رب ......

 

 

 

 

 

المرفقات

1752759769_الاستعداد للرحيل من الدنيا.doc

المشاهدات 347 | التعليقات 0